أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نواف سلمان القنطار - الحفرة














المزيد.....

الحفرة


نواف سلمان القنطار
كاتب ومترجم.

(Nawaf Kontar)


الحوار المتمدن-العدد: 8152 - 2024 / 11 / 5 - 18:12
المحور: الادب والفن
    


كان يمكن لرأسي أن يبقى بين كتفي ... لولا سقوطي في تلك الحفرة التي حفرها عمال البلدية ونسوا أن يردموها في ذلك المساء. كان سقوطي مدوياً ـ من دون مبالغة ـ مثل سقوط دب في مصيدة... طراااااخ.
ـ هل نساعدك يا أخي؟ سأل أحد المارة بصوت قلق.
ـ هل تحتاج إلى مساعدة يا عم؟ قالت فتاة وهي تمد يدها نحوي بخوف.
ـ لا، لا، شكراً، أنا بخير.
خرجت من الحفرة وأخذت أنفض التراب عن ثيابي بسرعة. كان الظلام كفيلاً بأن يجعل المارة ينسون أمري فور عبورهم بجانب تلك الحفرة اللعينة... شخص آخر من سكان المدينة يقع في حفرة عميقة حفرتها البلدية ونسي عمالها وضع أية علامات تحذير... ما الخطب الجلل في ذلك؟
أخذ الدم يبلل قميصي شيئاً فشيئاً، رفعت يدي نحو رقبتي فأدركت أن شيئاً خطيراً وقع لي. التفت ورائي فلم ألحظ شيئاً، نظرت أمامي فلم أجد شيئاً، مددت يدي نحو مكان رأسي فلم أجد شيئاً، هممت بالسير... ـ
ـ إلى أين أنت ذاهب؟ توقف عن السير يا أبله، كيف ستعود إلى البيت من دوني. حاول أن ترجع قليلاً إلى الوراء يا أحمق، أسرع فالوقت يمر ولا أريد أن تدوسني أقدام المارة، هيا ارجع إلى الخلف.
قلت لنفسي أي حمار هذا الذي يتكلم!!! كيف لي أن أعود للخلف وأنا لا أرى شيئاً!
ـ لا تخف، ارجع... خطوة إلى الوراء، حسناً، خطوتان إلى الأمام. هيا.. واحد، اثنان، ثلاثة.... انتبه.. ممتاز... لا... انتبه ...إلى اليمين قليلاً... أحسنت... ماذا حصل لكم أيها الناس، ألن تمدوا له يد العون عوضاً عن الوقوف والتحديق به!!!
كان المارة يتجمعون بشكل عفوي. تساءل أحدهم بحماقة:
ـ هل كان يحمل رأساً من قبل؟
ـ لا... من بعد... أيها الحمار.
ـ وهل أنت رأسه بالفعل؟ سأل مواطن آخر، لا، عفواً أقصد ربما كنتَ رأس شخص آخر.
ـ بالتأكيد لن أكون رأساً لجحش مثلك.
فضج المكان بالضحك .
ـ اخرسوا جميعاً واتركوني أستعيد جسدي، مفهوم.... قال رأسي بصوت آمر... هيا... انتبه... واحد.. اثنان.. ثلاثة ... قف، بدأت تميل نحو اليمين كثيراً..
ـ وماذا أفعل؟ سألت رأسي بهدوء المستسلم.
ـ تابع، ممتاز، عظيم... كما تعلمت بالعسكرية، تماماً...
ـ ولكنه يسير إلى الخلف! أليس كذلك؟ سأل أحدهم.
ـ هذا تأكيد على أن الرأس يقود الجسد كما يريد. رد شاب صغير بابتسامة خجولة.
ـ ما رأيك أن تخرس أنت وإياه؟ أجاب الرأس متابعاً:
ـ انتبه، حسناً، أربعة، خمسة، ستة، يمين، يمين، صار الصوت يعلو أكثر فأكثر، أخذ الجهور يشارك في العد... سبعة، ثمانية...ـ
ـ كدت تصل... هتف أحدهم، ثم صرخ كأنه فطن إلى ضرورة استدعاء الإسعاف، أو الشرطة... هل اتصلتم بالمشفى؟؟؟
ـ هذا إنسان فهمان... استدع الإسعاف... نطق الرأس بصوت أوامري، ثم أضاف: هل بينكم أي طبيب أو ممرض.
ـ للأسف الأطباء هاجروا من زمان ، ولا توجد طواقم طبية مؤهلة لمثل هذه الحالة ـ على ما أظن... أجاب الفهمان بصوت خافت.
تسعة...عشرة... هيا، هيا... أحد عشر... اثنا عشر، ثلاثة عشر... برافو... ها قد وصلت... أرأيت، كان الأمر بسيطاً...
ـ اصمت بالله عليك... كأنها ثلاث عشرة سنة... والآن ما العمل؟؟
ـ هنا تكمن الصعوبة الحقيقية...
ـ لقد وصل إلى رأسه، قبل سيارة الإسعاف، فكيف سنعيد الرأس إلى مكانه؟؟؟ تساءل الناس المحتشدون.
ـ دعوني مع جسدي قليلاً ... ابتعدوا. افسحوا المجال،
ـ اتركوني مع رأسي قليلاً... هيا... افسحوا المجال
ـ هيا يا جسدي، قم بالانحناء قليلاً. ولكن لا تقع بالحفرة مرة ثانية يا حمار..
ـ قدني أيها الرأس اليابس، فأنا الآن طوع بنانك... أقصد صوتك.
ـ انتبه... صرخ عسكري يرافقه شرطي ظهرا من بين جهور المتفرجين، فإذ بالجميع يتسمر في مكانه، لم يدر رأسي بماذا يجيب، ولم أعرف ماذا أفعل... ثم جاءنا الأمر:
ـ استارح...استاعد...
بدأ الجميع يستريحون ويستعدون إلى أن تم توحيد الحركة بشكل متزن، كنت ـ مثل الجميع ـ أحاول تنفيذ الأمر بقوة لدرجة أنني كدت أهوي في الحفرة التي سمعت من داخلها صوت رأسي وهو يهمس: انتبه يا جسدي الحبيب.
ـ وراء... در...
دار الجميع، وأنا بدوري نفذت الأمر تماماً.
ـ جلوساً...
ـ اجلس يا حبيبي، حاول أن تنحني قليلاً وتمد يديك لتنتشلني من هذه الحفرة الحقيرة.
ـ راحة.... استراحة لمدة خمس وعشرين دقيقة.
وهنا، استطعت بالتنسيق مع رأسي الطيب أن أعيده إلى مكانه وهو يرمقني بنظرة إعجاب على هذا العمل البطولي الذي قمنا به معاً.
ذهب العسكري والشرطي واختفى المحافظ ومدير الأمن من دون أن يعدني أحدهم بشيء، انفضت جموع المحتشدين بهدوء، بينما أخذت بعض النسوة يزغردن، وبعض الرجال يهتف الله وأكبر... في حين زعق آخرون: بالروح بالدم نفديك يا زعيم.... من دون تحديد اسم الشخص المقصود.
أما أنا ... وحدي أنا... فقد حملت رأسي الثقيل... " وعجت أسأل عن خمارة البلد"...



#نواف_سلمان_القنطار (هاشتاغ)       Nawaf_Kontar#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحيل نحو زهر البيلسان
- كأنني لم أكن بالأمس هنا
- مراثي للزمن القادم
- موسم الهجرة إلى الشمال
- لقاء مع جنرال سوفييتي
- ذكريات لا تؤذي
- معللتي بالوصل
- لا تنشد الطريق إلى الخلود أو رسالة إلى طاغية
- الربيع في موسكو
- وحيداً يسير على الرصيف
- وطني
- لا شيء يزعجني
- تربكني الأسئلة
- سيناريو غير مؤهل أو دفاعاً عن الجنون
- نداء الحياة
- المحكوم بالألم
- يتملكني مزاج جنائزي
- جولة تفقدية
- في الطريق إلى دمشق
- فصام


المزيد.....




- نزلت حالًا مترجمة على جميع القنوات “مسلسل المؤسس عثمان الحلق ...
- دميترييف: عصر الروايات الكاذبة انتهى
- عن قلوب الشعوب وأرواحها.. حديث في الثقافة واللغة وارتباطهما ...
- للجمهور المتعطش للخوف.. أفضل أفلام الرعب في النصف الأول من 2 ...
- ملتقى إعلامى بالجامعة العربية يبحث دور الاعلام في ترسيخ ثقاف ...
- تردد قناة زي ألوان على الأقمار الصناعية 2025 وكيفية ضبط لمتا ...
- مصر.. أسرة أم كلثوم تحذر بعد انتشار فيديو بالذكاء الاصطناعي ...
- تراث متجذر وهوية لا تغيب.. معرض الدوحة للكتاب يحتفي بفلسطين ...
- -سيارتك غرزت-..كاريكاتير سفارة أميركا في اليمن يثير التكهنات ...
- -السياسة والحكم في النُّظم التسلطية- لسفوليك.. مقاربة لفهم آ ...


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نواف سلمان القنطار - الحفرة