أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الغني سهاد - رسائل تحت التراب.. (ف:2)















المزيد.....

رسائل تحت التراب.. (ف:2)


عبد الغني سهاد

الحوار المتمدن-العدد: 7812 - 2023 / 12 / 1 - 17:52
المحور: الادب والفن
    


رسائل تحت الثراب..(2)
..(في مطرح القمامة العظيم..)
سرت اجرجر اقدامي في اتجاه جموع البشر الغلبة من شيوخ ونساء واطفال تحمل مخاطيف من حديد واكياس مثقوبة من بلاستيك وهي تنبش في كومات من الازبال عن أشياء تافهة كانت تهمها .لا اعرف ماقيمة تلك الاشياء.. لكني كنت اكره المكان ..ولا احسب نفسي من هؤلاء الناس.. .هم كانوا يبحثون عن لقمة عيش..وانا كنت اتسكع و ابحث عن غنيمتي.. هذا المكان كان قريبا من براريك باعة الخضر مكان تتردد عليه فاطمة ففيه حدد الله رزق والديها.. امها كانت تدفع العربة..المملوءة بانواع الخضر..و ابوها كان يتبعها وهو بدوره يدفع عجلات كرسيه المتحرك.. و هي غالبا ما كانت تتبعهما..تقدم لهما بعض الخدمات..لكنها لم تكن ذلك الصباح هناك ولا والديها..كان مطرح القمامة..والسوق بجنبها يضج بالناس من كل الاصناف..ناس تطحنها عجلات الحياة القاسية..وغير بعيد تتحمل حلقات الرقص و الغناء وسرا د الحكايات ..وكل بائعي الوهم.. وأصحاب العاب القمار..في موسم الربيع..تتحول الساحة إلى مقر للسيرك (سيرك عمار) ..او ملعبا لعروض الفروسية..لكن على طول السنة..كان الناس يترددون على الساحة لكسب الرزق وتحصيل العيش المرير..سرت اتجول في هذه الزوايا..وبداخلي تنغل افكار مضببة واردد مع نفسي ..(.اين اجدك ياعاهرتي الصغيرة) ...وفي نفس الوقت كنت اتوجس ان يصادفني احد الجيران..و يخبر الوالد بامري..(ان ابنك ياسيدي ابنك المدلل وجدته يتسكع في مطرح القمامة...) ويكون ذلك سببا في تورطي في طرحة من العصا..الفلقة التي بها اقهر..لكن الاغراء والفضول بمعرفة شؤون الناس طالما يكون قويا ومستحوذا حتى ينسيني عواقب ما ارتكبه من أعمال لا تليق بي ..الناس هناك بسطاء وكل واحد منهم ينطوي على حكاية من الحكايات معظمها حكايات تسيل الدمع والأسى من الجفون القاسية..فانت لا تقدر على تتبع كل حالة منها..سوى بالنظر اليهم وقراءة البؤس والغبن على وجوههم..في كلامهم وفي لهوهم..وحتي في تحركاتهم..انت لا تقدر..ابدا..وانت تتأمل المشهد من كل زوايا المدرج الكبير..تتيقن ان هؤلاء جزء لا ينفصل عنه..على الشباك الذي يفصل محطة البنزين شيل..sheel..المحادية على الطريق الوحيد جنب الساحة..وانت تنظر الى مطرح النفايات..وسوق الخضر..وحلقات الناس..تشاهد الحياة كانك في حريقة حيوانات عظمى...وعلى افراح السور..يقلز الشباب العاجل عن اي عمل يعاقر الخمرة او يدخن الحشيش..الكيف..في صمت..اعرف السماء بعضهم..ولا اعرف غالبيتهم..شباب الحي اغلبهم مارس التشرد والاجرام..لا يتكلمون فيما بينهم دون تأبطهم بالسكاكين..ومحترفون العدوان..والاغتصاب والقتل...فيما بينهم..ولا احد منهم سبق له ان وطأت قدماه المدرسة يوما..الناس هنا رعاع..وفقراء ومجرمون..في هذا الوحل..كنت اسير ابحث عنها..وقد طال سيري دون جدوى..رباه..رباه..ماذا عساني افعل..هل تعود ادراجي الى الوراء دون الحصول عليها...لكني واصلت السير...وصيحات باعة الخضراء تعلو هنا..وهناك..على باب الرخاء..وهو مفتوح على شمال المدينة..يؤدي الى الحي الاوروبي..وجبل جليز...مئات من الامطار للوصول الى الحي الذي كان يسكنه المعمرون...مكون من شوارع فسيحة..واشجار الكاليبتوس..والفيلات..والكثير من الحرس..والشرطة..ولا يتوفر على الازبال والقمامات...وكان ولازال يفصل مابين حيث باب الرخاء...والحين الاوروبي...مقبرة قديمة واسعة..تحمل اسم مقبرة باب دكالة...وكنت كالابله اسير باحثا عن عاهرتي الصغيرة....اين اجدها...فكرة في العودة الى الدرب..وطرق بابها...او المناداة عليها من الباب..قد تكون لا تزال ممدة على تحتها من الحلفاء...في زاوية القوس...!!!...لم اعد القهقرى الى الوراء..وتابعت السير في ذنيا هؤلاء الناس في مستنقعهم وهم بستمتعون بطراوة الوحل و رطوبة الطين...طويلة هي اللحظات التي قضيناها معا في حفر وخطارات باب النقب وباب الرخاء..كنا كالجرذان. التاائهةننتقل من حفرة لاخرى..ونسكر بالصمت الابدي..ونتبادل النظرات والبسمات لبعضنا ..بسبب او بدون سبب...كانت هي الطيبة في غضبها وفي سكونها..وعلى غير عادتها مع اخواتها..كانت كريمة وخجولة في تعاملها معي..تفضل رفقتي على باقي صبيان الدرب...وهي تطيع كل نزواتي الشيطانية...نقرفص معا على التراب والحجارة...ننهظ ونسقط معا...ثم نجري وندور حول اشجار النخيل ...في تلك الساحة الواسعة..محفوفين باحترام الصبيان والشيوخ...
كنت اخاف من العودة الى نقطة الانطلاق واتعرض الى الاهانة او الطرد على يد امها...او احد اهاليها..لكني تشجعت واطرقت الباب عليها..وواجهت صوت يقول لي من انت..!!!...قلت انا انا..اليد فاطمة ورد علي الصوت ...من انت ؟..وعلى من تبحث..وماذا تريد...!!!...قلت للصوت...الهامس من وراء الباب..واني كنت اعرفه..اعرفه جيدا...فهو صوت امها...وهي تعرفني...!!..قلت انك تعرفين من انا...!!!
- اعرفك..لكنها ليست هنا..
- -واين القاها..؟
- -لن تلقاها بعد اليوم..اتركها لحالها..؟رحلت مع ابن خالتها بعيدا..!!
- -بعيد..اين..؟
- -انت لا تستطيع اللحاق بها..قلت لك اتركها لحالها..لا تعد لطرق هذا الباب..!!!
.لا يمكن أن أعود بدونها..؟
ايقظ الاحساس في صدري كل هذا الحديث مع من كان يكلمني من وراء الباب العتيق...!!!
وكان لابد أن أقف واصفا هذا الباب المجذوم بالأوساخ من كل الأصناف. عليه خرصة من حديد ...امها لا أعرف اسمها.. ابدا ولا اعرف اسم زوجها اي والد فاطمة... عاهرتي الصغيرة... كانت امها طويلة.. كنخلة.. من نخيل الساحة..تداوم ارتداء جلبابها الاسود سواء في البيت أو في العمل مع زوجها في بيع الخضر... نحيفة الجسم كأنها مشرفة على الموت.. أقوى شيء فيها هو الصوت.. كانه صوت البرق والرعد.. كلماتها غير واضحة.. لا تعرف ما تقول وهي كثيرة الشجار مع الزبناء ومع الجيران... يزول عنها الصوت كلما تحولت إلى الحنان والطيبة.. هذه هي امها.. أما والدها فكان رجلا على مشارف الحياة. ..كثير الحركة قليل الحديث.. لكنه خبير في عد الدراهم وحزمها في أكياس يضعها في جيوب سرواله القصير المتسخ.. وبارع في كيل التشائم الإهانات لكل من سولت له نفسه الشطارة عليه.. في التقعر في مساومته او مساومته أثناء اقتناء البضاعة منه.. وكان لا يتزحزح عن كرسيه المتحرك القديم.. ولايكلم الرجال من الجيران. له بنات كثيرات يخرجن من بيته. كالجراد.. .. اعرفهن باسمائهن.. اصغرهن كانت (فاطمة.) . كنت معها.مرة امام منزلها وكان يراقب الباب من الداخل . فصاح في وجهي :( انت. انت. ان لم تبعد عن ابنتي.. جعلتك تمشي على كرسي متحرك صغير مثلي. اسمعني..!!! .. وارتفع صوته بصرخة عليها ( ادخلي يا بنت القح....!!..) عرفت انه كان أشر من خنزير.. ولذالك يتجنبه الجيران..!!!. بل بعضهم يخشونه.؟....أما أنا فما كنت أخشاه وكثيرا ما يوسوس لي الشيطان بدفعه في منحدر ما بقوة حتى يسقط أرضا على رأسه ثم اضحك في وجهه ولا اعينه على الصعود حتى ولو طلبت ذلك مني عاهرتي الصغيرة.. التي كان يثير الرعب بداخلها كلما اقتربت منه.. احيانا تفضل ان تبقى في الدرب تتسكع ولا تدخل المنزل بسببه..إلى منتصف الليل و كانت تظهر له الود وفي نفسها تكرهه... الشيء المثير في الدرب ان معظم سكانه من بائعي الخضر بالتقسيط.. ولعل السبب في ذلك القرب من.السوق المركزي للخضر بباب الرخاء.. وربما لهذا السبب حمل الباب هذا الاسم... (رخاء الخضر) . البعض يقول انه باب مفتوح على شمال المدينة وبهذا الشمال توجد سهول دكالة وهي غنية الثروات الطبيعية.. في الدرب يسكن الكسيح ابوها.. والسكير المسمى البشير بقربها.. ومنزل الحمري.. والد صديقي (احمد الحمري) الذي توفي بالايدز(داء فقدان المناعة) بعيدا عن الوطن في حضن قحبة يهودية في ليكسمبورغ ببلجيكا.. هؤلاء الناس قدموا من البوادي على هامش المدينة.. واستقروا الأحياء المحادية لاسوار المدينة القديمة... كلما تعبت من البحث عنها.. جلست في مدخل الدرب.. اقلب الحجارة على بعضها والعب بها.. تسليما بالوقت إلى أن تظهر. ربما تعود من مكانها المجهول.. قد تكون فعلا رحلت بعيدا مع ابن خالتها.. او انها تائهة في مكان ما في الساحة تحت أشجار النخيل واعشاب الدوم.. في جنان ابي العباس السبتي او في جنان سقر.. تتوسطهما مقبرة الشهداء ومدرسة (قبور الشو) الابتدائية القديمة.. كم عدد المرات التي تسكعت معها في هذه الانحناء.. الغريبة.. لم يكن من السهل التردد على هذه الأماكن التي تسكنها الطبقات الهشة المعدمة..اطفال باسمال.. تصرخ وتلعب في حلقات هنا وهناك.. فوق التربة.. او على جنبات اعراش الدوم... او حتى الركض مابين القبور.....!!
يتبع...
عبد الغني سهاد
01/11/2023


7



#عبد_الغني_سهاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسائل تحت الثراب..(1)
- في البحر...
- دخشوشة المعلم كرشة...
- لقمة عيش... الجزء2
- نزع الاقنعة.....!!!
- لقمة عيش...(1)
- خطاب الرايس
- بلا اعجاب۔۔۔المقبور۔۔
- قراءات خاصة۔䑉
- حسب رواية موريس ۔۔۔
- في البئر عاشق۔۔䑉
- في كهوف شمهروش
- هي الأيام...
- تاجر القمع....
- بلا جدوي...
- لم يبق لنا سوى حب هذا الكلب..
- حريق ...في طريق الوحدة.
- عندما قال فلوبير ..انا ...مدام بوفاري
- بعض الناس ...صناديق
- من سيعيد تربية الاخر ..الشعب ام الحكومة ؟


المزيد.....




- فتاة بيلاروسية تتعرض للضرب في وارسو لتحدثها باللغة الروسية ( ...
- الموسم الخامس من المؤسس عثمان الحلقة 158 قصة عشق  وقناة الفج ...
- يونيفرسال ميوزيك تعيد محتواها الموسيقي إلى منصة تيك توك
- مسلسل قيامة عثمان 158 فيديو لاروزا باللغة العربية ومترجمة عل ...
- مدينة الورود بالجزائر تحيي تقاليدها القديمة بتنظيم معرض الزه ...
- تداول أنباء عن زواج فنانة لبنانية من ممثل مصري (فيديو)
- طهران تحقق مع طاقم فيلم إيراني مشارك في مهرجان كان
- مع ماشا والدب والنمر الوردي استقبل تردد قناة سبيس تون الجديد ...
- قصيدة(حياة الموت)الشاعر مدحت سبيع.مصر.
- “فرحي أولادك وارتاحي من زنهم”.. التقط تردد قناة توم وجيري TO ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الغني سهاد - رسائل تحت التراب.. (ف:2)