محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8331 - 2025 / 5 / 3 - 10:09
المحور:
القضية الفلسطينية
على هذه الأرض، حيث تُغرس الخيبات كما تُغرس الأشجار، تقف غزة وحدها، وجهها للريح، وظهرها للخيانة.
لا تملك ترف البكاء، ولا ترف الهزيمة، ولا ترف الانتظار على قارعة نفاقٍ يلبس أقنعة الشرف الكاذب.
كلُّ الذين خذلوها مرّوا من هنا: عرباً ومسلمين وعالماً يزعم الإنسانية.
لكن غزة… لم تتعلم منهم إلا كيف تُجدد جذورها في التراب، وكيف تُقابل الطعنة بابتسامة الشهداء.
في هذا الزمن المثقوب بالخيانة، تظل غزة جرحاً حيّاً يمشي بيننا… يكشف قبحنا.
في زمنٍ صار فيه الخذلان مذهباً، والنفاق ديناً، تقف غزة وحيدةً أمام العاصفة، عاريةً إلا من دمها.
لا تملك غزة إلا جراحها، تحتضنها كما تحتضن الأراملُ أحزانهن، وتُلقي برأسها المثقل بالحزن على صدر الليل، ولا أحد يُنصت لصراخها إلا الريح.
العربُ الذين ملأوا الدنيا صراخاً عن الشرف… خانوا غزة حين دقت نواقيس دمها.
المسلمون الذين سجدوا في مساجد الوجاهة… خانوا غزة حين سقطت القنابل على مآذنها.
العالمُ الذي يتشدق بالحرية وحقوق الإنسان… خان غزة حين غطى عينيه بمنديل أسود وصمَّ أذنه عن بكاء الأطفال تحت الركام.
غزة، المشنوقة بين مؤتمرات الطوارئ الكاذبة، وبين صمت البنادق التي صُممت للعرض لا للحرب.
لا تطلب غزة شيئاً؛ لا رحمةً من العالم، ولا نخوةً من الموتى.
كل ما تريده: أن تبقى واقفة، أن تموت واقفة.
هي لا تركع.
هي لا تساوم.
هي لا تبكي حين يخذلها الأقربون، ولا حين يطعنها الأبعدون.
تعضُّ على جراحها كما يعضُّ الجندي على ساقه المبتورة كي لا يصرخ.
غزة، أيها الخائفون خلف شاشاتكم، ليست رقماً في نشرة أخبار.
غزة، أيها الغارقون في خيانة المواقف، ليست جرحاً عابراً.
غزة، هي الاختبار الأخير للإنسانية… وقد فشلتم جميعاً.
ستبقى الشجرة العجوز، تقاوم العاصفة بجذور ضاربة في قلب التراب،
وستبقى تحرس بوابات الموت،
وتزرع ورداً أحمر فوق قبور الصمت.
غزة وحدها… الجبل الذي لا تهزه الزلازل.
غزة وحدها… القصيدة التي كتبتها الأرض بالدمع والدم.
ليس على غزة أن تعتذر عن صلابتها،
ولا عليها أن تبرر دماءها للعالم الذي خلع قلبه على بوابات المصالح.
غزة تمضي… مثخنةً، مضرجةً، لكنها واقفةٌ كالشمس فوق خرائبنا.
وحدها تعرف أن للأرض ذاكرة لا تموت،
وأن الدم حين يُسفك على التراب لا يضيع… بل يصير جذعاً آخر في شجرة الصمود.
أما نحن — نحن الذين خذلناها — فليس لنا إلا أن نحني رؤوسنا خجلاً أمامها…
غزة، بكل جراحها، كانت أعظم منا جميعاً.
[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟