أيوب بن حكيم
الحوار المتمدن-العدد: 8344 - 2025 / 5 / 16 - 16:47
المحور:
كتابات ساخرة
تتراخى مشيتها وتتهادى، فتتراقص أردافها، فتتلاعب جلابيتها وتتماوج مؤخرتها، فيتماوتُ {عمي المعلم بلبشير} من تباطؤ المشية الألعوبانية الأفعوانية ويتحسر، فلتهاديها افتتاحٌ جميلٌ ليومه ، ينسيه حرارةَ الزيت المفرطة.
رمى {المعلم بلبشير} بإسفنجة بسخط فترتد قطرات الزيت فمصيبته وهو يرمق مصيبته، فاختلطت حرارة الزيت بلظى اللحظة شغفا محرما؛ وما درتْ) لالة أم هاني( بما حدث للزيت وصاحب الزيت، لكن تحادست أنوثتها بفضل ثقتها المفرطة في أردافها أن نظرات {عمي بلبشير} أصبحت ملازمة لها صبحا وممسى، قعودا وممشى، إبحارا ومرسى، حتى غدت حملقاته من لوازم يومها، لدرجة أن مثقفي الحي يسمون هذه اللحظة الفارقة بمتلازمة بلبشير.
ارتسمت على محيا ذات الأرداف أشباحُ ابتسامة هائمة سرعان ما توارت خلف جدية مصطنعة بدروشة أصيلة، تدلف { لالة أم هاني } للزاوية، وبالأحرى يدلف صدرها أولا، يتأفف عمي بلبشير من احتمالات وجودها فيتساخطُ زاما شفتيه مغمغما بكلمات تفيض ورعا زائفا أمام {متعلميه} الذين تعودوا طقس حنقه ومتلازمته التي كانت تعاديهم فطفقت تعديهم:
ــ " آخر الزمن، امرأة تدخل الزاوية والمقدم فيها وحده, هذه خلوة والشرع ينهى عن الشبهات"، أما عقله الباطن فقد كان يصرخ بضجيج من الأفكار المكتوية المتلوعة المكبوتة المحبوسة المنعدمة الصوت: " لكم تمنيت أن أكون مقدم الزاوية لكي أحدث أم هاني دون حرج وفي خلوة حلوة"...يتباسمُ صبيانُ المحل من صبيانية المعلم فتغامزت أعينهم تغامزا..
تركنا صدر {لالة أم هاني} يدلف أولا إلى باب الزاوية ببطء، ثم أتبعتْه جسدها الممتلئ الغض وكل شبر من جسدها يأخذ وقته الكامل في الدخول كأنه لاعب كرة قدم منتصر نادى عليه مدربه ليخرج من الملعب مبدلا إياه فيتهادى ببطء مضيعا الوقت، وبعد امتلاء الباب بها، لمح المعلم شعرها يرتد للوراء بعدما لامسه هواء بارد آت من الزاوية، ففرح ظانا أنها عدلت عن الدخول فطفق يعدلُ من جلسته، وسرعان ما أكملت لالة أم هاني حشر جسدها حشرا، فاغتاظ المعلم بلبشير من سراب توقعه، لكن خيلَ إليه أن المرأة نسيت مؤخرتها خارجا، فاستبشر خيرا كما خارجي طامع في الحكم والحب، ولكم تمنى أن تدخل تاركة عجيزتها، وكأن السيدة سمعت هواجسه فما لبثت أن أولجت المؤخرةَ العريضة بعد ذلك بثانيتين، فانغرزت بين دفتي الباب وانعجنت وانبعجت ثم انحشرت بقوة فسُمع دوي هائل لارتطام ضفتيْ المؤخرة بتموج رهيب كاف ليعتبر جريمة إبادة... ليكتمل أخيرا دخولها إلى المقام، ولحسن حظ المعلم أنه لم يرَ انبعاجَ المؤخرة وانحشارَ ضفتي الردفين في دفتيْ الباب..وإلا لكان من المغمى عليهم..
طفق مقدم الزاوية الملقب بـ{مولانا} يراجع أذكار وأوراد طريقته، وما إن رمق { لالة أم هاني} حتى أصابه مس، فشرع يخلط الذكر بالورد والحزب والتصلية، وهب مرتجفا وحملق فحوقل، وسرعان ما أحس بدبيب أقدام أم هاني الممتلئة فوق أرضية الزاوية الخشبية التي تفصل الأرجل عن الأرضية الرطبة، ورغم أن الخشب عازل للكهرباء لكن أفعوانية جسد {لالة أم هاني} تحدت قوانين الفزياء، ووصل المس لقلب {مولانا}، فارتد إلى الوراء وعقد موازنةً سريعةً بين جسد زوجه وهي ابنة شيخه، وجسد هذه السيدة المدمنة على الأسياد؛ ودون مقدمات جلست إلى قدمه وقبّلت يده بقوة المؤمنة، فتراءى له بريقُ ريقها كخط {التنفيحة} الغمارية فوق كفه، فقال لها: "طريقتنا تعتمد تقبيل اليدين معا وليس اليد اليمنى كما تعلمين"، فـ"حبّت" على يده اليسرى بشدة أكبرَ إرضاءً لأولياء الله الصالحين فيه، فكان وقع قبلتها أعتى من الغمارية، فابتسم بنشوة المنتصر في معركة وهمية، ودون كيخوته خارجا يتلوع تلوعا بمتلازمته....فـ{السي بلبشير} كان يتلوى غيرة وحسدا وغيظا وحنقا، فطفق يغطـّس الإسفنجات بتوتر الحاقد، وصديقه {المعلم اليحياوي} يثبته: "واااا السي بلبشير الرجوع لله، مابك في كل صبح تغتاظ هكذا" ؟
ـ فأجاب: " لست مغتاظا. خليني هذه الساعة نخدم خدمتي".
ــ اليحياوي ساخرا: أ شمن خدمة في الخدامي...الاسفنج أم النظر للترامي..
ــ بلبشير: خطي عليك عرامي ..راه هاداك غرامي
ـ اليحياوي: قصيدة ملحون هذه...إيوا شوف مراحتي الصفريوية أو هاديك الغرباوية تغنيها لك...يا الحنش..
تلقفت عينا مولانا تفاصيل ضيفة الزاوية {أم هاني}، فأمرها أن تتمشى إلى الضريح للسلام على الولي سيدي (بوعفطة عريان الشعر)، فتهادى جسدها كما سمحج مكتنزة، فتنهد مولانا وهو يراها كعارضة أزياء أصيلة، لكنه لم يكتف بما رآه، فزيف غضبة على محياه، وأمرها بالهرولة إلى الضريح حتى يتنسم تضاريسها البارزة وهي تهتز، فما كان من المسكينة إلا أن هرولت فصار دبيب مشيتها هديرا، فخفق مولانا كاملا وارتج ارتجاجا، إذ انكشف منها المستور بين فتحات الجلباب، لكن لسوء حظه تعثرت فالتوت قدمها وسقطت، فصاح غاضبا منها عوض أن يصرخ خائفا عليها، فصرخت هي صرخة لم يسمعها سوى {السي بلبشير}، فاستشاط حنقا مما حملته له مخيلته من صنوف التخيل، وضروب الاستيهام، وأنواع الافتراض، فهُرع إلى الزاوية تاركا الإسفنج يتلظى في حميم، فبسمل {المعلم اليحياوي} فاغرا فاه دهشةً، وقبل أن يكمل البسملة لينتقل للحوقلة ناداه بلبشير: "اطفئ اطفئ المقلاة السي اليحياوي عافاك".
ــ اليحياوي: قل لمراحتي تطفيها لك...
ـ بلبشير: قلنا عافاك..
ـ اليحياوي ضاحكا: يجب إطفاؤك أنت وليس المقلاة...
تحاملت {لالة أم هاني} على ألمها، وحاولت النهوض من عثرتها، ظانة أن الولي الصالح (سيدي بوعفطة عريان الشعر) غاضبا منها، فبكت بكاءً مرا وترجت الضريح المبارك أن يسامحها على عدم السبق إلى الضريح قبل المقدم الذي استغل الفرصة فساعدها على النهوض ماسكا فيما لا يمكسه إلا زوجها، في تلك اللحظة دخل الإسفنجي متعرقا مستعدا لحرب، ممنيا نفسه بالتقرب من معشوقته في هذا اليوم المشهود بهذه المعركة، المعركة التي سماها مثقفو الحي: معركة الضيوف الثلاثة، وما إن رأى غضب الولي على السيدة حتى نسي ما هو بصدده من تمنيات، ودلف غرفة الضريح فمقبلها. ففهم مولانا بذكائه الاجتماعي كل شيء، ولكي يسترضيَه ويتقيَ شرا محتملا منه طلب منه أن يساعده في مساعدة / لمس {أم هاني}، فعد الاسفنجي ذلك عرسا مبينا وفتحا قمينا بأن يسجل في كتب التاريخ، ثم زاده تشريفا وقال له: "السي بلبشير أنا راض عنك فأنت أول من هُرع لكي يساعد الولي الصالح في هذه السيدة، اذهب بها إلى بيت زوجها ونادِ عليه لكي يأخذ زوجه إلى أقرب مشفى، وأكدْ عليه أن مولاكم يلامسه ببركته". فطار {بلبشير} غبطة فاندمعت عيناه اندماعا، كل هذا والسيدة لا تحرك ساكنا بعدما شغلت كل السواكن. وهكذا انتهت معركة وادي المفاتن..
مر {بلبشير} بمحاذاة دكانه العفن، غير آبه بنظرات {المعلم اليحياوي} الدهِشة، مسارعَ الخطوات مستجمعا قُوّاه حتى لا يبدو خائرها فيعمد أحد من الجيران الأقوياء إلى مشاركته في مساعدة {أم هاني} التي تأبطتْ ساعده بخوف عفوي، والمرء عند الخوف والألم يحن، وحين الفرح يحن، وحين الحزن يحن، وما إن وصلت إلى دارها حتى نبح كلب منها، ومن ثمة أطل الزوج {السي مبارك} يستفسر بعينين اغتالهما الكيف عما حصل، فناداه {بلبشير} أن انزلْ لكن ببطء، حتى يستفيد من اللحظات الفاصلة بين نزوله وتسليمه {أم هاني}، هنيهات كأنها الدهر، و{أم هاني} تتلوى ألما، ومقدم الزاوية يحملق من بعيد البعيد حاسدا بلبشير على النعيم الذي هو فيه، حدث نفسه: هذا المعلم الخبيث ربح معركة، لكنه لن يربح الحرب، فالثغور كثيرة والحرب خدعة..ثم لمعت عيناه بفكرة جهنمية..
تسلم السي {مبارك} زوجه بقليلِ اكتراث، ومن إن لاح شبح الإهمال في عينيه حتى تطوع {بلبشير} لإيصالها للمشفى، فأعطاه زوجها الإذن غير ساه عن أن يطلب حفنةً من الكيف مقايضةً، فمد {بلبشير} يده إلى معطفه الأبيض سابقا، البني حاليا، وانتشل بخفة نشال بلاستيكة كيف شفافة معتبرة عند أهله، مدرحة تدريحا فاعلا تاركا ، فتلمس السي مبارك ذلك، وتحفز لطلب إسفنجات الفطور فصرخ المعلم بلبشير في صديقه {اليحياوي} أن أحضر الإسفنجات لسي مبارك، كل هذا وثقل أم هاني يجثم عليه، أما هو فقد رأى ثقلها أخف ما حمل في حياته.
تلمس مولانا هاتفه باحثا عن رقم، وما إن وجده حتى تهللت وجهه ببريق حاد، فهاتف صاحب الرقم قائلا " أهلا بني، ما أعرفه عن أهل الريف النخوة، فكيف تترك أمك السيدة الفاضلة الذي اسمها على اسم ولية الله أم هاني صاحبة القصيدة الشهيرة في يد رجل خبيث مثل ذلك السفانجي اللئيم وأنت أكبر أبنائها وأتقاهم..؟ "
ـ رد محسن ابن أم هاني حانقا: أين هذا ؟
ـ قال مولانا: "على عتبة بابكم الآن، انتقم لشرفك الذي يكاد يهدر..."
فجأة أطل {محسن} من مقهى {العيادية} وهو ابن أم هاني الأكبر، فهاله ما رأى، فجرى جرية فهد منقض، وتلقف أمه من جاره المعلم بلبشير لاكزا إياه بقوة الشباب، رامقا محملقا فيه بشدة، فترنحَ المعلم بلبشير ترنح ملاكمي الوزن الثقيل، وابتعد ببطء حزينا مكتويا كأنما سُلبت منه غنائمُ معركة، معركة الضيوف الثلاثة، وفي اللحظة نفسها وصل المعلم اليحياوي وفي يده إسفنجات ملفوفة في كاغد بني، فانتشلها بلبشير منه وعاد إلى دكانه لاعنا {السي مبارك} والكيف الذي تسلمه منه ابتزازا. وابتسم هذا؛ فقد ربح ــ فيئا دون حرب ــ من التواء كاحل زوجه ما لا يقل عن أسبوع كامل من التكييف العالي الجودة.
من بعيد فاحت رائحة قهقهة مولانا، وفي يده سبحة كبيرة، ولسان حاله يقول: إما أن ألعب أو لا يلعب أحد.
وصل {العم بلبشير} إلى دكانه منهكا متعبا مشوشا، سمع أصواتا كثيرة خلفه، التفت فهاله منظر طابور الجيران المحتجين على تأخر الإسفنج، فصاح في {متعلميه} ليسرعوا، وحاول استدراك التأخر.
من شرفة دار {لالة أم هاني}، تراءت عينان واسعتان حزينتان، نظرت إلى {مولانا} و{بلبشير} بسخط حانق، ثم لمحت تحت شرفتها المعلم {اليحياوي} يتمشى بهدوء الواثق، رافعا عينيه إليها بحب، غمزها فابتسمت له ابتسامةً واسعة. واتفقا بالإشارة على الموعد المعتاد.
#أيوب_بن_حكيم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟