أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - القضاء الدولي، مقايضة شعوب بأفراد














المزيد.....

القضاء الدولي، مقايضة شعوب بأفراد


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 7992 - 2024 / 5 / 29 - 10:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


شهدنا في الأيام القليلة الماضية حركتين للقضاء الدولي، واحدة في فرنسا ضد النظام السوري المتورط في قتل اثنين (أب وابنه) من حملة الجنسية الفرنسية في 2013، والثانية في لاهاي من محكمة الجنايات الدولية ضد أفراد من الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس الفلسطينية.
ففي 21 أيار/مايو بدأت، في باريس، محاكمة غيابية لثلاثة من أصحاب الرتب العسكرية العالية في نظام الأسد، ثلاثة من أساطين القمع والبطش في سورية، وهم علي مملوك، الرئيس السابق لمكتب الأمن الوطني (كان اسمه الأمن القومي قبل أن يتقطرن حزب البعث السوري بقرار حل القيادة القومية نهائياً في 2016) وجميل الحسن رئيس شعبة المخابرات الجوية سيئة الصيت، وعبد السلام محمود، رئيس سابق لفرع التحقيق في هذه الأخيرة.
قبل ذلك بيوم واحد كان المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية قد طلب إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه، بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، إلى جانب ثلاثة من قادة حركة حماس، بتهم قتل المدنيين والاغتصاب واحتجاز الرهائن.
في الحالتين بلغت الجريمة مستويات رهيبة، قبل أن يتحرك الجهاز القضائي الذي لا يتحرك، بطبيعة الحال، قبل أن تكتمل الجريمة وتتجاوز "المسموح". جرى ذلك من قبل، على سبيل المثال، في يوغسلافيا السابقة وفي راوندا وسيراليون، في كل هذه الحالات، كانت السياسات مصنعاً للقتل، فيما يأتي القضاء تالياً كي يقدم نوعاً من العزاء للبشرية، على شكل محاكمة وسجن مجرمين أُتيح لهم أن يفرغوا طاقتهم الجرمية وأن يخلفوا وراءهم كوارث ومآسي على البشر والعمران.
في الحالة السورية، كل من تتم محاكمتهم هم ضباط أكملوا مهامهم وتحولوا إلى "سابقين"، كما هو ملاحظ من تعريفهم. وفي الحالة الإسرائيلية تطلب الأمر نكبة كاملة لشعب فلسطين قبل أن تقترب يد القضاء الدولي من رئيس الوزراء الاسرائيلي الحصين الذي لا يزال، بعد كل شيء، يملك من الاستعداد الجرمي، ومن المساندة الأمريكية، ما يجعله يتهم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بمعاداة السامية، ويصف قراره بالصفاقة!
لا غرو في أن محاكمة المجرمين تريح النفس وكأنها نوع من الانتقام أو الثأر، ولكنه، مع ذلك انتقام هزيل، لأنه يضع في كفة واحدة أفراد قلائل مقابل شعوب وجماعات ومدن وبلدات. ولا غرو في أنه يمكن اعتبار قرار المدعي العام كريم خان لحظة تاريخية، فهي المرة الأولى التي يصدر فيها مشروع قرار ضد قادة "منتخبين" يتم النظر إليهم على أنهم من المعسكر الغربي، الأمر الذي جعل الإدارة الأمريكية تستنفر ضد القرار وتهدد بمعاقبة المحكمة ومدعيها العام، سيراً على خطى إدارة ترامب السابقة التي فرضت عقوبات على المحكمة الدولية لأنها حاولت ملاحقة أفراد من الجيش والمخابرات الامريكية بتهم انتهاكات في أفغانستان، العقوبات التي جاءت إدارة بايدن لترفعها، وها هي اليوم تهدد بفرضها ثانية فيما لو أصدرت المحكمة مذكرات توقيف بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية، ذلك أن من شأن التساهل إزاء التجرؤ على إسرائيل أن يجعل التجرؤ على أمريكا هو الخطوة التالية. "إذا فعلوا ذلك مع إسرائيل، فسيفعلونه معنا تالياً" كما قال العضو الشهير في مجلس الشيوخ الأمريكي، ليندسي غراهام.
لا ينتهي الكلام هنا إلى مساواة الأنظمة السياسية في الغرب الديموقراطي مع بقية الأنظمة غير الديموقراطية أو شبه الديموقراطية في العالم. الأنظمة الديموقراطية الغربية، رغم ما يمكن الإشارة إليه من مآخذ صحيحة ولاسيما منها ما يخص السياسة الخارجية، هي الأقرب إلى احترام الإنسان بوصفه كذلك، وهي اليوم النافذة المتاحة في جدار عالم صلد لا يعطي قيمة للإنسان إلا بوصفه منتمياً إلى جماعة أو إلى قطيع، أي بوصفه إنساناً منقوص الذاتية. ولكن الكلام يريد الإشارة إلى أمرين في القضاء الدولي الراهن، الأول هو أن هذا القضاء في أحسن حالاته، لا يستطيع أكثر من أن يقايض كوارث واسعة لشعوب وجماعات بمحاكمة أفراد، هذا إذا تمكن من محاكمتهم. والثاني هو أن الأنظمة الديموقراطية الغربية التي جعلت من القضاء الدولي أمراً ممكناً، يمكن أن تفقد "ديموقراطيتها" حين يتعارض صوت هذا القضاء مع سياساتها وانحيازاتها السياسية.
لا يستطيع العالم تجاوز الضرورة السياسية التي تفوض مجموعة أفراد (حكومة) باتخاذ القرارات باسم شعوب، وتضع كل الطاقات التي يحوزها البلد في خدمة هذه القرارات. غير أن هذه الضرورة تفتح الباب، ما لم يحتكم العالم إلى آليات تحكيم، أمام تسخير الإمكانات الكاملة للبلدان لارتكاب جرائم كبرى، أكان على شكل قمع داخلي، كما في الحالة السورية، أو على شكل حروب كما في الحالة الروسية مع أوكرانيا أو الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. ولم يستطيع القضاء الدولي أن يغلق هذا الباب بعقوبات تالية بحق أفراد، كما بينت التجارب الكثيرة. يمكن للقضاء الدولي أن يكون أكثر خدمة للبشرية إذا تم تفعليه ليس بوصفه وسيلة عقاب على الجريمة، بل بوصفه وسيلة لتفادي الجريمة ومنع وقوعها، اعتماداً على قانون دولي، أي تفعيل التحكيم الدولي. صحيح أن هذا يتطلب قدراً كافياً من العدالة في العالم بما يسمح للسياسة أن تكون وسيلة لإدارة شؤون الدول والشعوب، وليست وسيلة للسيطرة والاستتباع بما يقود إلى توليد موجات عداء وحروب لا نهاية لها، الأمر الذي يطبع تاريخ العالم برمته.
اليوم يبدو كما لو أن دور المؤسسات القضائية الدولية في نظام التطاحن العالمي الذي يغذيه الظلم المتسلسل والنزوع الدائم إلى السيطرة، هو أن تخفف شيئاً من عذاب ضمير البشرية على جرائم لا تفشل السياسات في تفاديها فقط، بل وتحرض عليها وتدفع إلى ارتكابها. فالقضاء الدولي، الأقرب لتمثيل العدل والحق، يبقى بطبيعته صامتاً لا يتحرك إلا بعد أن تتحول المدن إلى ركام، وتغص الأرض بالدماء والسماء بالأرواح. وحتى حين يتحرك، فإن جل ما يستطيعه هو أن يحاكم فرداً أو أفراداً، بطريقة يفترض بها أن توحي للعالم أنه تم إحقاق الحق، وأن توحي لضمير العالم بأن له أن يرتاح.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا تقاطع مخبراً في السجن
- عن التوثيق ومنصة الذاكرة السورية
- الحرب على غزة تتحول حرباً على الديموقراطية
- جديد وثيقة المناطق الثلاث في سوريا
- الأبواب الحديدية
- الثقافة بوصفها خديعة
- في معنى استمرار الثورة السورية
- حين تصبح الهوية عبئاً (المثال السوري)
- غزة بوصفها مرآة عصرنا
- عن احتجاجات المزارعين في فرنسا وأوروبا
- -أبناء التهمة- الإسلامية
- ليس دفاعاً عن الإسلاميين
- النظام التسلطي المحض وسبل تفكيكه - 1
- النظام التسلطي المحض وسبل تفكيكه - 2
- في الشخصية السياسية لرياض الترك
- الفعل الجنسي بوصفه دينمو خفي لتغذية دونية المرأة
- اللغة لا تسعف غزة
- عن غزة و-الأخلاق- الحديثة
- في مفارقات المجزرة
- القتل للفلسطينيين والتضامن مع اليهود


المزيد.....




- ميغان ماركل تنشر فيديو -نادرا- لطفليها بمناسبة عيد الأب
- مصدر لـCNN: إيران تبلغ الوسطاء أنها لن تتفاوض مع أمريكا لحين ...
- منصة مصرية لإدارة الأمراض المزمنة والسمنة
- لماذا يستخدم الكثير من الأطفال السجائر الإلكترونية، وما مدى ...
- إسرائيل تستشيط غضبًا بعد إغلاق أربعة أجنحة تابعة لها في معرض ...
- إيران تهدد بالانسحاب من معاهدة الأسلحة النووية وسط التصعيد م ...
- مفوض أممي يحث على إنهاء الأزمة الإنسانية في غزة
- اكتشاف دور للسكر في حماية الدماغ من الشيخوخة
- طبيب يفند خرافات شائعة عن ورم البروستاتا الحميد
- ما الذي يسبب العدوانية غير المنضبطة؟


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - القضاء الدولي، مقايضة شعوب بأفراد