ما هي النظرية النقدية؟ عند تيودور أدورنو/ شعوب الجبوري

أكد الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8242 - 2025 / 2 / 3 - 01:38
المحور: الادب والفن
    

"إن مهمة التفكير النقدي هي رفض قبول ما هو موجود على أنه نهائي وواضح؛ فهو يتمثل في الكشف عن التناقضات الخفية في الواقع." (ثيودور أدورنو)

سؤال المقالة: كيف تساهم النظرية النقدية في فلسفة التنظيم. وماذا يعني التشكيك في الواقع؟ ولماذا يتحدى أدورنو الأفكار الراسخة ويقترح رؤية تحويلية للمجتمع المنتج.

النظرية النقدية، حسب تيودور أدورنو، هي نهج فلسفي واجتماعي يهدف إلى مساءلة وتحدي هياكل السلطة والهيمنة في المجتمع. قام أدورنو، إلى جانب مفكري آخرين من مدرسة فرانكفورت، بتطوير هذا النهج لتحليل كيف أن المؤسسات والأنظمة الاقتصادية والأيديولوجيات الثقافية لا تعكس الواقع الاجتماعي فحسب، بل تعمل أيضًا على تشكيله لصالح مصالح معينة. بالنسبة لأدورنو، فإن غرض النظرية النقدية ليس فقط فهم العالم، بل تحويله لخلق مجتمع أكثر عدلاً وإنصافًا.

إحدى الخصائص الرئيسية للنظرية النقدية هي رفضها للموضوعية التقليدية للعلوم الاجتماعية. يرى أدورنو أن الأساليب العلمية والوضعية، التي تسعى إلى وصف الواقع دون الحكم عليه، تعزز في الواقع الوضع الراهن من خلال تجاهل هياكل السلطة الأساسية. على سبيل المثال، دراسة الاقتصاد أو السياسة دون النظر إلى عدم المساواة الطبقية أو مصالح السلطة تؤدي إلى إدامة ظروف القمع. ومن ناحية أخرى، تقوم النظرية النقدية على الشك في أن وراء الحياد الظاهري للعلوم الاجتماعية مصالح اقتصادية وسياسية.

رأى أدورنو أيضًا أن الثقافة الجماهيرية وسيلة لإدامة هياكل السلطة. وفي تحليله، فإن الترفيه، من السينما إلى الموسيقى الشعبية، ليس محايدا، بل له غرض أيديولوجي. على سبيل المثال، تعمل سينما هوليود، برواياتها المتوقعة ورسائلها الملتزمة، بمثابة "أفيون الشعب"، مما يصرف انتباه الناس عن الظلم الاجتماعي والسياسي. ومن خلال استهلاك هذه المنتجات الثقافية، يستوعب الجمهور القيم التي تدعم استقرار النظام، مما يحد من قدرتهم على التشكيك في الواقع.

مساهمة أساسية أخرى للنظرية النقدية هي فكرة “العقلانية الأداتية”، التي ينتقدها أدورنو باعتبارها نمطًا من التفكير يختزل كل شيء إلى شروط المنفعة والكفاءة، دون النظر إلى القيم الأخلاقية والإنسانية. وهذه العقلانية، التي تتسم بها المجتمعات الصناعية المتقدمة، تحول الناس إلى "تروس" لآلة تسعى إلى تعظيم الربح والإنتاجية بأي ثمن. يتجاهل هذا النهج الاحتياجات العاطفية والروحية للأفراد، ويعامل الناس كوسيلة لتحقيق أهداف اقتصادية وليس ككائنات ذات قيمة جوهرية.

وتصر النظرية النقدية أيضًا على أن التغيير الاجتماعي لا يمكن تحقيقه دون مساءلة عميقة للأيديولوجية. ووفقاً لأدورنو، لا يتم الحفاظ على السلطة بالقوة أو الإكراه فحسب، بل أيضاً من خلال الإقناع الأيديولوجي. يقوم التعليم والإعلام والمؤسسات الدينية، من بين أمور أخرى، بنقل وتعزيز مجموعة من المعتقدات والقيم التي تبدو طبيعية وواضحة، ولكنها في الواقع بناءات اجتماعية. وتقترح النظرية النقدية “تشويه” هذه القيم للكشف عن تعسفها ووظيفتها في إعادة إنتاج نظام الهيمنة.

أخيرًا، اعتقد أدورنو أن النظرية النقدية يجب أن تكون ناقدة للذات وألا تكتفي أبدًا بإجابات سهلة. على عكس النظريات التقليدية، التي عادة ما تقدم تفسيرات مغلقة ونهائية، تحافظ النظرية النقدية على موقف من التساؤل المستمر، حتى تجاه مقدماتها الخاصة. بالنسبة لأدورنو، فقط من خلال هذا الموقف من عدم المطابقة والتفكير المستمر يمكن تحقيق فهم حقيقي للحقائق الاجتماعية المعقدة، وفي نهاية المطاف، التطلع إلى تحول حقيقي للمجتمع.

- الكتب الموصى بها:
- جدلية التنوير (1944)، مع ماكس هوركهايمر: في هذا العمل، يحلل أدورنو وهوركهايمر كيف تحول التنوير، الذي سعى إلى تحرير الإنسان من خلال العقل، إلى عقلانية تضطهد وتهيمن. هذا النص هو المفتاح لفهم نقد الثقافة والعقلانية الأداتية.

- الحد الأدنى من الأخلاق: تأملات من حياة مدمرة (1951): تكشف هذه المجموعة من المقالات القصيرة رؤية أدورنو لتشوهات الحياة الحديثة، وتتناول موضوعات مثل الاغتراب والاستهلاك والثقافة الجماهيرية. إنه عمل أساسي لفهم وجهة نظره النقدية حول المجتمع والحياة اليومية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2025
المكان والتاريخ: طوكيـو ـ 01/03/25
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة)

#أكد_الجبوري (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل