محمد عادل زكى
الحوار المتمدن-العدد: 8347 - 2025 / 5 / 19 - 09:47
المحور:
القضية الفلسطينية
إن الحديث عن "الصراع العَربيّ/الإسرائيليّ" ليس حديثًا عن نزاع حدود أو صراع بين قوميتين على أرضٍ واحدة فحسب، بل هو انكشافٌ مأساويّ لبنية حضاريَّة مأزومة، وفشل تاريخيّ في مواجهة المشروع الإمبرياليّ الكولونياليّ في صورته الْمعاصرة. فإسرائيل، بما هي نتاج وظيفيّ للحداثة الغربيَّة واستمراريَّة لتاريخ طويل من الْعنف الاستعماريّ، ليست كيانًا جغرافيًّا طارئًا، بل تجسيدٌ لمجمل التراث الاستعماريّ الأوروبيّ المتمركز حول ذاته، والمُحْتَقِرِ للآخر. فإذا كانت أوروبا قد اختزلت الآخر في "الهمجيّ" و"البدائيّ" طوال قرون، فإن المشروع الاستعماريّ الصهيونيّ جاء ليُمارس نفس التقنيات على الأرض الفلسطينيَّة، مرتكنًا إلى دعامة مزدوجة: الأولى دينية/خلاصيَّة مستندة إلى الوعد الإلهي المزعوم، والثانية علمانية/وظيفيَّة ترى في الأرض العربيَّة امتدادًا مُستباحًا. لقد فشل العقل العَربيّ، الَّذي ظل مأخوذًا بسحر الدَّولة القُطرية ومفاهيم السيادة المستوردة، في إدراك البنية الجدليَّة العميقة لهذا الصراع. فلا معنى لتحرير "الأرض" إذا لم يُحرَّر الإنسان العَربيّ من علاقات التبعية الَّتي نسجها الاستعمار القديم والجديد، والَّتي أُعيد إنتاجها عبر طبقات بيروقراطيَّة/عسكرية تحكمت في القرار السّياسيّ باسم "التَّحرير" و"القضية" بينما كانت تُجهِز على شروط الْفعل التَّاريخيّ. الصراع العربي/الإسرائيلي، بهذا المعنى، ليس صراعًا "خارجيًّا" بقدر ما هو مرآةٌ مكبرة لأزمة داخليَّة في الوعي العَربيّ، أزمة تجلَّت في عجز هذا الوعي عن تأسيس مشروع تحرريّ حقيقيّ يتجاوز الحدود المصطنعة، ويُنهي التبعية البنيوية للنظام الرأسمالي العالمي. إسرائيل، إذًت، ليست "الْعدو" فحسب، بل هي الوجه الأكثر فجاجة لهيمنة الرَّأسمال العالميّ، الَّذي استبدل جيوش الاحتلال بقواعد عسكرية مالية، وحوَّل الجغرافيا إلى وظيفة في منظومة الإنتاج والاستهلاك. ومن هذا المنظور، فإن كل محاولة لتحرير فلسطين لا تبدأ بتحرير العقل العربي من أوهام "التنمية" النيوليبراليَّة، ومن تصورات "الحداثة" المُعلَّبة، لا تعدو كونها تكرارًا لأسطورة الهزيمة. وحده المشروع النقديّ الجذريّ، الذي يُعيد مساءلة الوجود العربي من جذوره، ثقافيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، قادرٌ على بناء سردية بديلة تعيد وضع فلسطين في قلب السّـؤال الحضاريّ، لا بوصفها أرضًا محتلة فقط، بل بوصفها المِرآة الَّتي تعكس كل ما هو مشوه في بنيتنا العَربيَّة المنكوبة.
#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟