أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نواف سلمان القنطار - سورية بين توصيف الأزمة وأزمة الحل















المزيد.....

سورية بين توصيف الأزمة وأزمة الحل


نواف سلمان القنطار
كاتب ومترجم.

(Nawaf Kontar)


الحوار المتمدن-العدد: 3799 - 2012 / 7 / 25 - 22:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سورية بين توصيف الأزمة وأزمة الحل
د. نواف القنطار*
لم يكن مستغرباً أن تتعامل السلطة في سورية مع الحراك الشعبي الذي بدأ في 15/3/2011 باعتباره حدثاً طارئاً، سرعان ما يزول إذا ما عولج بالوصفة التقليدية المعتمدة على العنف المترافق مع خطاب يربط كل دعوة للتغيير بأجندات ومؤامرات خارجية، عوضاً عن الالتفات نحو الاستحقاقات الداخلية التي تأخر علاجها فازداد خطرها على خلفية تصاعد الاستياء العام من سلطة مازالت تعتقد أنها يمكن أن تواجه التحديات الجديدة بوسائل قديمة، وكأنها لا تدرك أن الزمن تغير، وأنها لا تستطيع أن تستحم بنهر الدم مرتين.
ولهذا الفعل مبرراته، فقد عانت سورية على مدى العقود الخمسة الأخيرة من تفاقم مرض نقص الديمقراطية في جسد السلطة نتيجة الضعف في إنتاج مثبطات الاستبداد داخل العقل السياسي المسيطر الذي لم يعتد على بناء السلطة إلا عن طريق العنف المغلف بأيديولوجية إقصائية، حالت دون إنشاء بيئة صالحة ومؤهلة لإنتاج فعل سياسي يتيح لمكونات المجتمع المختلفة إمكانية التنافس على هذه السلطة عبر صناديق الاقتراع، وليس اغتصابها وتعزيز بنى الدولة البوليسية وإنكار حق القوى المعارضة في التواجد على الساحة السياسية.
أعادت الأزمة السورية طرح أسئلة طالما كانت موضع نقاش في المجتمع، وفي مقدمتها كيفية إصلاح المنظومة السياسية القائمة، فعلى الرغم من أن السلطة كانت قد تبنت هذه العملية، إلا أن التسويف كان الناظم الأساسي لها، ولم تتخذ خطوات ملموسة إلا تحت ضغط الحراك الشعبي، ولكنها أصرت على أن تكون ضمن المقاييس التي تناسبها ولا تضايقها. وقد ظن البعض أن الأزمة سوف تدفع حزب البعث الحاكم لمواجهة استحقاق مؤتمره الحادي عشر بأسرع وقت ممكن، لتقويم المرحلة ونقد تجربة الماضي عبر مشروع سياسي شامل لا يتلطى بالشعارات والنوايا الإصلاحية التي أدخلت المجتمع في متاهات سياسية واقتصادية بسبب إعادة إنتاج السلطة السابقة التي صادرت الرأي ولاحقت الفكر وأقصت المجتمع عن المشاركة في عملية إنتاج سلطة منفتحة على مفاهيم مثل المجتمع المدني والتعددية والديمقراطية وغيرها، ولكن عوضاً عن ذلك فضل الحزب أن "ينأى بنفسه" عن تداعيات الفعل السياسي، متماهياً مع خيارات القوة التي لجأت السلطة إليها منذ البداية، مؤكداً الفكرة التي تقول بأنه "ارتضى" منذ خمسة عقود أن يتحول إلى واجهة "مدنية" لمنظومة أمنية تتحكم بمفاصل الدولة، أما سرعة تعاطي الحزب - السلطة مع الواقع الجديد لجهة إلغاء المادة الثامنة من الدستور، فقد أوحت بأنها كانت بمثابة فعل اضطراري لجـأ إليـــــــه " لامتصاص الصدمة" من خلال تخليه عن امتيازات شكلية مع الإبقاء على العقلية والآلية السابقة نفسها، ظناً أنه يستطيع تمويه حقيقة السلطة القائمة، وتأجيل الاستحقاقات المطلوبة لحين استعادة زمام المبادرة بعد انتهاء الأزمة.
ومن هنا يمكن القول بأن مشكلة الأحزاب المتفردة بالسلطة تتلخص في أنها عصية على التغيير، فتراها تستأنس للسكون وتستعذبه، وتستخف بأي رغبة في التغيير، ثم تشعر بالخوف منه، فتلجأ إلى المناورة والتسويف، ليصبح بعد ذلك عبئاً ثقيلاً عليها تئن تحت ضغط راهنيته إلى أن تدرك أن انهيارها مسألة وقت لا أكثر.
أحرج الحراك الشعبي الأحزاب والقوى السياسية المرتبطة عضوياً بالسلطة، فاختزلت أسبابه إلى عوامل خارجية تهدف للنيل من منعة البلاد، وقللت من أهمية التناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تهز أركان المجتمع أفقياً وعمودياً منذ نصف قرن، فخرج النضال السياسي والصراع الطبقي والثورة الاجتماعية من أدبيات هذه الأحزاب، وخاصة اليسارية منها التي فوتت لحظة تاريخية لقيادة الشعب المطالب بالحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، متناسية أنه حتى لو لم يكتب النجاح لهذا الحراك فسيكون قد راكم خبرة تاريخية يؤَسس عليها لحراك أكثر نضجاً في المستقبل.
ولكن يبدو أن هذه الأحزاب لم تستطع تجاوز مشكلاتها الخاصة المتمثلة في الترهل الفكري الذي أدى إلى نكوص ثقافة الفعل الثوري وضعف حركة التغيير الداخلي بسبب إغلاق "باب الاجتهاد" الثوري واستمراء امتيازات التحالف مع السلطة التي أفقدها الكثير من جماهيرها، فهي لم تبتعد فكراً وعملاً عن مفاهيم حزب السلطة نفسه، حيث غابت قواعد العمل الديمقراطي داخل صفوف هذه الأحزاب التي مالت أكثر فأكثر نحو العمل السياسي وفق قانون العطالة لتتحول إلى تجمعات سياسية تدور في فلك الحزب الحاكم دون أن تسعى لبناء علاقة ندية معه تحت اسم التحالف، الأمر الذي يضعها أمام إشكالية مستقبلية خطيرة تهدد إمكانيات استمرار وجودها نفسه ككيانات سياسية تسعى للحصول على تأييد شرائح واسعة من المجتمع.
مع بداية الحراك تبنت قوى المعارضة السورية على اختلاف أطيافها موقفاً عاطفياً وانفعالياً مبرراً انطلق من ردود فعل منطقية على سياسة العنف التي تمارسها السلطة، لكن هذا الموقف تصاعد على حساب الارتكاز على الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية العميقة للحراك، وخفتت الأصوات المنادية باستمرار التمسك بأقانيمه المتمثلة بطابعه السلمي ورفضه للتدخل الخارجي بأشكاله كافة، ونبذه للطائفية، ولعل سبب ذلكاعتقاد هذه القوى بانسداد الأفق أمام الحل السلمي من جهة، والتباين الواضح في أجنداتها ومرجعياتها من جهة أخرى، الأمر الذي أظهرها في كثير من الأحيان وكأنها تستبق الأحداث على أنغام لعبة الكراسي الموسيقية وتتنافس على تقاسم السلطة قبل سقوطها، أكثر من محاولتها تخفيف حدة التناقض في الاستراتيجيات والرؤى التي صعبت عليها مهمة إقناع الداخل بشرعية تمثيلها له، وإقناع الخارج بالاعتراف بها كبديل للنظام.
وإذا كان ليس ضرورياً أن تنضوي مكونات المعارضة كلهاتحت لواء واحد، فإنها مطالبة بتجاوز التجاذبات التي مازالت تضعف مرتكزات الحراك الشعبي الواقف بين مفاعيل سياسية ثلاثة: قوى الشارع المكونة من مشارب واتجاهات مختلفة ويقودها حماس الشباب المنادي بالتغيير، لكنها لم تراكم بعد الخبرة السياسية التي تؤهلها لتكون القوة الرئيسية على الساحة السياسية، وقوى تقبل بمبدأ الحوار دون التنازل عن سقف المطالب الشعبية، لكنها تتهم بالمواربة وممالئة السلطة، وقوى في الخارج تتعرض لانتقادات شديدة ليس فقط لمحاولة قيادة الحراك الشعبي من بعيد، بل كذلك بسبب تجاذبات الأجندات الخارجية لها، ناهيك عن تركيز خطابها في كثير من الأحيان على العوامل الخارجية للمعادلة بدلاً من عواملها الداخلية، بينما ظهر مكون رابع هام جديد في مرحلة متقدمة من الحراك، وقد يكون العامل الحاسم في الفترة القريبة القادمة، وهو القوى المسلحة التي تسير باتجاه عسكرة المواجهة على الرغم من نبالة الدوافع والمسوغات.
إن مشروعية المعارضة تكمن في قدرتها على استنهاض الوعي السياسي لدى الجماهير وإقناعها بأن الثورة على النظم الاستبدادية هي نتاج طبيعي لتراكم ضرورات واستحقاقات مؤجلة، وليست نزوة خارجة عن سياق التاريخ. وهذه المشروعية تلقي على المعارضة بالذات مسؤولية العمل على التمسك بأولويات النضال السلمي على الرغم من صعوبته حالياً، لأنها بذلك تسقط قناع الشرعية عن السلطة، وتفقدها مبررات الاستمرار بالحل الأمني والمناورة السياسية مع المبادرات المختلفة.
مع تشابكات المشهد السياسي وتسارع الأحداث على أرض الواقع،ومع استمرار تدفق أنهار الدم أمام أنظار العالم، يصعب التصور بأن الأزمة السورية قريبة الحل، بل إنها تزداد تعقيداً على خلفية تضارب المصالح الإقليمية والدولية، وتمسك المكونات الفاعلة على الساحة بأجنداتها المغلقة بوجه فرص إيجاد حاضنة مناسبة لمقومات الخروج السلمي من هذه الأزمة التي أخذت تقوض دعائم الدولة بأسرها. ولذلك فإن الحل الحقيقي هو الذي يمر عبر الانتصار في المعركة على الذات، الانتصار على التعنت في المواقف والمكابرة على الخطأ، والاقتناع بأن الحرب هي أسوأ وسيلة للحوار مع الطرف المقابل، ولاشك أن اعتراف هذه المكونات بضرورة التضحية ببعض طموحاتها السياسية والشخصية يعتبر مقدمة لاقتناع كوادرها ومؤيديها بأهمية اجتراح معجزة الحل السلمي الذي يجب أن يفضي إلى سورية الجديدة التي تتطلع للعمل السياسي ضمن مبادئ الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة، مثلما تتطلع إلى الأمن والاستقرار في ربوعها المعذبة التي تصرخ في وجه كل من يصر على إقامة عرشه فوق جثث الضحايا وبرك الدم:هل سيحتمل ضميرك وزر ذلك؟؟؟.



#نواف_سلمان_القنطار (هاشتاغ)       Nawaf_Kontar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- في نطاق 7 بنايات وطريق محدد للمطار.. مصدر لـCNN: أمريكا ستقي ...
- المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي يستقيل ويعتبر أن -ل ...
- لجنة أممية تتهم إسرائيل بعرقلة تحقيقها في هجمات 7 أكتوبر
- فيديو: -اشتقتُ لك كثيرًا يا بابا-... عائلات فلسطينية غزة تبح ...
- برلين ـ إطلاق شبكة أوروبية جديدة لتوثيق معاداة السامية
- رئيسي: ردنا المقبل سيكون أقوى وأوسع
- نتنياهو: حرب غزة جزء من تهديد إيرن
- -حزب الله- يستهدف مقرات قيادة ومراقبة جوية للجيش الإسرائيلي ...
- الجيش الأردني يكثف طلعاته الجوية
- مناورات تركية أمريكية مشتركة


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نواف سلمان القنطار - سورية بين توصيف الأزمة وأزمة الحل