أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الباندورا .














المزيد.....

مقامة الباندورا .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 7993 - 2024 / 5 / 30 - 19:26
المحور: الادب والفن
    



كيف نشأت الأسطورة ؟ لقد نشأت الأسطورة في البداية نوعًا من محاولة تفسير الظواهر الغريبة التي وقف الإنسان القديم عاجزًا عن تفسيرها, والأسطورة في اللغة العربية مشتقة من الجذر سطّر, ولها في اللغة الكثير من المعاني منها ما يكتبه الإنسان, ومنها الأباطيل والأكاذيب التي يُقال للواحدة منها أسطورة والجمع أساطير, وقد وردت في القرآن الكريم بهذا المعنى كما في قوله تعالى: ( وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا ۙ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) .

تحكي أسطورة سارق النار ان آلهة الاوليمب اليونانية حينما غضبت غضبا شديدا على برومثيوس النقيّ السريرة بعدما وهب خدماته الجليلة الى الأرض وسرق النار من الآلهة ليمنحها عطايا سخية الى البشر , دبّروا له مكيدة غادرة لا يمكن الخلاص منها بسهولةٍ , فبعثوا المرأة الحسناء الماكرة باندورا , وهي تحمل خُزانة فيها كل شرور وصفات السوء والمكر ( نفاق وكذب وخيانة وفرقة وانحلال أخلاقي وجبن وقتل ولصوصية مما لايحصى من السفالات العائمة بيننا الان ) لنشرها طولا وعرضا في الأرض لتخريبها وبثّ الأوبئة والخلق السيئ في كل ربوعها بعد ان نجحت الغانية السافلة باندورا في استمالة شقيق برومثيوس الضعيف أمام النساء الغنجات, فانتشر الهول الوسخ والعاهات الأخلاقية الرثّة وأخذت أحابيل النفاق والكذب والادّعاءات البطولية الكاذبة والوعود المضللة تتسع كالنار في الهشيم , فالناس غير الناس والأخلاق غير الأخلاق والنخب التي سادت لم تعد ترى سوى منافعها وملء جيوبها وليذهب الملأ المبتلي بالأسقام والمجاعة والعنف والكراهة والحقد وكل ما هو مرعب إلى الجحيم .

شيء واحد بقي في خزانة باندورا لم تشأ ان تُخرجه , الا وهو روح الأمل وقد أحكمت إغلاقه وبقي مدفونا في الصندوق بعد ان أفرغت منه كل ما هو سيء وشرير ومرعب ومدنّس ووسخ وبثّته في كلّ الأرجاء ليعمّ ربوعنا , وكأن هذه الأسطورة صارت واقعا معاشا تماما وان زمان المعجزات والغرائبية نراها هنا بأمّ أعيننا في بلادي بكل صورها البذيئة في عراق النبل والطهر وأننا في أمسّ الحاجة الآن لشعبٍ وقادة شرفاء وبُناة وأبناء بررة ونجباء يشمّرون عن سواعدهم لإنقاذنا من هول الشرور العائمة فينا , فمن سيطلع منا ليبعث تلك الروح وبشرى الأمل ويلمّ كل أنقاض الشرور الشائعة فينا ويحرقها فناءً تاما ؟؟
هل كُتب علينا نحن الشعب المبتلي بالرزايا ان نلملم المخلفات من مخزيات وقذارات صندوق باندورا الهائلة , ومن اين لنا كل هذه السواعد والعقول والمطهّرات لنعيد الى هذه الارض طهرها السابق ونبلها الرائح وخيراتها الماحقة وكلٌ يبكي على ليلاه وجيبه وطائفته وقبيلته وعِرقهِ وقوميتهِ وانبعاث تلك ( الانا ) بشكل مخيف ومرعب في الضمائر وغياب ( النحنُ ) في وقتنا الحاضر السيئ المسلك والمُهلك ؟

تختلف التفسيرات لنهاية الأسطورة , إذ يعتقد بعضهم أن ألأله زيوس لم يرد أن يقسو في عقابه على الإنسان , وأرسل له الأمل كي يكون أداة ليتغلّب فيها على الشرور والمصائب, فحتى في أشد اللحظات صعوبة, يكون الأمل حافزاً للبشر على الكفاح والاستمرار, ويرى آخرون أن الأمل ما هو إلا وسيلة أخرى من زيوس لخداع البشرية والانتقام منها, لأن ما يمنحه من دفء واطمئنان, لا يعدو كونه وهماً, لا ينفع أمام قسوة الحياة وعدميتها, وكما قال الفيلسوف نيتشه في تحليله للأسطورة فإنّ ((الأمل هو الأسوأ بين كلّ الشرور لأنه يطيل من عذاب الإنسان)) .

تحوّل صندوق باندورا مع الوقت إلى مصدر إلهام للأدب والفن, وباتت العبارة بحد ذاتها استعارة ترمز إلى سيل المفاجآت غير السارة التي تأتينا من المجهول, مثل قول محمود درويش في قصيدته "تموز والأفعى": تموزُ مرّ على خرائبنا وأيقظ شهوة الأفعى القمح يحصد مرة أخرى ويعطش للندى.. المرعى.



#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة العشق الصوفي .
- مقامة عبد الرحمن منيف .
- مقامة زمن بنات آوى .
- مقامة الرياضيات وأرقام الحب .
- مقامة البصاق .
- مقامة آخر الدنيا .
- مقامة التحريف .
- مقامة ياسارية الجبل .
- مقامة حب تالي العمر: ( الحب المستحيل )
- مقامة العمر .
- مقامة الملفات .
- مقامة نخلتي حلوان .
- مقامة التثويل .
- مقامة العراق , ألأختيار قبر ام كفن .
- مقامة الرفقة .
- مقامة العراق , مشيناها خطا :
- مقامة المشي .
- مقامة أسبقيات قوة العراق.
- مقامة الشجاعة .
- مقامة النخلة .


المزيد.....




- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...
- عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة ...
- مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب
- محاربون وعلماء وسلاطين في معرض المماليك بمتحف اللوفر
- إخترنا لك نص(كبِدُ الحقيقة )بقلم د:سهير إدريس.مصر.
- شاركت في -باب الحارة- و-هولاكو-.. الموت يغيب فنانة سورية شهي ...
- هل تنجو الجامعات الأميركية من تجميد التمويل الحكومي الضخم؟
- كوكب الشرق والمغرب.. حكاية عشق لا تنتهي
- مهرجان الفيلم العربي في برلين: ماض استعماري يشغل بال صناع ال ...
- شاركت في -باب الحارة- و-ليالي روكسي-.. وفاة الفنانة السورية ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الباندورا .