أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - الجدار














المزيد.....

الجدار


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 8044 - 2024 / 7 / 20 - 16:12
المحور: الادب والفن
    


بينما كنت أقود سيارتي نحو بيتي في ولاية كاليفورنيا، وردتني رسالة صوتية من أمي تخبرني بدخول أبي العناية المركزة، ختمتها بتلك العبارة التي بقيت ترّن في خيالي كالجرس: ربما ستكون النهاية!.
كانت كلماتها المرتجفة تؤكد الرجاء بحضوري إلى بغداد.. صوت أمي له القدرة ليتلاعب في مشاعري.
سحبتُ نفسَا عميقًا وزفرته بعد غلقي الهاتف. عند المساء، وجدت نفسي أبحث عن بقايا مشاعر تدفعني للسفر آلاف الكيلو مترات لأشهد وفاة أبي!.
استلقيتُ على فراشي محدقًا في سقف غرفتي الأبيض أفكر في أمي، ومتذكرًا جدار بيتنا، الذي استندتُ إليه ذات نهار صيفي بينما أبي كان يترنح من السُّكرِ أمام المارة، بعضهم كان يبتسم ويقول كلمات لم أفهمها في حينها أما جارنا اللصيق، فقد كان يهز رأسه بأسف وهو يرى صديقه بهذا المنظر!.
كان إحساسي وقتها أبكم، فلم أتمكن من القول أن قلبي الصغير هو الآخر كان يترنح من الخجل والعار وسط ضحكات الأطفال وسخريتهم من أبي وهو يسقط في الوحل وساقاه لا تقدر على حمله للوقوف مرة ثانية.
- هل هذا أبوك؟.
سألني أحد الأطفال وكأنه لا يعرف. دفعته بكل العنف، الذي ولد داخلي لحظتها لأسقطه في الوحل إلى جانب أبي!.
كوابيس غريبة هاجمتْ نومي ليلتها.. أغربها حينما رأيتُ نفسي مدفونًا تحت الجدار!.
رسالة من أمي أيقظتني، استمعتُ إليها بينما عيناي مغمضتان:
- الطبيب يقول أن بقاء والدك على قيد الحياة مع كبده التالف أشبه بالمعجزة وأنه قد...
أغلقتُ الهاتف قبل انتهاء الرسالة. انتفضتُ بقوة، وجلست على حافة السرير متذكرًا ليلة هروبي من المنزل وأنا في عمر السابعة عشرة بعد الضرب المبرح، الذي تلقيته من أبي، وتلك كانت عادته كلما لعبت الخمر برأسه. ولولا خالي، الذي يقطن في أميركا، لكنت أواجه مصيرًا مختلفًا. منذ ليلتها وأنا أعاني الفقد وإذا ما فكرت في الرجوع، أجد الجسور قد تحطمتْ مخلفة وراءها ركامًا من ذكريات تقف بيني وبين تنفيذ رغبتي.
استمعتُ إلى بقية الرسالة: وجودكَ معي يعني لي الكثير، لا تجعل الأيام القادمة أكثر قسوة عليّ!.
لا أدري عدد المرات، التي استمعت فيها لهذا الرسالة التي فجرتْ فيّ سيلًا من تساؤلات لم أتمكن من إيقافه، أو السيطرة عليه.
كتبتُ لها: عن أي قسوة تتحدثين يا أمي و...
غصة في القلب وقفتْ بيني وبين الكلمات، التي أبتْ الخروج، فلم أرسل لها أي كلمة.
بصمة صوتية وردتْ منها بعد نصف ساعة تقريبًا وبصوت متحشرج قالت: اثنتان وعشرون سنة لم أركَ فيها، ألا يكفيك ذلك؟!.
جلست على حافة السرير، أحاول إيجاد طريقة أطرد بها كتل جاثمة فوق صدري، لم أجد سوى صورتها أتأمل فيها، أمرر أصابعي فوق ملامحها الحزينة، آه لو تعرفين يا أمي أن افتقادكِ هو هزيمتي المستمرة، بل أنتِ المعركة الوحيدة، التي أخوضها مع نفسي وأرجو ألا أنتصر فيها، غيابكِ جعلني لقمة صغيرة بين فكي حنين قاس!.
قد تستغربين لو أخبرتك أن فنجان شاي من يدُكِ كاف ليعيد ترتيب النبض داخلي!.
أفكار مختلفة صالتْ و جالتْ في رأسي، ولّدتْ لدي رغبة في رؤية أبي ضعيفًا مريضًا ربما لاستبدل صورة له أحتفظتُ بها طوال سنوات. غالبًا ما كنت أتساءل مع نفسي: لماذا أنجبني؟. استجمعت شجاعتي لأنفذ رغبتي طالبًا فتح الكاميرا كي أراه، ومثل كل مرة تخونني الشجاعة، فيعود الحزن مهدهدًا روحي لا يتركني إلّا بعد أن يًسلمني للندم!.
وأنا أقود سيارتي ذاهبًا إلى عملي، بينما غيوم حبلى بالمطر ملأت وجه السماء، استمعتُ إلى أول رسالة من أبي يخبرني فيها بوفاة أمي.
الحلم كان مختلفًا هذه المرة، لقد تهاوى الجدار فوق رأسي!.



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خاصرة الورد
- أمي وذلك العشيق .. تبصر وإبصار بقلم الناقد إسماعيل إبراهيم ع ...
- هواجس
- يوم آخر .. يوم أخير
- هلوسات ندى
- معطف الغياب
- مطاردة من الماضي
- محطة وقود
- أين أختفى؟
- لم يقل لي أحبك
- خلوة كاتب أحمق
- قصة غير متوقعة
- خيط حرير
- حلم المنتصف
- حدث فجرًا
- تنازل
- العاصفة
- الحسناء جارتي ( حوارية )
- قارب في البعيد
- ليست قصة


المزيد.....




- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...
- بوتين يمنح عازف كمان وقائد أوركسترا روسيا مشهورا لقب -بطل ال ...
- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...
- عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة ...
- مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب
- محاربون وعلماء وسلاطين في معرض المماليك بمتحف اللوفر
- إخترنا لك نص(كبِدُ الحقيقة )بقلم د:سهير إدريس.مصر.
- شاركت في -باب الحارة- و-هولاكو-.. الموت يغيب فنانة سورية شهي ...
- هل تنجو الجامعات الأميركية من تجميد التمويل الحكومي الضخم؟


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - الجدار