ضيا اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 8342 - 2025 / 5 / 14 - 14:10
المحور:
الصناعة والزراعة
أثار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن رفع العقوبات المفروضة على سوريا اهتماماً واسعاً في الأوساط السياسية والاقتصادية، بعد نحو أربعة عشر عاماً من فرضها.
تلك العقوبات التي طالت مختلف القطاعات الحيوية من استيراد الأدوية والمعدات الطبية، إلى شلّ قطاعات الطاقة والصناعة والتحويلات المالية، والتي فُرضت بادّعاء الضغط على الحكومة السورية لتغيير سياساتها. لكن ما حصل هو العكس تماماً: فقد دفع الشعب السوري وحده ثمن الحصار، بينما بقيت النخبة الحاكمة والمسؤولون بمنأى عن تأثيراته، بل وربما استفادوا منه في بعض الأحيان، عبر اقتصاد الظل وتجارة الأزمات.
إن تاريخ العقوبات الغربية على دول مثل روسيا إيران وكوبا وكوريا الشمالية، يكشف بوضوح محدودية فعالية هذه السياسات في كبح جماح الأنظمة أو تغيير سلوكها. فالعقوبات لم تُسقط أنظمة، لكنها أسهمت في سحق الشعوب وتعميق أزماتها المعيشية، إذ غالباً ما تلجأ الأنظمة المحاصَرة إلى تحويل العقوبات إلى شمّاعة تعلّق عليها إخفاقاتها وفسادها.
النظام البعثي البائد، مثلاً، لم يدّخر مناسبة إلا وعلّق فيها فشله الإداري والاقتصادي على شماعة العقوبات. غيّب الحديث عن الفساد المنهجي، وعمليات النهب المقوننة، والسياسات الاقتصادية التي صبّت خيرات البلاد في جيوب حفنة من "الحيتان".
والأسوأ أن السلطة الجديدة لم تكن على قدر آمال السوريين بعد التغيير، بل ضاعفت من أوجاعهم من خلال قرارات تعسفية، كحرمان مئات الآلاف من الموظفين والعسكريين المسرّحين من رواتبهم التقاعدية الزهيدة، دون تقديم أي حلول بديلة.
من هنا، يُطرح السؤال الملحّ:
هل يمكن أن يستفيد السوريون فعلاً من رفع العقوبات؟
الجواب: نعم، ولكن بشروط.
فرفع العقوبات خطوة إيجابية لا شك فيها، لكنها ستظل حبراً على ورق، إذا لم ترافقها إصلاحات داخلية جذرية، تبدأ بإعادة الاعتبار للعنصر البشري، وإعادة الموظفين المسرّحين إلى مواقعهم، وتبنّي سياسات اقتصادية توازن بين النمو والعدالة الاجتماعية.
ولا بد من ضبط بوابة الاستيراد لمنع إغراق الأسواق بالبضائع التافهة، مقابل دعم الزراعة والصناعة كركائز حقيقية للاقتصاد الوطني.
كما لا يمكن تحقيق التعافي دون حلّ أزمة الطاقة المزمنة التي تخنق الإنتاج والحياة اليومية، وتعيد البلد إلى عصور الظلام.
في النهاية، رفع العقوبات ليس عصا سحرية. إنه مجرّد فرصة.. إما أن تُستثمر في إعادة بناء ما تهدّم، أو تضيع كما ضاعت فرص كثيرة قبلها، لتتكرّر المأساة بوجوه وأقنعة جديدة.
فهل آن الأوان لالتقاط الفرصة، أم أن الفخاخ لا تزال في أماكنها، تبدّل جلدها.. لا جوهرها؟
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟