أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - إيلينا















المزيد.....

إيلينا


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 8050 - 2024 / 7 / 26 - 14:27
المحور: الادب والفن
    


وأنا أقود سيارتي عند المغيب، تلقيتُ اتصالًا من صديقتي إيلينا تدعوني لزيارتها في مدينة فارنا حيث تسكن، فالطّقس رائع في مثل هذا الوقت إذ يكون البحر في أبهى طبيعة.
كانت الفكرة مغرية بعد موجة حر اجتاحتْ مدينة صوفيا، لكن في سرّي ضحكتُ، فدعوتها تخبئ خلفها أمرًا!.
وجدتُ إيلينا قد أعدّت عشاءً من نباتات البحر مع النّبيذ الأبيض المفضل لدي. خرجنا بعدها لنكمل سهرتنا على البحر الأسود بينما تعكس أمواجه صورة القمر الذي بدأ لي كلوحة فنية، لكن ذلك ليس كافيًا ليساعدها على الخروج من حزنٍ بدأ جليًا على ملامحها، سألتها عن حالها مع عاطف حبيبها.
كنت أتوقع مثل كل مرة، ستحاول أن تبدو بخير وترد ردًا تقليديًا، قالت وهي تنظر صوب البحر:
- فشلتُ على مدار سنوات طويلة في الحوز على ثقته. كنت أشاهده يتلصص عليّ، فأقنع نفسي أنّ الغيرة العمياء هي السّبب، حبي له كان يؤيد ما أذهب إليه من تلك الأفكار الغبية، في قرارة نفسي أدرك أن هذا التبرير يمنحني شعورًا بالارتياح، فلا أحاول الدخول معه في أيّ جدال!.
بعد نضوج الفتاة التي كنت أحاول خداعها، عرفت لِما كنت ألوذ بالصّمت!.
خمنتُ بحصول أمر جلل، فسألتها بقلق:
- إيلينا .. ما الذي حدث، أخبريني؟َ!.
- ليس لي عذر في إخفاء بعض الأشياء عنكِ سوى أننّي كنت آمل في إيجاد منفذ للخروج من النّفق الذي دخلت فيه بإرادتي.
- يبدو أن الأمر خطير ولم أحضر إلّا في السّاعات الأخيرة، أرجوكِ تكلمي!.
- قبل أيام بينما كنت أتفقد نباتاتي وعصافيري في الشّرفة، لمحت عاطف يجلس داخل سيارته، يوزع نظراته بين مدخل البناية وبين شرفتي، مثل كل مرة، مثلت دور المتغافلة لأخطو إلى الداخل كأني لم أرَ شيئًا.
قلتُ باستغراب:
- مثل كل مرة ؟!. إذن لم تكن المرة الأولى!.
بنظرات ملؤها الخجل والإنكسار استأنفت حديثها:
- أرجوكِ يا أسيل... لا تصعبي الأمرعليّ ودعيني أكمل!.
- آسفة، تفضلي!.
- دخلَ البيت بالمفتاح الذي معه يحاول مثل كل مرة أن لا يحدثَ صوتًا. أخذتْ عيناه تتجولان بكل زاوية. كان كالصقر حين يجد فريسته فينقض عليها دون رحمة، لقد عثر على علبة سجائر غريبة وبجانبها ولاعة فضية، وهو لم يزل واقفًا، التفتَ نحوي وبحركة مسرحية كأنه محقق عثر على أداة لجريمة سألني: لمن هذه العلبة؟.
سألتها باهتمام بالغ:
- حقًا .. لمن تعود العلبة ؟!.
- سؤاله المفاجئ أربكني، لكن في لحظات عدتُ بذاكرتي لأول النّهار، فأخبرته أنها لجارتي مونيكا، زارتني صباح اليوم كعادتها لتناول فنجان قهوة معي، لم أنتبه لها وهي أيضًا لم تعد لاسترجاعها.
- ما المشكلة إذن؟!.
- بدا لي في تلك اللحظة إلى حد بعيد يشبه رجل الثلج وهو ينظر بطرف عينيه إلى أعقاب السجائر. بقايا أحمر شفاه ما زالت عالقة بها جعلته يصدق ما أقول. استلقى على الأريكة دون التفوه بأية كلمة مادًا ساقيه على الطّاولة بانتظار فنجان قهوة.
نظرتُ إلى الدوائر المغلقة التي كانت ترسمها على رمال السّاحل ثم تأتي موجة صغيرة لتعيد كل شيء إلى سابق عهده. قطعتْ لحظات الصّمت بيننا لتكمل:
- وأنا بانتظار غليان القهوة، نظرتُ من نافذة المطبخ صوب البحر البعيد، كنت أرى نفسي مثل تلك القوارب المتأرجحة وسط البحر، قريبة من هنا، لكنها بعيدة للغاية، التفتتْ إليّ لتقول:
- كم تمنيتُ وقتها أن تكوني معي!.
أمسكت يدها ثم ربتُّ على كتفها، بينما راحت تسأل الأمواج:
- ما غاية وجودي في حياته ؟. كيف ارتضيتُ لنفسي مدة خمسة عشر عامًا أن أكون مجرد عشيقة في حياة رجل متزوج؟. هل ألامُ لأنني قبلتُ بتحمل كل هذا الوجع؟. أجيبي بصدق!.
لم أجد الوقتَ مناسبًا لإلقاء اللوم عليها لعلمي بحاجتها لعاطف فيما يخص معيشتها بعد تركها العمل. أرتأيتُ الصّمت بينما راحت تتساءل بغضب ويدها تتحرك في الهواء كأنها تقاتل شخصًا ما:
- كيف استطاع لعب دور الزّوج بكل تفاصيله وفي ذات الوقت يمارس معي دور العاشق؟!. هل هو غباء زوجته الذي ساعده في ذلك أم استسلامي وخضوعي له؟!.
قلت لها:
- الذي لا تعرفينه أن بعض الزّوجات العربيات تفضل ممارسة دور المتغابية حينما تكتشف خيانة زوجها، البيت هو الذّريعة حينما تجد أنها لا تقوَى على اتخاذ هكذا قرار.
نظرتْ في عينيّ وأطرقتْ تفكر لحظات ثم قالت:
- ربما أنا الغبية لأننّي وحدي من دفعت ثمن هذه العلاقة، لم أعد أملك الشّباب الذي من خلاله قد أعثر فيه على زوج يشاركني الحياة، لم يعد بمقدوري الإنجاب وخريف عمري يلوح بذراعيه على الأبواب.
حل الصّمت لحظات، بدده اتصال من عاطف يطلب منها العودة وإكمال السّهرة في المنزل بعد علمه بزيارتي، أخبرتني وفرحة طفولية بانتْ على ملامحها ونبرة صوتها، لكنّي لم أسترح لهذا الأمر!.
حضر عاطف، رأيته يحتضنها بينما هي تنظر نحوي من خلف أكتافه بنظرات رأيت فيهم تقافز علامات الإستفهام بشكل مزدحم ثم ما لبث حتى تقدم نحوي وصافحني بترحيب وود.
لا أدري لِمَ ساعتها طرأت عليّ هذه الفكرة، الذي أعرفه أن عاطف رجل مهذب، يعامل الجميع بلطف ووداد ولعل هذا واحد من الأسباب التي جعلت صديقتي تتعلق به فضلًا من كونه رجلًا مقتدرًا وهذا عنصر كان وما زال يهمها كثيرًا، لكن يبدو على هذا النحو من الشّك، فذلك ما لم أتصوره ثم أنني لا يمكن لي تكذيب صديقتي.
جلسنا نحن الثلاثة نتبادل أحاديث مختلفة، فدنى مني عاطف وهو يهمس لي على مقربة من أذني مستغلًا دخول إيلينا المطبخ لتعد لنا الشّاي: غبي هو زوجك حين فرط بك. هنا ارتعدتُ وشعرتُ بقشعريرة دبتْ وتوزعتْ في أوصالي كمن صدم بشيء. يا لعالمهم هؤلاء الرّجال!. يبررون لأنفسهم ما يضيقون به الخناق على نسائهم!. ما الذي ابتلى هذا الرّجل أم أني لم أعرفه مسبقاً كما ينبغي؟!. هل يظنني بكلمة منه سأميل إليه أو أخذه بالحضن أو أضرب معه موعدًا على السّرير؟!.
عادتْ صديقتي من المطبخ وقد انتبهتْ إلى القلق الذي انتابني في حين كان هو قد خرج.
أسيّل ما بكِ؟.
كلماتها كانت تأتيني من عالمٍ آخر، كأنها لم تكن على مساحة ذراع مني حتى إنها أمسكت بكتفي وهي تهزني بهلع وابتسامة باهتة رأتها مني.
- لا شيء عزيزتي، لا تقلقي!.
- كيف تقولين لا شيء وأنا أراكِ كمن تلقى في التو نبأ سيئًا؟!.
- تذكرتُ فجأة ما حلَّ بيّ مع زوجي.
- لذلك تجديني يا أسيّل أخشى الانتهاء وحيدة!.
لم أنمْ جيدًا ليلتها بعد الكثير من تلك الأحاديث التي غدت مملة.
في صباح اليوم التّالي ..
كان قد حضر مجددًا. وهي تقدم له القهوة، لم يكترث لصمتها، لم ينتبه لرعشة يدها وهي تمسك بآخر سيجارة وجدتها في العلبة، ودون أن يرفع بصره من على هاتفه أخبرها بأنه سيغيب لفترة طويلة، لذا عليها الكف عن الاتصال به.
خرجتُ للشرفة هربًا من حديثهما الذي سبب لي شعورًا بالضيق، لكن باب الشّرفة المشرعة سنح لي برؤيتهما وسماع الحديث.. قالت له:
- هذه هي المرة الأولى التي تخبرني فيها بغيابك!.
وحين لم يرد .. استأنفت حديثها :
- لماذا لم ترد على اتصالاتي؟. قلقت عليك في اليومين الماضيين ولولا رسالة مني أخبرك فيها بقدوم أسيّل لما اتصلت!.
فوجئتْ بحديثها معه، كأنها تعلم ولم تشأ مصارحتي!.
رفع أقدامه ووضعها على الطّاولة القريبة منه ثم أسند رأسه على الأريكة محدقًا في سقف الغرفة ليقول لها بصوت يدل على نفاد الصبر:
- كنت مع زوجتي. كان موعد علاجها الكيميائي. هل عليّ كل مرة إعادة نفس الحديث؟!.
- حقًا! وكيف حالها الآن؟.
بصوت يملؤه الحقد والتّشفي قال:
- منذ سنين وأنا أنتظر هذه اللحظة، أخيرًا، شعرتُ بالانتصار على تلك المرأة المتسلطة، بقائي بجانبها لا يمت للحب بصلة، بل شعوري بحاجتها لي هو الذي يمدني بالسّعادة، وكأني بالضعف الذي أراه فيها الآن أنتقم من قوتها في الأمس!.
لم يكن حديث عاطف القاسي هوالذي أثارني، بل كنت أنتظر ردة فعل إيلينا تجاه ما تسمع، لكنها اختارت الصّمت بينما هو استرسل في حديثه:
- منذ سنين لم أجرؤ على فعل أي شيء يخص عائلتي، دائمًا ما كانت تشعرني بأنها الأكفأ والأكثر جدارة في اتخاذ القرارات الصائبة. الآن جاء من له القدرة على الوقوف في وجهها وكسر غرورها.
حديثه أغراني باستراق النظر لملامح وجهه وهو يتحدث عن زوجته، ودون أن يحرك جسده، مال برأسه ناحيتها مشيرًا لها لتقترب منه، وحين فعلت وضع رأسه على كتفها ثم تنهد بعمق ويديه تعبث بجسدها وكأنه نسي وجودي.
نهضتْ إيلينا مبتعدة عنه صوب النّافذة تنظر للفناء وثمة كلمات وقفتْ مشلولة على شفتيها.
جلستُ على الأريكة بعد أن سمعتها تودعه، قالت بعد اشعالها سيجارة من علبة جارتها مونيكا:
- حديثه رغم قساوته كان كحبات المطر وهي تزيل الغبار عن أوراق الشّجر. الآن أدركتُ أني كنت أعيش الوهم مع رجل يهرب إليّ من واقعه لينفصل عن أفكاره. رجل يملك وجهين ولكل وجه مرآة مختلفة. بأي شيء سيفاجئني المستقبل؟!.
وهي تنظر للمفتاح الذي نسيه، تمتمتْ: ربما أنا من سيفاجئ المستقبل!.
أما أنا فبالرغم مما لحق بي من ألم، إلّا إني لست نادمة على رحلتي هذه، لا لأني قد رأيت المشاهد عن كثب ولا لأني ممكن أن أسميها رحلة نقاوة وكسر الرّوتين لأيامي اليابسة المتكررة، وهي أيضًا ليست لأني رأيت إيلينا الضعيفة المتخاذلة التي تخاف تخطي الحدود وكسر القيد كما فعلت أنا بشجاعة وإثبات. لم تكن لأي شيء من هذا، بل لأني قد علمت أن الحياة كالقبلة، فأما أن يظل شذاها يمتد معك ما حييت، وأما أن تكون نتنة فتظل تتقيأ أثارها حتى آخر العمر.



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا وبلي
- السحب التي أمطرت ألمًا
- النخلة العاشقة
- الجدار
- خاصرة الورد
- أمي وذلك العشيق .. تبصر وإبصار بقلم الناقد إسماعيل إبراهيم ع ...
- هواجس
- يوم آخر .. يوم أخير
- هلوسات ندى
- معطف الغياب
- مطاردة من الماضي
- محطة وقود
- أين أختفى؟
- لم يقل لي أحبك
- خلوة كاتب أحمق
- قصة غير متوقعة
- خيط حرير
- حلم المنتصف
- حدث فجرًا
- تنازل


المزيد.....




- مهاتير: طوفان الأقصى نسف الرواية الإسرائيلية وجدد وعي الأمة ...
- باللغة العربية.. تعليق -هزلي- من جيرونا على تصدي حارسه لثلاث ...
- ميكروفون في وجه مأساة.. فيلم يوثق التحول الصوتي في غزة
- عبد اللطيف الواصل: تجربة الزائر أساس نجاح معرض الرياض للكتاب ...
- أرقام قياسية في أول معرض دولي للكتاب في الموصل
- ” أفلام كارتون لا مثيل لها” استقبل تردد قناة MBC 3 على الناي ...
- جواهر بنت عبدالله القاسمي: -الشارقة السينمائي- مساحة تعليمية ...
- لم تحضر ولم تعتذر.. منة شلبي تربك مهرجان الإسكندرية السينمائ ...
- بقفزات على المسرح.. ماسك يظهر بتجمع انتخابي لترامب في -موقع ...
- مسرحان في موسكو يقدمان مسرحية وطنية عن العملية العسكرية الخا ...


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - إيلينا