أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - البتول المحجوب - برودة المنافي














المزيد.....

برودة المنافي


البتول المحجوب

الحوار المتمدن-العدد: 1752 - 2006 / 12 / 2 - 07:14
المحور: الادب والفن
    


بارد مدرج المطار ذاك الصباح، حطت طائرة ركاب قادمة من أرض باردة.
في بهو الانتظار وجوه باسمة فرحة،وأخرى لاتبعد عنها أمتارا يصبغها الحزن والترقب.كانت هي الأخرى تنتظر، فجأة لمحت امرأة تلتحف سوادا و تنتحب في صمت..اقتربت منها ألقت التحية، ربتت على كتفها دون كلام وقفت قربها. يبدو أن المرأة تنتظراتمام اجراءات رسمية لتستلم تابوتا قادما من أرض باردة، بعد ثلاثين سنة من الغياب ألقسري،بعد ثلاثين سنة من التسكع على أرصفة المنافي الباردة، يعود محمولا في تابوت لحضن أمه الدافئ. وصيته الأخيرة أن يعود لوطنه ولو ميتا، بعد أن حرم العيش فيه حيا..لم تمانع السلطات في دخوله مادام ميتا،المهم أن لايعود حيا لهذه البقعة من الأرض التي أحبها،أن لايعود حيا لأهله ولأرضه البسيطة التي عشقها ولفحته يوما شمسها الدافئة، أرض كان يبحث عن رائحتها في منفاه، يشم ثوب القادمين من هناك ويتزود برائحة الوطن، يسأل دوما لم يمل السؤال يوما عنها. أمازالت شامخة رغم الجراح ورغم النسيان، أمازال وادها يفيض كلما هطلت أمطار الخير على أرضها..؟
يسأل صديقه القادم من هناك ،أخبرني بالله عليك أمازالت حيطان بيوتنا دامعة..؟وأمهاتنا الطيبات.. مازلن يلتحفن سوادا ويبتسمن بحب لأبنائهن..؟آه ! امازال الاطفال يهرعون حفاة، ومن ينتعل نعلا يضعه في يده بدل قدمه..؟ ألازال أطفالنا يسبحون في ألواد عندما يفيض غير مبالين..؟
آه ! وخيام الوبر الجميلة ألازالت تنصب أيام الربيع على مشارف المدينة..؟! سؤال وألف سؤال مغموس بحرقة الحنين تحمله ذاكرته كلما التقى بأحد قادم من هناك.يحكي عن مدينة عشقه ومرتع طفولته بفرح ممزوج بالشجن.
يبتسم صديقه من سؤاله الدائم عن ذاكرة مدينة لاتموت.
-اسمع.. هذه الصورة تغيرت ألان، مدينتك غاب وجهها البرئ الذي الفته، أصبحت تتجمل وتضع رتوشا مثل باقي المدن..
يرفض الرد محتجا:
- لاتحاول يااخي أن تغير ملامح الوجه البرئ ، وجه الحلم الجميل الذي حملته معي لمنفاي البارد. أتعرف أن وجهها الطيب منحني الدفء والحب في هذا المنفى البعيد.
تلك البقعة المنسية المنزوية في ركن بعيد من هذا العالم حية في ذاكرتي ، لكن أرجوك في المرة القادمة أجلب لي بعضا من تربتها علّني اشم فيها رائحة امي، فلأمهاتنا رائحة الاوطان.
يصر دوما أن ملامح مدينته وتقاسيم وجهها البرئ لن يغيره زحف الزمن ،بل ستبقى أرض المحبة ،الدفء والحلم الجميل .كلما اشتد به الحنين يكتب قصيدة شعر ويتغنى بما حملته ذاكرته عنها وعن أهلها البسطاء.تدمع عيناه، يداري الدمع أحيانا وأحيانا يطلق العنان له مرددا السجن أحب من هذا المنفى البارد.
يتذكر رجاء أمه المنكسر وصوتها المبحوح عبر أسلاك الهاتف:
-يابني لاتعد، لاينتظرك في هذا الوطن غير السجن سيأخذونك مني، يكفي أن أسمع صوتك وأعرف أنك حي ترزق.
يذعن لرجاء أمه على مضض ويتحمل برد المنافي لسنين طوال.
الى أن عاد ذاك الصباح في تابوت بارد.وحده دفء استقبال مدينته،حرارة دمعها المنسكب وحضنها الدافئ بدد برودة المنافي. بكل وفاء وحب لعشقه الدائم لها يوارى الثرى في تلك المقبرة الموحشة بعد غياب طويل. أمر كل جمعة حزين على قبره المحاذي لقبر أخي، أقرأ الفاتحة لهما وأتذكر أن المنافي الباردة جمعتهما لسنين طوال وعاد كل منهما لهذه الأرض الطيبة محمولا في تابوت..أهمس لهما قائلة:
ناما بسلام في هذا الوطن الذي لم يمنحكما إلا شبرا في مقبرة موحشة.



#البتول_المحجوب (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجمعة الحزين
- علبة بريد
- مساء احد منسي
- الحلم الجميل
- الثامن عشر من ايار
- محطة القطار
- الطيور المهاجرة
- المسافات
- الهاتف
- انتظار
- طنطان:مدينة الوجع
- رحيل امرأة
- سيجارة اخيرة
- مرثية رجل
- قالت اليمامة


المزيد.....




- قناديل: أرِحْ ركابك من وعثاء الترجمة
- مصر.. إحالة فنانة شهيرة للمحاكمة بسبب طليقها
- محمد الشوبي.. صوت المسرح في الدراما العربية
- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - البتول المحجوب - برودة المنافي