محمد رضا عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8191 - 2024 / 12 / 14 - 20:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد وقعت الواقعة في سوريا , وعلينا تقديم التهاني الى جميع انصار الحرية والديمقراطية في هذا الوطن العربي العزيز , ونتمنى ان تعيش جميع مكوناته بسلام واستقرار , وعلى القيادة الجديدة ان تدرك خطورة المرحلة , لأنها هي التي ستقرر فيما اذا وصلت هذه القيادة الإسلامية الى حالة النضوج السياسي .
اختلف المراقبون عن الأسباب الحقيقية لسقوط الرئيس السوري بشار الأسد وهل كان مخطط له من الأطراف الدولية المعارضة له ام لا . فخرجت تحليلات تقول بان ايران وروسيا قد تخلا عنه , أخرى تقول ان أمريكا وإسرائيل هي التي عملت على اسقاطه , وأخرى تقول ان تركيا هي التي حضرت لزحف القوات المعارضة نحو دمشق . واذا سئلت أيا من هذه الدول عن السقوط السريع للنظام يأتيك الجواب بانها لا علم لها .
زحف المسلحين لم تتوقعه روسيا او تركيا او ايران . طبعا جميع هذه الدول تعرف جيدا ان هناك تخطيط لأسقاط نظام بشار الأسد ولكنهم لم يتوقعوا ان يكون احتلال حلب بداية لأسقاط النظام . ان الاعتقاد الذي كان سائدا في وقته بان تحرك القوى المسلحة في حلب هدفه استفزاز دمشق وذلك عن طريق احتلال سيطرة او سيطرتين عسكريتين.
ولهذا السبب تعهد حلفاء الأسد، الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني مسعود بزشكيان، بتقديم "دعم غير مشروط لإجراءات السلطات الشرعية في سوريا لاستعادة الانتظام الدستوري والسيادة الإقليمية". كما أفاد بيان الكرملين بأنهما "أكدا أهمية تنسيق الجهود... بمشاركة تركيا".
حتى ان مصدر سوري صرح , أن الطيران الروسي "سيتحرك خلال الساعات المقبلة لتغيير مسار المعارك في الشمال السوري". فيما دعا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، إن , روسيا تريد أن تستعيد الحكومة السورية النظام الدستوري في منطقة حلب "في أقرب وقت ممكن". وذكر المتحدث أن "موسكو تعتبر الهجوم انتهاكا لسيادة سوريا , وتريد من السلطات سرعة التحرك لاستعادة السيطرة هناك".
تركيا هي الاخر لم يكن في حسبانها ان الزحف المسلحين الذي انطق من حلب سوف يصل الى دمشق بدون توقف , الامر الذي دعا الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى إنهاء “عدم الاستقرار” في سـوريا والتوصل إلى اتفاق لوقف المعارك . وقال أردوغان: موقفنا هو الحفاظ على سيادة سـوريا وإنهاء حالة عدم الاستقرار فيها عبر اتفاق يلبي مطالب الشعب السوري، مؤكداً أنهم يتابعون عن كثب التطورات التي استجدت بشكل مفاجئ خلال الأيام الماضية في جارتهم سوريا , وأضاف ,ان " تركيا كما كانت بالأمس مستعدة اليوم أيضاً للقيام بما يقع على عاتقها لإخماد النار المشتعلة في المنطقة.
اذن , التصريح التركي والذي خرج قبل سقوط دمشق بثلاث أيام لم يشير الى دعم المسلحين او يدعو الى سقاط نظام بشار الأسد , وانما كان تصريحا دبلوماسيا حياديا لم يميل الى كفة دمشق ولم يميل الى كفة المسلحين.
اذن , كيف سقطت دمشق بهذه السرعة على يد المسلحين ؟ اني اميل الى تحليل السيد ناصر قندل حول حقيقة سقوط دمشق بيد انصار أبو محمد الجولاني . حسب نظرية الأستاذ قنديل ان سقوط دمشق قررته محافظة حلب . في حلب دخلت المعارضة متحمسة ولكن قابلها جيش سوري غير متحمس للدفاع عن المدينة فتدحرجت الأمور وبدء تساقط قطع الدومينو . في هذه الحظة تدخلت الأطراف الدولية لتحديد مصير البلاد والعباد . اجتمعت الدول الداعمة لسوريا أولا وهي روسيا وتركيا وايران ( الثلاثي الضامن لمسار استانا), ومن ثم الدول الخمس العربية . ممثلو الدول الثلاث الأولى تحدثوا صراحة عن الوضع على الساحة , وكل حديثهم كان يعطي مؤشرا بان النظام السوري في طريقه الى السقوط . فقد جاء في حديث وزير الخارجية الإيراني السيد عباس عراقجي , "لقد اخذوا (المعارضة) بنظر الاعتبار في توقيت التحركات الأخيرة في سوريا، مسألة مواجهة إيران للكيان الصهيوني وروسيا في أوكرانيا وكل هذا لعب دورا في حساباتهم، لكنه في رأيي العامل الأساسي في نجاحهم في الآونة الأخيرة في سوريا، كان الجيش السوري الذي لم يصمد ولو كان قد قاوم لما سقطت حتى حلب، أقول ذلك بكل ثقة".
تصريح السيد وزير الخارجية الإيراني دعمه مراقبون كثر . ففي برنامج الغد ضيف مقدم البرنامج سامي كليب , شخصيتين الأولى من موسكو والأخر من طهران . كان جواب الضيفين هو ان كلا العاصمتين كانتا متفاجئتين من التقدم السريع للقوات المعارضة , وان القوات الحكومية كانت ليس لها الرغبة بمقاتلة المسلحين , مما أدى باندفاع المسلحين نحو دمشق واسقاطها . لقد كان التدخل العسكري لإيران وروسيا متأخر جدا , خاصة وان الرئيس الأسد لم يطلب هذا التدخل الا قبل يومين من سقوطه . محلل سياسي اخر أوضح سبب عدم رغبة القوات الحكومية لردع الهجوم المسلح بسبب تعبه من القتال والذي طال اكثر من عشر سنوات وهو يقاتل قوى مسلحة خارجة عن القانون , الحالة الاقتصادية لا افراد الجيش حيث كان رواتبهم الشهرية لا تقارن بتضحياتهم اليومية , والامر الاخر انتشار الرشاوى , والخيانات والتآمر لبعض افراده . بالإجمال وصل الامر بقادة الجيش السوري , مثل ما وصل الامر بالجيش العراقي بانه يدافع عن نظام متهالك فترك السلاح ولبس المدني .
وتأكيدا لما تقدم , وجدت تقيما مهما لسقوط بشار الأسد من قبل شخصية مهمة في ايران وهو قائد الحرس الثوري الإيراني , حسين سلامي قال فيه , انهم " كانوا على علم بحركة المسلحين في سوريا واخبروا قيادتها السابقة" مؤكدا ان غياب إرادة المقاومة أدى لما حدث . وأضاف سلامي " كنا على معرفة بتحركات المسلحين والتكفيريين في سوريا الأشهر الأخيرة ", مشيرا الى ان " البعض يتوقع من حرس الثورة القتال في المعركة بدل الجيش السوري لكن هل من المنطق ان نقاتل في بلد اخر فيما يقف جيش ذلك البلد متفرجا".
اما وكالة "رويترز" فقد كشفت بأن مراسليها في دمشق عثروا على وثيقة في مقر المخابرات الجوية بالعاصمة السورية، تظهر جانبا من الحالة التنظيمية السيئة لقوات الجيش السوري قبيل سقوط النظام.وقالت "رويترز" إنه في 28 تشرين الثاني ، أصدرت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة أوامر لجميع القوات بأن تكون على أهبة الاستعداد القتالي.
ووفق الوكالة، فإنه "في مؤشر على القلق الشديد الذي انتاب النظام السوري، اتهمت الإدارة العامة للمخابرات الجوية السورية، وهي من الأجهزة الرئيسية المقربة من عائلة الأسد، رجالها بالتراخي في نقاط الحراسة في شتى أنحاء البلاد بعد أن اجتاحت المعارضة المسلحة إحدى نقاط التفتيش في الجنوب في الأول من ديسمبر، وحذرتهم من عقاب شديد إذا لم يقاتلوا"، وفقا للوثيقة.
ونقلت الوكالة، في تقرير تحدثت فيه عن سبب انهيار الجيش السوري، عن عدد كبير من المصادر قولها إنه "رغم الأوامر والتهديدات، بدأت أعداد متزايدة من الجنود والضباط في الفرار، بدلا من مواجهة المعارضة المسلحة، وشوهد الجنود وهم يغادرون مواقعهم ويرتدون ملابس مدنية ويعودون إلى منازلهم، كما وجد صحافيو "رويترز" الذين دخلوا سوريا يوم الأحد (8 كانون الأول ) أن الزي العسكري ما زال متناثرا في شوارع دمشق".
كذلك نقلت الوكالة في تقريها، عن ضابط مخابرات عسكرية كبير في الخدمة قوله- من دون كشف هويته- إن "الغضب في صفوف العساكر تصاعد على وجه الخصوص في العام المنصرم، مضيفا أنه كان هناك سخط متزايد تجاه الرئيس السابق بشار الأسد حتى بين كبار مؤيديه المنتمين إلى الطائفة العلوية"، وفق تعبيره.
هذا واتفق المحللون من ان غياب السيد حسن نصر الله , والجنرال قاسم سليماني وانهماك الجيش الروسي في اكرانيا , وامتلاك المسلحين أسلحة جديدة , قوية , وتدريب متقدم لعناصرها , قدرة أبو محمد الجولاني على توحيد المجاميع المعارضة تحت لوائه , و تراخي القوات المسلحة الحكومية من حماية البلد والنظام , كلها أدت الى انهيار النظام وسمحت للطيران الإسرائيلي اللعب في سماءه .
#محمد_رضا_عباس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟