|
الفيضان... (1-2-3-4)
عبد الغني سهاد
الحوار المتمدن-العدد: 8112 - 2024 / 9 / 26 - 17:55
المحور:
الادب والفن
الفيضان.. (ف. 1_2_3_4) .( ا لفيضان) في البدء كانت رواية.!! . لا أدري مالذي تملكني ذلك الصباح .. لاستفيق باكرا وادلف إلى غرفة النوم.. لاجد امي تنحني على المكوات منشغلة بتحديد ملابسنا.ترتيب محفظة الظهر.. (الساك ادو) وكان ابي ينظر في اتجاه المكواة ويهمس ببعض الكلمات العذبة.. ( غادي نرجع و غادي القاكم كلكم بخير..أن شاء الله تهلاي فاطمة فيهم.. (الدراري..).. تهلاي فيهم.. وحذق في وجهي وكنت الوحيد الذي نهض باكرا لا ودعه.. فقال.. (ظاهر العود اللي غادي يعمي ليا عيني يا فاطمة.. تهلاي.. تهلاي فيهم..!! ..) قالها وهو يطبطب على كثفي.. لم تجبه فاطمة كانت في صمتها تختنق وفي دموعها تغرق. كانت تفضل الموت حقا.. على الكلام....!!! حمل محفظته على ظهره وخرج إلى بهو الدار وجلس يحملق في الجدران.. وفينا الينا.. لكون اخي الكبير التحق بنا.. خرج وتبعناه في الدرب الرمادي البارد وكان وحده يسير فيه.. عند نهايته .. التفت إلينا.. ثم انصرف إلى عمله.. كانت تلك آخر مرة رأينا فيها بورحيم.. وكان هو لخر مرة يرانا فيها... ع. سهاد من رواية واقعية (الفيضان) (1)
سمعت الدق على الباب.. ونهظت لافتح الباب واجد رجلا لن انسى يوما وجهه.. ما حييت.. سألني.. (كابنة امك.. سير عيط ليها..).. دخلت واخبرت امي بالساءل الغريب.. فخرجت الى الباب.. وسلم عليها.. وقال وهو ينحب..(خويا عبد الرحمان.. واخد ينحب..).. نهرته امي وقالت (قل.. قل.. مالو... ؟).. فقال وكنت طفلا في عامه التاسع.. اتابع كل الحركات والهمسات.. فصاح الرجل.. (خويا... خويا عبد الرحمان مات...!!!)... صاحت فيه امي (.. كيفاش.. مات..!!).. رد الرجل وهو يبكي.. وينحب.. ( عبد الرحمان اداه الواد.. الفريق كله مات في فيضان الوادي.. عشرة من الشهداء الا انا نجوت. عندما صعدت الى الشاحنة..... لم تكن امي تسمع ما يقوله الرجل.. وكان تصيح وهي تلطخ شعرها الاسود الطويل.. بالتراب.. امام المنزل.. ودون ان ترتدي جلبابها خرجت الى الدرب.. وهي تولول وتصيح.. مات بورحيم.. ومااات بورحيم.. يابورحيم... لمن خليتينا.. لمن خليتينا.. لم اكن ادرك تماما ماذا افعل.. والجيران يواسونها ويحاولون ادخالها الى المنزل.. كنت اتبع فاطنة من زاوية الى اخرى.. وهي تنحب وتنبكي.. (يا عبد الرحمان.. اش داك للواد.. ياك قلت ليك.. ماتمشبيش... ؟؟. ووو.. وامتلات الدار بالجيرلن.. بل الدرب.. كان ممتلأ بالناس.(مالهم.. والو.. غير بورحيم داه الواد..!! .. ولم ابكي حينها..!!!( فالرجال لا يبكون).. كان يقول عبد الرحمان...!!! الرجل الذي جاء بالخبر كانوا يسمونه الشريف. وكان صديقا حميما لبورحيم..بعد بضعة اسابيع فقط اصيب الشريف بالجنون.. رايته في طريقي الى المدرسة يمر في الشارع. وسخ الثياب.. كثير الشعر.. وجهه مكفهر ولحيته مقشعرة.. و يكلم نفسه.. وهو ينظر الى الارض.. زوجته جاءت لتعزي امي في المرحوم.. وقالت لها.. ( حتى الشريف مسكين افقده الفيضان عقله..!! والله كن غير مات حتى هو (تعني يستشهد مع رفاقه..)..
الفيضان (3) هذاك اليوم في حياتي كان اكثر من منحوس يوم الجمعة 20مارس 1965..في تلك الساعة كان عمري 9 قلتها من قبل واكررها فقط لاجل تفهم سلوك طفل امام فاجعة فقدان اب في غاية الروعة.غطت (فاجعة فيضان الوادي) على (ملحمة الملك والشعب.) . . كنا نحن اسر ضحايا فيضان وادي اوريكة.. العاملين في وزارة البريد والتليغراف.. اقول كنا نصطف امام بوابة مستودع الاموات (المورغ) بباب دكالة وكان الوزير حاضرا وكذلك السلطات المحلية.. وقد سمحوا لنا برؤية المرحوم وتوديعه.. لان الدفن سيتم بسرعة ذلك الصباح في مقبرة الشهداء بباب دكالة.. جمهور الناس كان غفيرا.. والصمت كانت لا تكسره سوى زفرات و صيحات زوجات وبنات ضحايا الفاجعة.. خرجت امي من مستودع الاموات وهي مذعورة وترتعد وهي تجلس على التراب.. وجاء دور اخي الذي خرج فاقدا لتوازنه وعيونه متورمة من شدة البكاء.. وابن عمي (ابراهيم) الذي كان عمره انئذ 19سنة باكلوريا علوم رياضية من ثانوية ابن البناء المراكشي خرج بجوره وهو يلطم على رأسة وسار مسرعا الى الحائط المقابل (للمورغ) واخد يضرب جبهته مع الجدار. وهو يبكي ويردد كلاما غامضا.!!.. وجاء 8 بورحيم علمني ان البكاء ليس من شيم الرجال..!!! ولاني كذلك ادركت كل شيء من احاسيس وكلام من دخل ليراه في( المورغ)...!!! وخرجت النعوش العشرة.. محمولة على الاكثاف.. وتوجهت الحشود الى المقبرة يترأسها وزير البريد انذاك.. (السيد بدر الدين السنوسي..) يحمل قبعة صفراء مصنوعة من الدوم..(تارازا)..ولسنين طويلة كنت لا اصدق ما حدث.. او ما احدثه فيضان الوادي ذاك العام..فينا نحن الاطفال وفي اسرنا.. كأن الامر لا يتعدى مسرحية..قام بحبكتها مجهول.. كنت كثيرا ما اتسكع في الازقة و الطرقات المزدحمة.. احدق في وجوه المارة لعلي اصادف يوما وجه ابي (بورحيم..).. ع. سهاد
من رواية (الفيضان)) (4) في الدرب( درب العرصة) اصبحت اسرة (بورحيم) موضوع حديث الجميع و محل تعاطف كبير جدا من طرف الجيران كبار وصغار..كأن يقال في حقه.. مثلا.. (مسكين[ بورحيم] كان رجلا طيبا لكن ولد الحرام الواد°°غدار. . متا يميز بين الطيب والشرير من الناس. .!!) .. الجيران كانوا يساعدوننا بما يملكون لاعداد عزاءمناسب لبورحيم... بما يتطلبه الامر من اموال ومواد غدائة. وموائد وكراسيةوحصير واطباق وغيرها.. فقد كان (بورحيم) كريما مع الجميع.ولابد ان يتؤحموا عليه ويردون اليه جميله. رأس المتاعب التي ارهقت (فاطنة).. وكل. زوجات الشهداء كانت في تنكر الوزارة لحقوق هؤلاء الشهدا.. وتماطلت في تسريع حصولهن على الدية.. وعلى المعاش.. بدعوى ان الحادثة هي طبيعية.. (قضاء وقدر..).. وليست بحادثة شغل. وهذا ادعاء باطل . كان هذا الكذب يغيضني.. ويجعلني اسب واكره الادارات في البلاد.. ودفعت بي الى الاجتهاد في المدرسة.. مستهدفا الحصول على المراتب الاولى والعمل في ميدان المحاماة و القضاء.. لإسترداد حقوق (بورحيم) ورفاقه..ومع مرور الوقت اهتدت (فاطنة) بنصح الجيران الى تعيين محامي للترافع في قضية الدية والتعويض ضد الوزارة.. موت الزوج دائما يعني خروج الزوجة الى مواجهة الحياة و البحث عن عمل وتحمل مسؤوليتها في تربية الابناء وتدريسهم.. .. كانت فاطنة تداوم التردد على مصلحة وزارة البريد.. وهي ترتدي جلبابها الاسود ومحفظة اليد السوداء.. ولم تتوصل بدرهم واحد لمدة ثلاثة سنوات..!!.. فاضطرت الى الوقوف بالموقف.. تطلب شغلا في منازل الناس.. بعدما كان الناس يشتغلون في منزلها.. في الفيلا التي رفضت البقاء بها وفي الحي الشعبي الذي يسكنه والدها وباع لها فيه منزلا بثمن اكثر قليل كانه تصدق به لابنته.. .. ففي حياة بورحيم..كانت تحدث اشياء غريبة.. لم يكن بورحيم من الازواج الذين يسمعون وينفذون اراء زوجاتهم.. كانا في خناق على الدوام.. لو كان يسمع لها لما سافر في تلك المهمة البليدة وعرض نفسه الى خطر الفيضان.. _لا.. ما تمشيس.. راه هنا عايشين بما قدر الله.. بالراتب نعيش افضل من ناس واقل من ناس.. وماعندنا غرض بتعويضات المهمة..قانعين والحمد لله.... الرجوع لله السي عبد الرحمان.. لا تمشي هذه المرة !! قال بورحيم :_لابد.. لابد من السفر ... سامشي هذه( المهمة) ستكون الاخيرة ان شاء الله.. وبعدها ساقتصر على الراتب العادي.. شوفي هذه الجدران الخربة.. لمنزلنا هدا الجديد... من اين لنا بالمال لاصلاحها..!!! _نهار ييسر الله غادي نرمموا... هذا المنزل الخربة.. ..!!!.. كنت انصت الى هدا الحديث وامثاله بين ابي بورحيم وامي فاطنة..ففي الزمن الدي كانت الاسرة تسكن في الفيلا في الحي الأوروبي بجانب مستودع البريد..كانت تعيش في سعادة ولو وهمية لمادا..لان الفيلا في مكام حالي من السكان..وفي الليل تصبح الفيلا هدفا للمنحرفين واللصوص وكان عبد الرحمان عالبا ما يسافر في مهمة خارج المدينة ..وكانت فاطنة تستدعي افراد العائلة للمبيت في الفيلا الواسعة..كانت تقضي خالتي عندنا الأسابيع والشهور وكدلك أولاد اعمامي ..وتضطر [فاطنة] الى اغرائهم بما يطلبون ..كانت جدران الفيلا قصيرة وكانت لنا كلبة بيضاء من نوع كنيش تحرس المكان من اسفل الدالية العالية اسمها (سويسا)..الا انه في كل ظهيرة كانت جماعات العمال والميلومين من النساء والرجال يقرفصوت الارض على دكانة الفيلا ليقضوا ساعات الراحة او الغداء ..وكانت [ فاطنة] تمدهم من حين لاخر بقطع الخبز واكواب من الماء ..واثناء الليل كانت توصد كل الأبواب ...داخل الفيلا..في دواخلها كانت[ فاطنة] تكره هده السكنى..رغم توفر كل شيء فيها الا الأمان.كانت.تحيط بها حديقة خضراء وفي داخلها غرفة كبيرة لغسيل ونشر الثياب وخم كبير للارانب و للدجاج....وفريب منها مركز للتبضع فيه الخضر والجزارة والبقالة وحتى حانوت الخمور.. قبل ان نسكنها الفيلا كانت تسكنها اسرة فرنسية معمرة ..بداخلها غرفتين وصالون واسع جد تتوسطه طاولة كبير عليها كنا نراجع الدروس.. ونقوم بالواجبات المدرسية.. وفي خلفيته مدفئة كبيرة .. لم نشغلها يوما ..!!! لقد كلف السكن الوظيفي في الفيلا في الحي الاوروبي من عبد الرحمان الكثير من الجهد والقيام بالكثير من المهام.. لكن [فاطمة] °°عرفت منذ اليوم الاول ان الامن والطمأنينة بها عديمة.. وفي كل الحي الاوروبي.. تفضل السكنى مع والدها [السي بلقاس] في حي العرصة باب دكالة.. عن السكنى في الحي الاروبي.. في عام 1961..مات الملك فجاءة (محمد الخامس..) ولم ننم في تلك الليلة.. كانت الجماعات تمر من هنا هناك بباب الفيلا.. وكانت][فاطنة] °°تلح علينا ان لا نشعل الاضواء.. وباتت في تلك الليلة سويسا تنبح وتركض من زاوية لاخرى في الحديقة.. ولم يكن (بورحيم) في ذلك الوقت بالدار لانه كان في مهمة خارج المدينة.. اين.. الله اعلم.. في الصباح حمذنا الله وشكرناه.. لاننا لم تنعرض للنهب او السرقة او الاعتداء...في الصباح غادرنا الفيلا.. الى دار الجد ومكتنا هناك لايام حتى عاد [بورحيم] من المهمة.. وهدأ الغليان الاجتماعي...
#عبد_الغني_سهاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البقار.. ونهاية العالم..
-
مدرسة الاموات (1) (البلاء المسلط...!!!)
-
هذا الإنسان... (الملعون)
-
حارس كلب الشاه..
-
أوراق من صلصال (12)..
-
لعبة التناوب الديمقراطي والتعليم بالمغرب.. (1)
-
رسائل تحت التراب (3)
-
حمام السعادة.......
-
الديمقراطية هي الحل....!!!
-
رسائل تحت التراب.. (ف:2)
-
رسائل تحت الثراب..(1)
-
في البحر...
-
دخشوشة المعلم كرشة...
-
لقمة عيش... الجزء2
-
نزع الاقنعة.....!!!
-
لقمة عيش...(1)
-
خطاب الرايس
-
بلا اعجاب۔۔۔المقبور۔۔
-
قراءات خاصة۔䑉
-
حسب رواية موريس ۔۔۔
المزيد.....
-
التمثيل الضوئي للحد من انبعاثات الكربون
-
الفيلم الوثائقي -الخنجر- يشارك في مهرجان الظاهرة السينمائي ا
...
-
فوز عبارة ادبية مُلهِمة للكاتبة العراقية أسماء محمد مصطفى في
...
-
“ثبتها الآن وفرح أطفالك” تردد قناة MBC 3 للأطفال على الأقمار
...
-
-شظايا رسومات- معرض جماعي لـ9 فنانين تشكيليين بطنجة
-
تراجع الإيرادات السينمائية بأميركا.. هل فقدت دور العرض بريقه
...
-
“نزلها الآن” تحديث تردد كراميش 2024 على النايل سات وعرب سات
...
-
“الحلقـة كاملـه HD” مسلسل قيامة عثمان الحلقة 174 مترجمة للعر
...
-
من الستينيات إلى اليوم.. كيف جسدت السينما الفلسطينية شخصياته
...
-
سنجاب عالق يفوز بجائزة التصوير الكوميدي للحياة البرية لعام 2
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|