أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نواف سلمان القنطار - لقاء مع جنرال سوفييتي















المزيد.....

لقاء مع جنرال سوفييتي


نواف سلمان القنطار
كاتب ومترجم.

(Nawaf Kontar)


الحوار المتمدن-العدد: 7171 - 2022 / 2 / 23 - 18:05
المحور: الادب والفن
    


ـ إذا كنا نحتفل اليوم بالذكرى السنوية الثانية والأربعين للانتصار على ألمانيا الفاشية ( كان ذلك في عام 1987)، عندئذ سيكون أصغر مشارك في الحرب الوطنية العظمى قد بلغ حالياً السابعة والخمسين من عمره ... هذا إذا اعتبرنا أنه كان في الخامسة عشرة من عمره في ذلك الوقت ... وبالتالي فإن جيل الحرب ما زال يعيش بيننا، ما يعني أن ذاكرتنا ستظل حية على الدوام.
ختم ألكسندر حديثه بلهجة يقينية فيها كثير من الافتخار وكأنه يُسمّع أحد دروس مادة التاريخ.
ـ ما يعني أن هذا الضابط كان من كبار القادة العسكريين أيام الحرب، أليس كذلك. سألته بلهجة العارف.
ـ على الأرجح.
كان هناك رجل مسن يرتدي بزة عسكرية أنيقة جداً مزينة بالأوسمة والميداليات يقف على مقربة منا متحدثاً أمام كاميرا تلفزيونية، بينما التفت حوله مجموعة من الأشخاص يصغون إلى ما يقوله بانتباه كبير، في حين كان آخرون يقتربون منه بدافع الفضول، يقفون لحظة ثم يتابعون سيرهم.
كانت حديقة " بارك كولتوري" في موسكو مكتظة بالناس الذين جاؤوا منذ الصباح لإحياء ذكرى انتصار الاتحاد السوفيتي على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، فقد درجت العادة أن يحتفل أبناء العاصمة في التاسع من أيار من كل عام بذكرى يوم النصر في واحد من مكانين، إما في هذه الحديقة بالذات أو أمام مسرح " البولشوي" في وسط العاصمة.
كانت الأغاني الوطنية تصدح في كل مكان، وكانت الأعلام الحمراء واللافتات الكبيرة تزين الأبنية والشوارع، وكان كبار السن يروون للأطفال الذين يتحلقون حولهم بشغف قصصاً عن الحرب، بينما كان آخرون يرقصون أو يغنون أو يتمشون في هذه الحديقة الكبيرة... وكان كثير من المحاربين القدامى يقصدون هذين المكانين بالتحديد على أمل أن يعثروا على رفاق لهم من بين الذين حاربوا معاً في ذلك الوقت، وكان من المؤثر فعلاً أن تحدث مثل هذه اللقاءات أمام أعين الناس...
ـ بالمناسبة، لماذا تقولون ألمانيا الفاشية وليس النازية؟ عدت لأسأل صديقي.
ـ وهل هناك فرق؟
ـ بالمعنى العام، لا فرق بالطبع، ولكن مع ذلك.
ـ لا أدري تماماً، ولكنني أعتقد أن لكلمة فاشية وقعاً مختلفاً في نفوس الناس، فعندما تقول: " ناتسيست" ( نازي ـ قومي باللغة الألمانية) لا تتملكك مشاعر سلبية قوية، كأنك تتحدث عن مصطلح سياسي محايد، ولكن عندما تقول " فاشيست" ( فاشي)... نطق ألكسندر هذه الكلمة بنبرة كراهية واضحة ما جعله يكز على أسنانه، ثم أخذ يهز قبضته في الهواء ... فهذا أمر آخر...
في هذه الأثناء، انفض الجمع وذهب فريق التصوير للبحث عن بطل آخر، بينما وقف صاحبنا يلبي طلب بعض الأشخاص لالتقاط صورة تذكارية معه... وما إن بقي بمفرده حتى تلفت حوله، ثم اقترب من مقعدنا وسأل ما إذا كان بإمكانه الجلوس معنا، فوافقنا بكل سرور.
لم يكن الرجل مسناً كما اعتقدنا، على الرغم من شعره الأبيض وعلامات التعب البادية على وجهه بوضوح، أراد أن يسألنا شيئاً ما، إلا عدداً من الضباط الشباب مروا من أمامنا، فأدوا التحية العسكرية وهم يرددون: " زدرافي جيلايم تفاريش غينرال" ( نتمنى لكم الصحة أيها الرفيق الجنرال)، فرد التحية بابتسامة عريضة...
ـ أين أحفادي؟ تساءل الجنرال وهو يتلفت حوله.
ـ إنهم هنا... لا تقلق، ردت من ورائنا امرأة بدا لنا أنها ابنته.
ـ ها نحن هنا، أردفت السيدة وهي تشير إلى طفلين يحملان بندقيتين بلاستيكيتين ويطلقان منهما رشقات من الماء.
صوب أحدهما البندقية تجاه الجنرال صائحاً:
ـ سأقتلك يا جدي.
حاول الجد أن يستعطفه، إلا أن الطفل أطلق زخة من الماء على بزة الجد وأوسمته فبللها، ثم صوب بندقيته باتجاه صديقي الذي هدده بصوت خافت قائلاً:
ـ لو كنت مكانك لما تجرأت.
لكن الطفل لم يأبه بهذا التهديد ورشّه أيضاً، بينما اقترب الطفل الثاني مني وهو يصرخ: سنقتل الأعداء، سنقتل الأشرار ورشني أيضاً ثم رش جده، وأخذ الاثنان يركضان حول مقعدنا ويرشان بعضهما بعضاً بالماء.
سرى جو من المرح حولنا عندما رأى المارة هذه المعركة بالذخيرة " الحية"، بينما أخذنا نبحث عن مدى عمق "إصاباتنا" التي تبين أنها سوف " تلتئم" بسرعة تحت أشعة شمس أيار الصباحية... ناولتنا المرأة بضعة مناديل وهي تعتذر دون أن تتمالك نفسها من الضحك أيضاً.
اعتذر الجنرال بدوره عما فعله هذان الصغيران، ثم أردف قائلاً:
ـ تستطيع أن تأمر جيشاً بأكمله، ولكنك لا تستطيع أن تسيطر على حفيد واحد من أحفادك.
ـ أو على زوجتك... علّق صديقي بمكر واضح.
ـ وهنا المصيبة الكبرى، رد الجنرال ضاحكاً.
هزت المرأة رأسها مبتسمة باستحياء، وابتعدت مع ولديها لشراء بعض الحلويات من الكشك المجاور الذي ازدان بألوان زاهية، بينما كانت تصدح الأغاني الحماسية في كل مكان.
التفت الجنرال المتقاعد نحونا وهمس قائلاً:
ـ هل يمكن أن أطلب منكم سيجارة؟
مددت علبة التبغ بسرعة معرباً عن استعدادي للاستغناء عنها كاملة، فشكرني قائلاً:
ـ واحدة تكفي يا بني، أشكرك... في البيت يمنعوني من التدخين، يعاملونني مثل طفل صغير، يخافون على حياتي أكثر مني... ما المشكلة إذا استسلمت في آخر عمري لبعض المتع الصغيرة، فكم سأعيش بعد .. ثم أضاف شاكياً:
ـ لا يمكن لرجل مثلي أن تهزمه الأمراض، فقد هزمت ما هو أقوى منها، فليدعوني وشأني.
حاول صديقي أن يسأله عن ذكرياته في الحرب، فنظر إليه مبتسماً وقال:
ـ يا بني، لعلك ستستغرب كلامي، ولكنني مع ذلك سأقول لك بأن لا شيء أسوأ من الحروب، ولا شيء أسوأ من أن يفاخر الرجل ببطولاته في الحروب، أعرف أن الإنسان لن يتخلص من وحشيته، ولكنني ما زلت أعتقد أن هذه الأرض جديرة بأنها نجنبها حروباً وويلات جديدة.
ـ على البشر أن يواجهوا قوى الطبيعة، لا أن يتقاتلوا فيما بينهم. قال صديقي بصوت خافت محاولاً أن يجاري الجنرال.
ـ صحيح، فالطبيعة قد تهزم الإنسان، لكنها في نهاية المطاف لا تسعى لتدميره، أما الحروب، فتطحن أرواح البشر وأحلامهم، تقضي على كل ما هو إنساني فيهم... اعذرني أيها الشاب، لعلي أنا، العسكري البسيط المسن، قد خيبت أملك، ولكن ما زال اليوم في بدايته، لعلك تجد بطلاً غيري في هذا المكان يحدثك عن بطولاته التي اجترحها خلال معاركه المختلفة...
في المساء، جلسنا نشاهد نشرة الأخبار، فظهر صديقنا الجنرال وهو يتحدث عن بعض تفاصيل الحرب ضد ألمانيا الفاشية، وعن انتصارات الجيش السوفيتي في تلك الحرب، واكتشفنا أنه يحمل وسام بطل الاتحاد السوفيتي، حيث كان في طليعة الضباط الذين دخلوا إلى برلين.



#نواف_سلمان_القنطار (هاشتاغ)       Nawaf_Kontar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات لا تؤذي
- معللتي بالوصل
- لا تنشد الطريق إلى الخلود أو رسالة إلى طاغية
- الربيع في موسكو
- وحيداً يسير على الرصيف
- وطني
- لا شيء يزعجني
- تربكني الأسئلة
- سيناريو غير مؤهل أو دفاعاً عن الجنون
- نداء الحياة
- المحكوم بالألم
- يتملكني مزاج جنائزي
- جولة تفقدية
- في الطريق إلى دمشق
- فصام
- سورية بين توصيف الأزمة وأزمة الحل


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نواف سلمان القنطار - لقاء مع جنرال سوفييتي