العيد 80 للنصر - الجزء الثاني -عملية بارباروسا عام 1941: تحليل إستراتيجي لأهداف الألمان وأسباب الهزائم السوفياتية المبكرة

زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8336 - 2025 / 5 / 8 - 17:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع



*اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف *

سيرغي ليبيديف
صحفي وكاتب روسي
موقع روسكي فيستنيك

20 يونيو 2021

المقدمة:
تُعد حملة عام 1941 من أبرز المحطات الكارثية في التاريخ العسكري السوفياتي، إذ شهدت سلسلة من الهزائم التي كادت تطيح بالدولة السوفياتية ذاتها. يحلل سيرغي ليبيديف في هذا المقال العوامل الكامنة وراء الإنهيار السوفياتي المبكر، مشيرًا إلى أن الفشل لم يكن نتيجة مؤامرة أو خيانة داخلية، بل نتاج تراكمات إستراتيجية وعسكرية أعمق. تسعى هذه الدراسة إلى تقديم تحليل موسع لهذا الطرح ضمن سياقه التاريخي والإستراتيجي، مع توثيق علمي ومقارنة بقراءات أخرى.
-----
أولاً: قراءة في أهداف الأطراف المتحاربة

1. الإستراتيجية الألمانية:

اعتمدت ألمانيا في خططها لهجوم عام 1941، المعروفة بـ"عملية بارباروسا"، على مبدأ الحرب الخاطفة (Blitzkrieg)، حيث كان الهدف تحقيق نصر سريع قبل نهاية عام واحد. ركزت الخطة على سحق القوات السوفياتية في المناطق الغربية من الإتحاد السوفياتي، قبل أن تتمكن من التراجع أو إعادة التموضع.
"الجيش الأحمر كان في طور التحديث، وهو ما جعل بنيته التنظيمية عرضة لإنهيار سريع أمام هجوم ألماني محكم التخطيط والتنفيذ" [ليبيديف، 2021].

كان هتلر يراهن على أن الإنتصار السريع في الغرب السوفياتي سيؤدي إلى إنهيار النظام الشيوعي سياسيًا.
-----
2. العقيدة الدفاعية السوفياتية:

من ناحية أخرى، كانت العقيدة العسكرية السوفياتية في تلك المرحلة تقوم على الردع الإستراتيجي والهجوم المضاد بعد إمتصاص الضربة الأولى. غير أن ضعف الجاهزية، وسوء القيادة، ونقص الإتصالات بين الوحدات، جعل هذه الخطة غير قابلة للتنفيذ عند بداية الغزو.

"لم تكن هناك خيانة أو مؤامرة في القيادة العليا، بل فشل في مواءمة العقيدة العسكرية مع الواقع المتغير" [ليبيديف، 2021].
---
ثانيًا: التفوق الألماني في المبادرة الإستراتيجية

كان أحد أسباب الهزيمة السوفياتية في صيف وخريف 1941 هو فقدان زمام المبادرة. ألمانيا هي التي حددت مكان وزمان وشكل الحرب. الجيش الأحمر، رغم تحذيرات متعددة من أجهزة الاستخبارات، لم يكن مستعدًا لخوض حرب واسعة النطاق بهذه السرعة.

تشير الوثائق أن القيادة السوفياتية لم تتوقع أن تتمكن ألمانيا من حشد أكثر من 150 فرقة قتالية على طول الجبهة الشرقية في وقت واحد، بل كانت تعتقد أن ذلك سيتم على مراحل.
---
ثالثًا: فشل التعبئة السوفياتية وعدم جاهزية الجبهة الغربية

رغم أن الإتحاد السوفياتي بدأ حشد قواته جزئيًا منذ مايو 1941، إلا أن الإنتشار لم يكن مكتملًا أو منظمًا، خاصة على جبهة بيلاروسيا (الجبهة الغربية). كانت التشكيلات العسكرية في وضع إنتقالي، وغير متصلة عبر أنظمة قيادة وسيطرة فعالة.

"كان الجيش الأحمر في طور التحول من بنية دفاعية إلى هجومية، ولكن هذا التحول لم يكن قد إكتمل عند بدء الهجوم الألماني، مما جعله في وضع هش للغاية" [ليبيديف، 2021].

كما أن العديد من القادة الميدانيين، مثل الجنرال بافلوف، إتخذوا قرارات فردية متخبطة زادت من تفاقم الكارثة.
---
رابعًا: السياق الإستخباراتي وسوء تقدير النوايا الألمانية
تلقت القيادة السوفياتية العديد من الإنذارات الإستخباراتية حول الهجوم الألماني الوشيك، من مصادر بريطانية وفرنسية ويابانية. إلا أن هذه التحذيرات لم تُترجم إلى إستعدادات فعلية.

ستالين، الذي كان يعتقد أن هتلر لن يفتح جبهة شرقية قبل إنهاء الحرب مع بريطانيا، إعتبر أن تلك التحذيرات جزء من حملة تضليل غربية تهدف إلى جره إلى الحرب قبل أوانها.
-----
خامسًا: عوامل تتعلق بعقيدة القيادة السوفياتية

تركز عقيدة القيادة العليا السوفياتية على السيطرة المركزية الشديدة وعدم السماح بالمبادرة الميدانية، ما جعل القادة المحليين غير قادرين على التحرك الفوري دون أوامر مباشرة. في مواجهة هجوم سريع ومباغت، كانت هذه الصفة قاتلة.

"لم تكن المشكلة في وجود خونة، بل في البنية العقائدية الجامدة التي جعلت من القيادة المركزية عنق الزجاجة في القرار العسكري" [ليبيديف، 2021].
-----
سادسًا: دور الجنرال بافلوف في كارثة الجبهة الغربية

1. موقعه ومسؤوليته:
كان الجنرال دميتري بافلوف قائد الجبهة الغربية السوفياتية في يونيو 1941، والتي ضمت أقوى تجمعات الجيش الأحمر المنتشرة في بيلاروسيا، وتحديدًا في منطقة بريست – بارانافيتشي – مينسك. وقد كانت الجبهة الغربية هدفًا رئيسيًا لجيش مجموعة الوسط الألماني بقيادة الجنرال "فون بوك"، الذي شن الهجوم الأشد والأسرع في الأيام الأولى من "عملية بارباروسا".

"كانت جبهة بافلوف تضم قوات عددية كبيرة، لكنها إفتقرت إلى قيادة مرنة وإستعداد لوجستي مناسب." [ليبيديف، 2021]

2. قراراته الكارثية:
رغم ورود عدة تقارير عن تعبئة ألمانية ضخمة، لم يقم بافلوف بإعادة إنتشار قواته أو إنشاء خطوط دفاع ثانية. وعندما بدأ الغزو فجر 22 يونيو، كانت القوات السوفياتية في مواقع مكشوفة، وتم تدمير عدد كبير من الطائرات على الأرض.

أبرز الأخطاء التي ارتكبها:
-عدم تنظيم انسحاب مرحلي أو الدفاع في العمق.
-إصدار أوامر بهجمات مضادة فاشلة ضد قوات العدو، مما زاد الخسائر.
-تجاهل تقارير القادة المحليين حول اختراقات ألمانية خطيرة.
-فقدان الاتصال السريع مع الوحدات التابعة له بسبب ضعف التنسيق.
بحلول 28 يونيو، تم تطويق وتدمير جزء كبير من قوات الجبهة الغربية في جيب مينسك، حيث أسر الألمان حوالي 300 ألف جندي سوفياتي، وهو أحد أكبر الجيوب في التاريخ العسكري.

3. التقييم السوفياتي الرسمي:
حمّلت القيادة السوفياتية بافلوف المسؤولية المباشرة عن الهزيمة، وفي 22 يوليو 1941 تم إلقاء القبض عليه، ثم أُعدم بعد محاكمة عسكرية بتهمة "الخيانة والتقصير في أداء الواجب".

إلا أن المؤرخين السوفيات والروس لاحقًا أعادوا تقييم القضية، معتبرين أن "بافلوف كان ضحية لخلل أكبر في النظام القيادي العسكري السوفياتي، حيث كان القرار العسكري شديد المركزية، وكان ممنوعًا على القادة إتخاذ مبادرات ميدانية دون أوامر مباشرة من القيادة العليا."
[غوروديتسكي، 1999؛ إيريكسون، 2003]

4. إعادة الاعتبار:
في عام 1956، أعيد الإعتبار لبافلوف رسميًا خلال حملة إجتثاث الستالينية، حيث رأت السلطات أن الحكم عليه بالإعدام كان متسرعًا وظالمًا، دون دراسة شاملة للظروف العامة التي واجهتها الجبهة.

استنتاج:
لم يكن فشل الجنرال بافلوف معزولًا عن فشل المنظومة بأكملها. ورغم ارتكابه أخطاء تكتيكية جسيمة، إلا أن سوء التنسيق، وغموض الأوامر العليا، وإستحالة الإتصال بالقيادة، جعلت دوره أحد أعراض المشكلة وليست سببها الوحيد. يمثل بافلوف حالة مأساوية لقائد وقع بين المطرقة الألمانية وسندان البنية الستالينية الجامدة.


خاتمة واستنتاجات:
تشير الأدلة والتحليلات إلى أن الهزيمة السوفياتية المبكرة في عام 1941 لم تكن نتيجة خيانة أو تآمر داخلي، بل نتاج خلل في التخطيط العسكري، وتناقض بين العقيدة وبين الواقع، فضلاً عن تفوق ألماني واضح في المبادرة والتكتيك. يشير ليبيديف إلى أن فهم هذه المرحلة لا بد أن يتجاوز الروايات التبسيطية ويتناول الأبعاد البنيوية التي سببت الانهيار الأولي.

------
يتبع ...

#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات