أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ضيا اسكندر - صبيحة سقوط الأسد














المزيد.....

صبيحة سقوط الأسد


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 8205 - 2024 / 12 / 28 - 16:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بركان من القلق والتساؤلات حول مصير البلاد كان يُعتمل في داخلي، عندما وصلت إلى عملي صباح الثامن من كانون الأول 2024.
فقد بدا المشهد وكأنّه لوحة فوضوية تتبدّل ألوانها بسرعة: هيئة تحرير الشام تتقدم في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام، والجيش السوري ينسحب دون قتال من مواقع استراتيجية، تاركاً العاصمة دمشق والمدن الساحلية كآخر ما تبقى للنظام. هذه التحركات المريبة أشعلت في داخلي مخاوف وأسئلة لا تهدأ: ماذا يجري؟ ومن وراء هذه التحولات المذهلة؟

جلستُ أمام مكتبي، فتحت اللابتوب، وكأنني أنتظر حُكماً قضائياً سيغيّر مصيرنا، دخلت إلى أحد المواقع الإخبارية المتخصصة بالشأن السوري. لأجد عنواناً مثيراً للدهشة يتصدّره: "هيئة تحرير الشام في مبنى الإذاعة والتلفزيون". للحظة، شعرتُ أن أنفاسي توقفت. هذا العنوان يعني شيئاً واحداً فقط: سقوط نظام البعث.

لم أصدق عينيّ! أهذه حقيقة أم حلم؟ أهذه هي اللحظة التي انتظرتها طوال حياتي؟ فركت عينيّ جيداً، وأعدتُ قراءة الخبر مراراً: "الرئيس الأسد يفرّ بطائرة إلى جهة مجهولة، والنظام يتداعى كبيتٍ من ورق". كانت الكلمات أمامي حقيقية، لكنها بدت وكأنها مشهد من فيلم لم أتوقع أن أراه أبداً، في حياتي.

ثم بدأت الاتصالات تتوالى عليّ، من أشخاص لم أتخيل أن يتكلموا معي، أقربائي وأصدقائي، أولئك الذين كانوا طوال خمسين عاماً يعيشون في صمتٍ وخوف، لم يجرؤوا حتى على وضع "أعجبني" على منشوراتي المعارِضة على "الفيسبوك"، أصبحوا الآن أحراراً من قيود الخوف. أصواتهم المرتجفة تملؤها دهشة وفرح ممزوجان بتردد: "هل هذا حقيقي؟ هل سقط الأسد حقاً؟"

لم أتمالك نفسي. انفجرتُ بالبكاء. بكاء لم يعبّر عن مجرد لحظة انفعال، بل عن خمسين عاماً من الألم، خمسين عاماً من الأحلام المكبوتة والأصوات المقهورة. كنت أحلم منذ طفولتي بأن أعيش في وطن أستطيع فيه أن أرفع صوتي دون أن أخاف من طَرَقات منتصف الليل، أو نظرات رجال الأمن في الشوارع.

في تلك اللحظة، انطلق شريط الذكريات في رأسي كعاصفة لا تهدأ: أصدقائي الذين ابتلعتهم الأقبية المظلمة دون أن تترك لهم أثراً، أحاديث الهمس التي كنا نرسمها بحذر في الغرف المغلقة، ونغلفها بالخوف من أن تلتقطها آذان لا تعرف الرحمة. نظرات والديّ وأخوتي، تلك النظرات المشبعة بالقلق والعتاب، التي كانت تخترقني كالسكاكين كلما قُرع الباب فجأة، وكأنها تذكيرٌ دائم بأنني قد أكون السبب في دمار البيت بسبب نشاطي السياسي. كلماتهم كانت تتردد في أذني، مشحونة بالرجاء واللوم: "لماذا تصرّ على هذا الطريق؟ ألا ترى أن شبح الخوف يحوم فوق رؤوسنا جميعاً؟

ثم كانت هناك أحلامي، تلك التي خبأتها في زوايا روحي، بعيداً عن أعين الواقع القاسية، حتى لا يُفتضح أمرها ولا تذبل تحت وطأة الاستبداد. كل هذه الصور تداخلت في ذهني، تفاعلت مع دموعي التي انهمرت كالسيل الجارف، لتغسل عني أوجاع الخوف والقهر التي عشتها وكبرت في ظلالها أكثر من ستين عاماً.

ولكن، وسط هذه المشاعر الجياشة، تسللت إلى نفسي مخاوف جديدة: ماذا بعد؟ هل ستنجح البلاد في النهوض من رمادها؟ أم أننا على وشك الدخول في فوضى أشدّ؟ هل ستُبنى سوريا التي حلمنا بها، سوريا الحرية والكرامة، أم أن صراعات جديدة ستلتهم الحلم قبل أن يولد؟

في النهاية، رفعت رأسي ونظرت من النافذة. كانت الشمس مشرقة بشكل غريب، كأنها تزفّ بشرى لعالم جديد يولد. ربما كان الفجر قد تأخر، لكن الأمل لم يمت. نظرتُ إلى هاتفي مرة أخرى، وإذا برسالة من أحد أصدقائي القدامى تقول: "اليوم بدأنا من الصفر، لكن على الأقل نحن الآن أحرار".

ابتسمت على الرغم من دموعي. نعم، قد يكون الطريق طويلاً ومليئاً بالعثرات، لكن الحرية كانت تستحق هذا الانتظار الطويل. وأقسمت لنفسي: مهما كان الثمن، لن أسمح لبلدي أن ينزلق مرة أخرى إلى عتمة الاستبداد، ولن أتوانى عن زرع الأمل في قلوب من حولي، حتى تصبح هذه الأرض جديرةً بما حلمنا به يوماً: وطنٌ للحرية والعدالة والكرامة.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «صام صام وفطر على بصلة».. هل هذا قدرنا؟
- تصاعد الـ -ممارسات الفردية- تهدد السلم الأهلي في سوريا
- عندما تمنحك الأجهزة الأمنية صفة المواطنة
- التفاؤل الحذر في مواجهة التحديات السورية
- مقابلة حصرية خصّني بها الرئيس السابق بشار الأسد
- جيهان.. وعدُ العدسة وخلودُ القضية
- نحو دستور يُحيي قيم العدالة والمساواة في سوريا
- عبء القُربى في زمن القمع
- المال المسروق.. من قنوات الفساد إلى قنوات التعويض
- سوريا بين الكنز المفقود والرصاص الصامت
- الغرفة التي لم تكن سرية
- بين المزايدات والفرص المهدورة: قراءة في حال -محور المقاومة-
- «التكويع» تحت المجهر: لماذا يغيّر الإنسان مواقفه؟
- المصالحة والاعتدال.. نحو استراتيجية واعدة
- أخيراً.. صفحة الاستبداد والقهر تُطوى ليبزغ فجر الحرية
- حين أدار الأسد ظهره للأمل.. سوريا والقرار 2254
- منهجية إدارة الأزمة السورية.. بين دروس الماضي وضرورات المستق ...
- سوريا المنهكة.. هل يشكل الحوار طوق النجاة؟
- سوريا، بل المنطقة عموماً إلى أين؟
- وجهة نظر في وقف إطلاق النار بين حزب الله و-إسرائيل-


المزيد.....




- إعلام إيراني: إسرائيل تهاجم مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الر ...
- زيلينسكي يعول على حزمة أسلحة أمريكية موعودة لأوكرانيا
- مصر تحذر من استمرار التصعيد الإسرائيلي الإيراني على أمن المن ...
- لحظة استهداف مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية (فيديوها ...
- لقطات من داخل مستشفى الفارابي بمدينة كرمنشاه غربي إيران عقب ...
- ترامب: الأمر مؤلم لكلا الطرفين.. إيران لن تنتصر بالحرب على ا ...
- هل مقعد 11a هو الأكثر أماناً على الطائرات؟
- نتنياهو: إسرائيل على طريق النصر وعلى سكان طهران إخلاء المدين ...
- -سي إن إن-: ترامب يتجنب المواجهة مع إيران لكن الجمهوريين يحث ...
- قتلى وجرحى في قصف إسرائيلي استهدف مبنى هيئة الإذاعة والتلفزي ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ضيا اسكندر - صبيحة سقوط الأسد