مصطفى حقي
الحوار المتمدن-العدد: 1789 - 2007 / 1 / 8 - 12:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
( لمحة عن الكاتب وأعماله في مطلع مقالنا – معجزة القرآن) الحوار المتمدن تاريخ 10/12/2006
ونجد في بعض آيات القرآن أنّ الفعل يأتي بضمير المتكلم ، في حين يأتي في بعضها الآخر بضمير الغائب . ومن الواضح هنا أن الله يتكلم أولاً، ثم يتكلم محمد بالنيابة عن الله. ففي سورة النجم ، المتكلم الأول هو الله ، الذي يؤكد نبوّة محمد بالقول : ( ماضلّ صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحيٌ يوحى ) أما في الآيات 21-28 فمن الواضح أن المتكلم هو محمد ، الذي يشير إلى التصور الوثني أن اللات والعزّى ومناة هنّ بنات الله ويسأل الأعراب مقرعاً : ألكم الذكر وله الأنثى ) فهذه الكلمات لايمكن أن تكون كلمات الله ، الذي ما كان ليسأل نفسه ماإذا كان لديه بنات . وهي تعبّر بجلاء عن استهجان النبي عادات عرب الحجاز وأخلاقهم ، حيث شكّل تفاخرهم بالبنين وشعورهم بالعار حيال البنات موضوع آيات قرآنية عديدة، كالآية 40 من سورة الإسراء : ( أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثاً إنكم لتقولون قولاً عظيماً ) مثل هذا السؤال لايمكن أن يكون قد طرحه سور النبي محمد لأنه لو كان الله هو الذي طرحه ، لكان الكلام قد جرى على النحو : - أفأصفيتكم بالبنين واتّخذتُ من الملائكة إناثاً – ومن الواضح أن الله الذي لايهتم لجنس المواليد ، ما كان ليسأل مثل هذا السؤال .
والحال أن التحامل قصير النظر على البنات لا يزال واسع الانتشار ، حتى بين الأمم المتحضرة . والعرب القدماء كانوا يتباهون بالبنين ، وبعضهم كان من البربرية حدّ وأد البنات ؛ غير أنهم كانوا يفترضون في الوقت ذاته ذلك الافتراض السخيف أنّ الملائكة إناث . بل إن النبي محمداً نفسه لم يكن بالبعيد عن الرغبة العربية التقليدية في إنجاب البنين . وكلما تزوج امرأة ، كان يأمل أن تنجب له صبياً . وحين مات ابنه القاسم ، كان ذلك مدعاة لكربة شديدة ، وجرّ عليه في الوقت ذاته تلك الأذية العميقة التي أنزلتها به سخرية العاص بن وائل من أنه أبتر بلا وريث ، ذلك أن العرب كانوا ينظرون إلى البنين وحدهم كورثة بالفعل . ولقد سُرّ النبي حين ولدت له مارية القبطية ابنه إبراهيم ، وحزن عله أشدّ الحزن حين مات . ذلك محمد الذي قال للمشركين : ( أفأصفاكم ربكم بالبنين ) .
ويشتمل القرآن على أمثلة كثيرة يختلط فيها المتكلّمان ، الله ومحمد ، في الآية الواحدة ذاتها . ومن هذه الأمثلة الآية الأولى من سورة الإسراء ، التي هي الإشارة القرآنية الوحيدة إلى إسراء النبي ، والبرهان الوحيد عليه بالنسبة للمسلمين : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ) .
إنّ تسبيح الله الذي حمل عبده من مكة إلى فلسطين لايمكن أن يكون كلام الله ونطقه ، لأن الله لا يسبّح نفسه ، ولا بد أن يكون شكر محمد لله على هذه المنّة وهذا الفضل. أمّا الجزء الثاني من الجملة ، الذي يصف المسجد الأقصى ( الذي باركنا حوله ) فهو من كلام الله ، شأنه شأن العبارة التي تليه ، ( لنريه من آياتنا ) . في حين يُرَجّح أن تكون الكلمات الختامية ( إنه السميع البصير ) كلمات محمد .
ومن الأمثلة اللافتة على تبديل الفاعل من المتكلم إلى الغائب الجملة الافتتاحية في سورة الفتح : ( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً* ليغفر الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخرّ) فسياق التفكير كان يقتضي أن تكون الصيغة على النحو : - لنغفر ما تقدم من ذنبك وما تأخر- ومن بين هذه المقاطع الكثيرة ثمّة بعضها ، كالمقطع أعلاه ، يمكن تفسيره بسهولة ويسر ، في حين أنّ بعضها الآخر يمثّل مشكلة كبيرة . ومن هذا الصنف الأخير ا لآيات 21.24 في سورة الأحزاب . فالآية 21 تقول : ( لقد كان لكم في رسول الله اُسوةً حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) ومن المؤكد أنه لو كان الله هو المتكلم هنا ، لكان من المفترض أن تأتي الصيغة على النحو : - أولئك الذين يسعون إليّ لهم في رسولي أسوة حسنة – وفي الآيتين 22و23 يُطْري على المؤمنين الصادقين لثباتهم في معركة الخندق وفي الآية 24 تًضاف جملة شرطية ( ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذّب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفوراً رحيماً) ومن الواضح هنا ، مرّة أخرى ، أن المتكلم ليس الله بل النبي ، لأن الله كان ليتكلم بصيغة المتكلم ( لنجزي الصادقين بصدقهم ..)
ويروى عن النبي ، لدى التهيؤ لغزو الروم ( أي اليونان البيزنطيين) في السنة 8/630أنه سأل الجدّ بن قيس ، سيد أحد بطون المدينة : هل لك ياجدّ العام في جلاد بني الأصفر ؟ فقال : يارسول الله ، أو تأذن لي ، ولا تَفـْتِنـّي فوالله لقد عرف قومي ما رجل أشدّ عجباً بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر عنهن . فقال النبي : قد أذنت لك . وكان ذلك سبب نزول الآية 49 من سورة التوبة : ( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تَفـْتِنّي ألا في الفتنة سقطوا وإنّ جهنم لمحيطة بالكافرين 9 من الواضح أن الآية قد جَرت على لسان محمد ، وليست من عند الله ، لأن الجد بن قيس سأل محمداً ، وليس الله ، أن يعفيه من المهمّة الحربية . ولقد آزر الله رسوله بجعله جهنم مهيئة لعقاب من يتجرأوا على مثل هذه المطالبة الرديئة ، لكنه لم يتكلم في تلك المناسبة .
وحضور الخلط بين الله والنبي في القرآن لايمكن أن يناقش نقاشاً موضوعياً. ففي بعض الأحيان يتكلم الله ، مُصْدراً للنبي أمره – قل – ( أي قل للناس ) وفي بعض الأحيان تُثبِتُ بنية الجملة أنّ النبي هو من يتكلم ، معبّراً عن تقاه وإخلاصه لله . والانطباع الذي يخلّفه القرآن هو أن ثمّة صوتاً خفياً في نفس محمد أو عقله اللاواعي لا يني يدفعه إلى هداية البشر ، ويكفـّه عن الزلل ، ويزوده بحلول المشكلات .
فما من فرضية أخرى يمكن لها أن تفسّر بعض المقاطع القرآنية التي تنسب لله تفوقاً في المكر والخداع . فالآيتان 44و45 من سورة القلم تنصحان : ( فَذَرْني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * واُملي لهم إن كيدي متين . وفي الآيتين 182و183 من سورة الأعراف ، يكرّر المقطع ذاته مع حذف فَذَرني – حيث تأتي البداية على النحو : ( والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم ) . .
وتشير الآية 30 من سورة الأنفال إلى اجتماع سادة قريش في دار الندوة فتقول :
( وإذْ يمكر بك الذين كفروا لِيُثْبِتوكَ أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) . والمكر هو تعويض عن القوّة . ووسيلة يلوذ بها من يواجه خصماً أشدّ قوّة . وفي هذين المقطعين يبدو القدير ، الذي خلق الكون بقوله - كُنْ-، وقدّر كل ما يجري فيه ، كما لو أنّ له طبيعة شيخ أعرابي أشد خداعاً ومكراً من خصومه . والمثال التاريخي المشابه الذي يخطر في البال بهذا الصدد هو نجاح عمرو بن العاص في خداع أبي موسى الأشعري في التحكيم بين علي ومعاوية حول الأحقيّة في الخلافة .
يعاود الخلط بين كلام الله وكلام محمد الظهور في آيتين من سورة يونس : ( لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلُّهم جميعاً أفأنت تـُكْرِه الناس حتى يكونوا مؤمنين). الآية 99 . ( وما كان لنفسٍ أن تؤمن إلاّ بإذن الله ويجعلُ الرجس على الذين لا يعقلون )
الآية 100 . ففي الآية 99 تصدر الكلمات عن الله وتـُوجَّه إلى النبي ، أما في الآية 100 فيبدو أنّ الكلام لمحمد ، ضَربٌ من عزاء النفس يتلوه تفسير لعناد المشركين الذين لم يبالوا بدعوته .
من كتاب : 23 عاماً دراسة في الممارسة النبوية المحمدية
الكاتب : علي الدشتي ترجمة ثائر ديب إصدار رابطة العقلانيين العرب
يتــــــــبع ....
#مصطفى_حقي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟