أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - البتول المحجوب - حكاية امراة














المزيد.....

حكاية امراة


البتول المحجوب

الحوار المتمدن-العدد: 1805 - 2007 / 1 / 24 - 12:21
المحور: الادب والفن
    


في انتظار شروق الشمس تجلس كل صباح على ذاك الكرسي رأسها مسند على حائط دامع العينين.
صامتة، نظراتها، شاردة كمن يبحث عن شئ ضائع.تقاسيم وجه رسم الزمان علاماته عليه. ابتسامة منكسرة على شفاه لم تعرف أحمر الشفاه يوما، عينان يحملان ألف سؤال وسؤال دون جواب. أسئلة بقيت معلقة في انتظار فجر جديد، أصابع تتحرك ببطء بين حبات سبحة..أمر عليها كل صباح أحييها دون رد، أشعر بغصة على حالها ،اقترب منها وأنا في طريقي، انحني اقبل رأسها، امسك يداها. ترد بابتسامة منكسرة دون كلام. أتابع طريقي وأنا أكثر سخطا وغضبا ،اشعر بألم اكبر مني لحالها، أتابع سيري لكن دون نسيان نظراتها المنكسرة من
عينان تحجر دمعهما من زمان بعيد، ووجه يحمل حكاية امرأة حملت هما وقلقا محيرا، امرأة شُبه صبرها بصبر أيوب.امرأة الحكايات الطويلة، امرأة استيقظت ذات فجر ضبابي لتجد نفسها وحيدة محاطة بأسلاك شائكة، وبكلاب حراسة مدربة تصطدم بوجوههم البشعة صباح مساء أمام باب بيتها الخشبي العتيق، تشعر بالضيق من عواء الكلاب
تكتم أنفاسها غيظا فليس أمامها الا الصبر.
كفكفت دمعها في غياب من رحلوا أو بالأحرى أُجبروا على الرحيل ،عزمت ان تكافح من اجل البقاء من اجل أحلام بناتها، من اجلهن كانت الأم، الأب والأخ معا، رفضت أن تذرف دمعة واحدة أمام أعينهن البريئة، تفرح لأحلامهن الصغيرة. لم تشتك يوما ، كانت أول من يستيقظ وأخرمن ينام بل تكاد لاتنام . من أجلهن تفتح صدرها الحنون ليشعرن بالدفء والحب المفتقد. تحكي لهن أجمل حكاية عن أجمل رجل رًَُحل ذات فجر ضبابي القسمات. تحكي وتحكي ولاتمل في انتظار بزوغ فجر جديد يحمل الأمل والإشراق لهم جميعا تنظر لهن بحب وفخر.
تحمد الله وتشكره في كل صلاة مسائية أنها أحسنت التربية. لكن ما تلبث أسارير وجهها ان تنقبض، عندما تتذكر أن المتاعب بدأت تلوح في الأفق من جديد فأصغرهن تحمل روح التمرد على كل شئ حتى على كلاب الحراسة الأكثر شراسة تتحداهم، تكبر ويكبر السؤال معها ويزداد قلق الأم، ويكبر حجم الغضب يُطرح السؤال صباح مساء.. لماذا الى اين اُخذ الأب والأخ معا ذاك الفجر المظلم..؟لماذا كلاب الحراسة أمام البيت ..؟لماذا..؟ولماذا..؟ ولارد يشفي غليلها.
تحاول الأم تهدئتها خوفا عليها.تهب واقفة بغضب تفتح الباب تبصق في وجه الكلاب، تسب تشتم تصرخ يرد عليها احدهم بصفعة يحمر خدها الصغير، تسقط أرضا، تقف غير مبالية. تحاول الأم أن تهدئ من روعها ،في الصباح يضاف كلب ثالث لكلاب الحراسة لتأديبها وكأن البيت يحتاج لأكثر من حارس.
ترجو الأم صغيرتها أن تتحاشى الصدام معهم لأن المضايقات أصبحت أكثر ولائحة الممنوعات تطول من بينها:
ممنوع إضاءة النور بعد الثانية عشر ليلا، كل زائر يُسأل عن اسمه حتى أصبح البيت مهجورا لايزار .
يزداد تمردها تأججا، ترفض الخوف، الذل، الانكسار.تصر على إضاءة النور بعد منتصف الليل، حجتهاا الامتحانات على الأبواب لكن الكلاب يرفضون حجة الامتحانات تسمع نباحهم أمام الباب.
يصرخ احدهم في وجهها الم نقل لك ممنوع. ترد الأم حاضر، حاضر .ترفض الفتاة هذا الخوف، تشتكي كلاب الحراسة و تسأل عن مصير الأب والأخ والجار والضيف معا يأتيها الرد الغاضب من كبيرهم:
- ان لم تصمت سألحقك بهم
ترد عليه بجرأة:
-هذا ما أتمناه.يرد بكل حقد
-لن أحقق لك هذا، بل سأدفنك حية ان سألت مرة أخرى..
تمسك الأم الفتاة تحتضنها علّها تزرع السكينة ،الهدوء والامان في قلبها .
تتمتم الأم بصوت خافت:فوضنا أمرنا لله.
تصرخ الفتاة بغضب تشتم، تسب بصوت مرتفع، شعلة غضب جارف كانت لحظتها، تحاول الأم زرع المحبة والتسامح بقلبها الصغير، لكنها ترفض كل هذا وترد غاضبة:
لا.. لن أسامح، لن أسامح أبدا، ابسط حقوقي حرموني إياها حتى النور يا أماه، كانت دوما تردد على مسامع أمها لو أني املك سلاحا ماترددت لحظة في إطلاق النار على كلاب الحراسة تخاف الأم من كلام صغيرتها .
اخفضي صوتك للجدران أذان..الحمد لله أن الهواء هبة من الله.
فوضي الأمر لله يوما ما سيرحلون.
تمر السنين، سنة بعد أخرى وكلاب الحراسة لايبرحون الباب ، كل سنة يغيرون الكلاب بكلاب أكثر تدربا.
تذعن البنت لطلب الأم تتحاشى نظراتهم تطفئ النور، لتستيقظ فجرا كي تقرأ ماحُرمت منه ليلا ،فنور الله أقوى من جبروتهم.الامر لله من قبل ومن بعد .كانت هذه الكلمات لاتفارق لسان تلك المرأة العظيمة.
كلما مررت اليوم من قربها وهي جالسة على كرسي أمام بيتها، أنحني لها إكبارا وإجلالا لصمتها وصبرها الطويل.امرأة ناضلت وكافحت من أجل البقاء، دون تذمر، ناضلت من اجل حلم جميل قد تشرق شمسه يوما ما،امرأة تحمل بين حناياها ألف حكاية وحكاية ،وما هذه الا حكاية واحدة من بين حكاياها.
امرأة عاشت على أمل فرح مرتقب. لكن الفرح رحل عنها، يوم ُنبئت باستشهاد الزوج تحت سياط جلاد لايرحم .بعد انتظار دام أكثر من ستة عشر سنة دون خبر، وعند النبأ الأليم لم تذرف دمعة واحدة، لم تصرخ و لم تولول مثل النساء، لكنها سقطت دون حركة ودون كلام، وبقي صمتها أكبر شاهد على ما ًَُاقترف في حق أجمل الأمهات.



#البتول_المحجوب (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اوتار
- برودة المنافي
- الجمعة الحزين
- علبة بريد
- مساء احد منسي
- الحلم الجميل
- الثامن عشر من ايار
- محطة القطار
- الطيور المهاجرة
- المسافات
- الهاتف
- انتظار
- طنطان:مدينة الوجع
- رحيل امرأة
- سيجارة اخيرة
- مرثية رجل
- قالت اليمامة


المزيد.....




- قناديل: أرِحْ ركابك من وعثاء الترجمة
- مصر.. إحالة فنانة شهيرة للمحاكمة بسبب طليقها
- محمد الشوبي.. صوت المسرح في الدراما العربية
- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - البتول المحجوب - حكاية امراة