أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ضيا اسكندر - التفاؤل الحذر في مواجهة التحديات السورية














المزيد.....

التفاؤل الحذر في مواجهة التحديات السورية


ضيا اسكندر
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8201 - 2024 / 12 / 24 - 09:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم أكن أتخيل يوماً أنني سأشهد زوال القبضة الحديدية التي خنقت سوريا. وعلى الرغم من يقيني التاريخي بأن الأنظمة الديكتاتورية لا تدوم، فإن رؤية هذا التغيير بأم عيني كانت حلماً بعيد المنال.

اليوم، ونحن على أعتاب مرحلة جديدة، يختلط التفاؤل بالكثير من الحذر، مدفوعاً بالتجارب المريرة التي مرت بها بلادنا، وقراءة متأنية لتاريخها الغني بالعِبر والدروس.

شواهد من تاريخنا المضيء
لو تأملنا تاريخ سوريا القديم والحديث، لوجدنا أن العيش المشترك لم يكن مجرد ظاهرة استثنائية أو عابرة، بل هو إرث حضاري متجذر في أعماق هذا الشعب. دمشق، المدينة التي تتجاور فيها الكنائس مع المساجد، شهدت عبر العصور وحدة فريدة جعلتها نموذجاً يُحتذى به.

من فارس الخوري، المسيحي الذي تولّى رئاسة البرلمان والحكومة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، إلى اللاجئين الأرمن الذين وجدوا في سوريا وطناً بديلاً احتضنهم في أحلك الظروف، كانت بلاد الشام دائماً موطناً للتعددية والتسامح.

وفي الماضي القريب، تبرز قصة الشيخ أحمد كفتارو، مفتي سوريا الأسبق، الذي صلى على جثمان القائد الشيوعي خالد بكداش. لم يكن هذا الموقف مجرد حدث عارض، بل رسالة رمزية تعكس جوهر الانفتاح السوري الذي تجاوز الأيديولوجيات والأديان، مؤكداً أن روح التسامح هي السمة الأبرز في الشخصية السورية.

أما في السويداء، فقد كان الدروز نموذجاً في التلاحم الوطني. شاركوا في ثورة الاستقلال بدمائهم إلى جانب إخوتهم من مختلف الطوائف، ليؤكدوا أن النضال من أجل الحرية يتخطى الانتماءات الضيقة. الثورة السورية الكبرى عام 1925 لم تكن ثورة درزية فقط، بل ثورة شعب بأكمله، تجسّد فيها معنى الوحدة الوطنية.

كما لعب أبناء الطائفة العلوية دوراً محورياً في تاريخ سوريا، حيث شاركوا في التصدي للاستعمار وتعرّض الكثير منهم للاعتقال والتعذيب في زمن البعث، بسبب رفضهم للنظام الاستبدادي.


ولا يغيب عن البال دور الإيزيديين والطائفة الإسماعيلية والطائفة المرشدية وغيرها من الطوائف العديدة في سوريا، التي أسهمت عبر تاريخها في تعزيز قيم التعددية والانفتاح، وكان لهم دور كبير في بناء دولة مدنية تقوم على أسس المواطنة واحترام التنوع.

وعند الحديث عن التسامح والوحدة، يبرز اسم الشهيد يوسف العظمة، الكردي الذي كان وزيراً للحربية في حكومة الاستقلال. وقف العظمة، الذي لم يشغل باله إلا الانتماء للوطن، موقفاً بطولياً عندما قاد معركة ميسلون ضد الاحتلال الفرنسي، مسطراً بدمه صفحة مشرقة من تاريخ سوريا. لم يُسأل عن أصوله أو مذهبه، بل واجه الغزاة بروح سورية خالصة، تجسد التضحية والفداء.

حتى الحياة اليومية للسوريين لطالما عكست هذا الانسجام. في رمضان، يحرص الجيران المسيحيون على تهنئة المسلمين وتقديم الحلويات، وفي عيد الفصح يبادلهم المسلمون التهاني، معبّرين عن روح المحبة التي تتجاوز حدود الطوائف.

التحديات الراهنة
رغم الإرث العريق، تواجه سوريا في المرحلة الحالية تحديات كبيرة تهدد جوهر الدولة المدنية. فمحاولات فرض أجندات متطرفة أو استبدال الاستبداد العسكري باستبداد ديني تعصف بحلم السوريين بوطن يتّسع للجميع.

وقد برزت مظاهر مقلقة تمثلت في تصريحات استفزازية لبعض رموز المرحلة الجديدة، وتعيينات وزارية وإدارية تعكس انحيازاً لونياً واضحاً، إلى جانب ممارسات أخرى أثارت استياءً واسعاً. هذا الاستياء، الذي تجلّى في احتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي وأحياناً في الشوارع والساحات، يعكس قلق المجتمع من المسار الحالي.

لكن بالمقابل، يبرز الوعي الشعبي المتنامي كمصدر أمل، حيث يبعث برسائل واضحة بأن السوريين لن يتهاونوا في الدفاع عن مستقبلهم الديمقراطي. في مجتمع كهذا، حيث يمثل المتشددون نسبة ضئيلة، يبقى الاعتزاز بالتنوع الفكري والديني حصناً منيعاً أمام محاولات فرض أيديولوجيات متطرفة.

تفاؤل مشوب بالحذر
المعركة المقبلة ليست معركة أسلحة، بل معركة أفكار، والشعب وحده سيبقى الحكم والفيصل. ولكي تنتصر القوى العلمانية، يجب الإسراع بعقد مؤتمر شامل يجمع القوى السياسية والمنظمات والشخصيات المؤثرة، بهدف صياغة رؤية موحدة لمستقبل سوريا. أما استمرار تشتت هذه القوى، فسيخدم الأطراف الأخرى المنظمة، سواء كانت ذات طابع أيديولوجي متشدد، أو تيارات استبدادية تسعى لإعادة إنتاج نظام قمعي جديد، أو حتى قوى خارجية تسعى لتحقيق مصالحها على حساب وحدة البلاد واستقرارها.

تفاؤلي ينبع من وعي هذا الشعب وإرثه الحضاري، لكنه تفاؤل ممزوج بالحذر. بناء دولة مدنية حقيقية تحترم التنوع وتعيد لسوريا مكانتها يتطلب جهداً طويلاً وإرادة صلبة. ورغم صعوبة الطريق، أؤمن بأن السوريين الذين صمدوا أمام المحن قادرون على تجاوز هذه المرحلة واستعادة وجه سوريا الحقيقي؛ وطن يتّسع للجميع.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقابلة حصرية خصّني بها الرئيس السابق بشار الأسد
- جيهان.. وعدُ العدسة وخلودُ القضية
- نحو دستور يُحيي قيم العدالة والمساواة في سوريا
- عبء القُربى في زمن القمع
- المال المسروق.. من قنوات الفساد إلى قنوات التعويض
- سوريا بين الكنز المفقود والرصاص الصامت
- الغرفة التي لم تكن سرية
- بين المزايدات والفرص المهدورة: قراءة في حال -محور المقاومة-
- «التكويع» تحت المجهر: لماذا يغيّر الإنسان مواقفه؟
- المصالحة والاعتدال.. نحو استراتيجية واعدة
- أخيراً.. صفحة الاستبداد والقهر تُطوى ليبزغ فجر الحرية
- حين أدار الأسد ظهره للأمل.. سوريا والقرار 2254
- منهجية إدارة الأزمة السورية.. بين دروس الماضي وضرورات المستق ...
- سوريا المنهكة.. هل يشكل الحوار طوق النجاة؟
- سوريا، بل المنطقة عموماً إلى أين؟
- وجهة نظر في وقف إطلاق النار بين حزب الله و-إسرائيل-
- هل ما شهدناه أمس، بداية الغيث؟
- ما له وما عليه؟
- بالنقاط أم بالضربة القاضية؟
- عواقب عدم تفعيل وحدة الساحات


المزيد.....




- ويتكوف يتوجه إلى إسرائيل.. وترامب يتعهد بإنشاء -مراكز للغذاء ...
- طلب لمصلحة السجون لتقديم الرعاية الصحية العاجلة لمحبوس احتيا ...
- -أنا أقود منظمة حقوق إنسان إسرائيلية بارزة: بلدنا يرتكب إباد ...
- -ضم الضفة قد يُسرّع الاعتراف بفلسطين-.. الخارجية الألمانية: ...
- لبحث المفاوضات مع حماس والأزمة الإنسانية في غزة.. ويتكوف يصل ...
- متهم بوضع مواد سامة للأطفال في مخيم صيفي.. الشرطة البريطانية ...
- الأندية السعودية تُغري ليفاندوفسكي.. هل يمكنه المقاومة هذه ا ...
- وزير الخارجية السوري يريد بناء -علاقة صحيحة- مع روسيا ولافرو ...
- إسرائيل تدخل الفتات لغزة وتقتل منتظري المساعدات
- وفيات أطفال غزة كل ساعة وحصيلة ضحايا التجويع ترتفع


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ضيا اسكندر - التفاؤل الحذر في مواجهة التحديات السورية