أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد طالبي - رسالة إلى أساتذة غير محتىمين














المزيد.....

رسالة إلى أساتذة غير محتىمين


محمد طالبي
(Mohamed Talbi)


الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 16:12
المحور: الادب والفن
    


هذه الرسالة ليست فعلَ عتاب، بل شهادة نجاة. هي صوتٌ يخرج من رماد الذاكرة، لا ليثأر، بل ليضيء. كتبتُها لأقول إنني لم أنكسر، وإن الجرح يمكن أن يصير حبرًا، وإن الظلم حين يُقاوَم بالفكر، يتحوّل إلى درس في النُّبل. هذه الكلمات موجَّهة إلى أساتذة خانوا الرسالة النبيلة ،لم يكونوا يومًا قدوة، لكنها موجَّهة أيضًا لكل من اختار أن يُؤمن بالتلميذ، ويمنحه فرصة ثانية للحياة
.......

رسالة مفتوحة إلى أساتذتي غير المحترمين
إلى أولئك الذين لم يكونوا يومًا قدوة…

أكتب إليكم اليوم، بعد مرور أكثر من ثلاثين عامًا على الأفعال الجبانة التي اقترفتموها في حقي. لا أكتب بدافع الانتقام، ولا رغبةً في تصفية حسابات قديمة، بل من موقع الإنسان الذي حمل الألم، وهضمه بصمت، وصاغ منه وعيًا، وإصرارًا، ورسالة.

أكتب إليكم لا باعتباري ضحية، بل باعتباري ناجيًا.

لقد كنتم تحملون الطباشير وتخفون السكاكين. تخفون خلف المقررات المدرسية عقدكم النفسية، وجراحكم الداخلية التي لم نكن سببها نحن التلاميذ، بل كانت من صنع ذواتكم المهزوزة، وضمائركم المتواطئة مع الرداءة والجبن.

أين كنتم من رسالة التعليم؟ من قدسية القسم؟ من شرف الكلمة التي تُلقى على مسامع القاصرين؟
أين أنتم من القسم الذي كنتم تردّدونه كل صباح، بأنكم ستصونون الأمانة وتكونون قدوة؟

أتدرون، لقد كنتم من أولئك الذين جعلوا من المدرسة زنزانة، ومن الطباشير رصاصًا، ومن السبورة حائط إعدام.

أكتب إليكم اليوم من موقع الأستاذ، نعم، الأستاذ الذي كان يومًا ضحية ظلمكم، والذي قرّر أن يسلك نفس الطريق، لكن بالعكس؛ أن يُعيد ما كُسر، أن يُداوي ما مُزِّق.

أكتب إليكم بعد أن أصبحتُ جزءًا من تلك الأسرة التربوية التي تعمل ـ بصبر الأنبياء ـ على دعم المتعثرين، واحتضان المطرودين، والإنصات للمجروحين، وتحفيز اليائسين.
نحن ـ يا أساتذتي السابقين ـ لا نُقصي أحدًا، ولا نتلذذ بتوقيع قرارات الفصل، ولا نرى في التلميذ عدوًا أو نداً، بل نراه مشروع إنسان، مشروع أمل، مشروع وطن.

لقد تحوّلت فصولكم يومها إلى منعطفات قاسية في حياتي، لا أنكرها، ولا أتبرأ منها، بل أضعها اليوم في سيرة ذاتية عنوانها: "حين خذلتني المدرسة، آمنتُ بنفسي".

صارت قضيتي معكم مرجعًا في الحكايات التي أرويها لتلاميذي، حين أقول لهم: "لا تيأسوا، فحتى لو أُغلق الباب ذات يوم، فهناك دائمًا نوافذ تنتظر من يفتحها".

لقد صنعتم ـ من حيث لا تدرون ـ جزءًا من صلابتي، ولعلّي مدين لكم بجزء من الجلد الذي صار يحميني من أمثالكم.

هل تذكرون حين وقعتم قرارات فصلي دون أن ترف لكم عين؟
هل تذكّرتم أن خلف ذلك الاسم الذي حُذِف من السجل، هناك قلب صغير، وروح حالمة، وعائلة بأكملها ستتجرّع المرارة؟
هل سألتم أنفسكم لحظة: ما البديل لهذا التلميذ المطرود؟ أين سيذهب؟ من سيحتضنه؟

كنتم تدّعون أنكم أساتذة، لكنكم لم تكونوا سوى موظفين بدرجة جلادين، نسيتم أن وظيفتكم الأولى هي التربية، ثم التعليم، ثم الدعم، ثم الاحتواء. لكنكم اخترتم أن تكونوا أيادي تهوي على الضعفاء، وأصواتًا تُرعب الحالمين.

واليوم، وأنا أنظر إلى نفسي في المرآة، لا أراكم فيها. لم أعد أراكم لأنكم لم تتركوا أثرًا طيبًا في ذاكرتي، بل كنتم عتبات مؤلمة، تجاوزتها.

لم أعد أكنّ لكم حقدًا، لأنني ببساطة تجاوزتكم.

لقد قررت أن أكتب، لا لأدينكم، بل لأذكّركم.

لعلّكم تقرأون هذه السطور، وتسألون أنفسكم: ترى، ماذا فعل الزمان بنا؟
هل بقي فينا شيء من ضمير، ليصحو ولو لحظة؟
لعلّكم تعلمون اليوم أن ما خسرتموه من احترام، لا تعوّضه لا شهادات ولا أقدمية، لأن الخيانة في حق التلميذ لا يغسلها الزمن.

ولأنني عاهدت نفسي أن أحمي قدسية التعليم، فقد التزمت الصمت سنين، ورفضت أن أفضحكم أو أذكر أسماءكم، لا خوفًا، بل حرصًا على ما تبقّى من صورتكم الاعتبارية في المجتمع، حفاظًا على واجهة صنعتموها من جليد.

لكن ثقوا، أن هذا السر سيبقى مدفونًا في صدري، إلى أن
" يدي مول الأمانة أمانتو".
وحينها فقط، سيقال كل شيء.



#محمد_طالبي (هاشتاغ)       Mohamed_Talbi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يصبح التاريخ بثمن
- وزرة بيضاء وتاريخ احمر
- البرج
- عودة
- الخواء
- السؤال الصعب
- خبز و سكر
- حانة
- شيخ و زاوية
- اليافع
- امتننان
- زمن مضى
- زقاق من زمن مضى
- موحى 2
- عبد الحق
- القليمية
- الجفنة
- المرض
- بوشعيب
- صدفة غريبة


المزيد.....




- الشَّاعرُ - علاَّل الحجَّام- فِي ديوان - السَّاعَةِ العاشِق ...
- محمد الغزالي.. الداعية الشاعر
- تحقيق المخطوطات العربية.. بين إحجام العالم وإقدام الجاهل
- رواية -نيران وادي عيزر- لمحمد ساري.. سيمفونية النضال تعزفها ...
- فنانة تشكيلية إسرائيلية تنشر تفاصيل حوار خطير عن غزة دار بين ...
- مغني راب أمريكي يرتدي بيانو بحفل -ميت غالا- ويروج لموسيقى جد ...
- فنانو أوبرا لبنانيون يغنون أناشيد النصر
- 72 فنانا يطالبون باستبعاد إسرائيل من -يوروفيجن 2025- بسبب جر ...
- أسرار المدن السينمائية التي تفضلها هوليود
- في مئوية -الرواية العظيمة-.. الحلم الأميركي بين الموت والحيا ...


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد طالبي - رسالة إلى أساتذة غير محتىمين