أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - عن غزة و-الأخلاق- الحديثة














المزيد.....

عن غزة و-الأخلاق- الحديثة


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 7826 - 2023 / 12 / 15 - 15:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مع الغزو الإسرائيلي الوحشي على غزة الذي دخل شهره الثالث، سيطر طيف من الوعي الغربي المتفهم والقابل لصنوف التجاوزات الإسرائيلية الخطيرة التي تنتهك مبادئ قانونية وأخلاقية يفترض أنها أساسية في المجال الثقافي الغربي. في خلفية هذا الوعي، يكمن نوع من الفوقية الثقافية التي تلامس العنصرية حين تمنح، لمن تعتبرهم شركاء في الثقافة، الحق بالجريمة ضد أبناء الثقافات الأخرى، وتستنكر إلى حدود قصوى جرائم هؤلاء الأخيرين ضد الأولين على أنها همجية وشنيعة. لا نتكلم هنا عن المواقف السياسية للحكومات أو الأحزاب، بل نتكلم عن الوعي العام الذي يظهر في كلام غير السياسيين، وطريقة استيعابهم للمجزرة الإسرائيلية في غزة.
خلال المقابلة الشهيرة للمذيع البريطاني بوريس مورغان مع الإعلامي المصري باسم يوسف، قبل حوالي شهرين من الآن، شارك كاتب السيناريو الأمريكي جيرمن بورينغ، وهو الرئيس التنفيذي لموقع صحيفة ديلي واير المحافظة، بمداخلة نموذجية عن هذا الوعي، مرت دون انتباه نظراً لانشغال الناس بكلام يوسف وطريقته الساخرة غير التقليدية في شرح الموقف الفلسطيني ومفارقات الصراع الدائر. والحق أن محتوى مداخلة بورينغ، رغم أنها لم تتجاوز من حيث المدة خمس دقائق، يعبر عن تيار دارج من الوعي الذي يشكل هجوماً "مدنياً" موازياً على غزة وأشباه غزة في كل مكان من العالم. ذلك لأنه يتجه إلى تسويغ الجريمة الإسرائيلية على غزة، وكل جريمة مشابهة، ليس فقط بإنكار كونها جريمة، بل وبجعلها في انسجام مع المنطق والأخلاق.
يبدأ الرجل في الرد على السؤال الساخر المر الذي طرحه يوسف عن عدد الفلسطينيين الذين يتوجب قتلهم كي ينتهي هذا الهجوم الاسرائيلي، فيجيب بالقول إن العدد غير محدود إلا "بقدر ما يتطلبه الأمر". لا يحدد بورينغ هذا "الأمر"، وليس هذا تقصير من جانبه ذلك أن القادة الإسرائيليين أنفسهم لم يحددوا بوضوح "أمرهم" سوى بالكلام عن اقتلاع حماس والخلاص من التهديد على مستوطنات غلاف غزة. ولا يستوقف الرجل سؤال بسيط مثل: ماذا لو كان "الأمر" هو اقتلاع شعب من أرضه لكي تنتهي إسرائيل من التهديد الذي يشكله وجود هذا الشعب؟ فلا أهمية لمثل هذا السؤال لديه.
يكمل الرجل منطقه في الإجابة على سؤال المذيع عن الرد المتناسب، فيقول "لا أحد يريد رداً متناسباً" مع ما قامت به حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، "ولا يمكن لأي شخص أخلاقي أن يدعو إلى رد متناسب. الغرض من الحرب هو أن تهزم عدوك". هكذا يصبح من يتكلم عن الرد المتناسب شخصاً بعيداً عن الأخلاق (ليس أقل من ذلك)، لأن في كلامه هذا ما يمنع "هزيمة العدو"، وهي، بحسب هذا المنطق، غاية تبرر كل وسيلة. ولكن، في الصراع العياني الجاري في فلسطين، من الذي لا يعلم ماذا تعني هزيمة العدو في المقياس الإسرائيلي؟
بديهي أن من يرفض مبدأ التناسب في الرد هم الأقوياء الذين يستخدمون قوتهم ليس لحماية أنفسهم، بل لسلب حقوق الآخرين، واستخدام القوة "غير المتناسبة" من أجل "هزيمة العدو" أو محوه وإلغاء وجوده. يكاد يكون الأمر واضحاً بذاته، ولكن ما يضيفه السيد بورينغ هو اعتبار الرد غير المتناسب فعلاً أخلاقياً، ما يعني أن التضامن مع الضعيف المسلوبة حقوقه في صراعه مع القوي الغاصب لا ينضوي تحت خانة الخطأ والصح، أو تحت خانة المواقف السياسية ذات المردود السلبي أو الإيجابي، بل هو فعل غير أخلاقي. سحق الضعيف المسلوب الحق إذا ما تجرأ يوماً على "إهانة" القوي الغاصب، يجب النظر إليه، وفق هذا المنطق، على أنه فعل أخلاقي.
يمضي السيد بورينغ خطوة أخرى في المحاجة التي تسعي لجعل الأقوياء يحتكرون الأخلاق أيضاً، فيقول "إن الطريقة الوحيدة لتبرير الحرب أخلاقياً هي الفوز بها". لا ينطوي هذا القول فقط على دمج الحروب كلها في خانة واحدة، فيكون الاعتداء كالدفاع عن النفس، بل يعني أيضاً أن القوي يمتلك التبرير الأخلاقي في جيبه، بقدر ما يضمن الفوز.
ثم يتابع السيد بورينغ منتقداً من يقول إن الحرب التي تقتل عدداً أقل من الناس هي أكثر أخلاقية من تلك التي تقتل عدداً أكبر، ومعتبراً أن هذا ليس سوى ضرب من النفاق. الرجل ينتمي من حيث الجنسية إلى أميركا أقوى بلد في العالم، ويدافع عن إسرائيل أقوى بلد في منطقتها، فلا عجب أن يكون معبراً في منطقه عن الأقوياء الذين لا يبالون بحقوق أو حياة الضعفاء. ومعلوم لكل من يتنفس هواء على هذا الكوكب أن هذا المنطق، وإن كان يستره في غالب الأحيان كلام سياسي موارب، ساري المفعول في الواقع الدولي إلى حد كبير، وأن الظلم ملح الأرض، ولا يبقى للمظلومين غير الأخلاق ينادون بها وتمنحهم شيء من التفوق المعنوي. ولكن السيد بورينغ يلاحق الضعفاء حتى هذا الميدان. فالأخلاق هي في صف من يفوز في الحرب، بصرف النظر عن أي اعتبار آخر. وبالنسبة له، الكلام عن تكافؤ أخلاقي بين من يقتل المدنيين بسلاح فردي ومن يقتلهم بالقصف، هو مجرد هراء. مرة أخرى توضع الأخلاق في صف من يمتلك القوة والتفوق التقني الذي يسمح للقاتل بالقتل دون أن ينظر في عين الضحية أو أن يراها، حتى لو كان ضحاياه أكثر وتدميره أوسع بما لا يقاس.
قد يقال إن السيد بورينغ ليس رجل سياسة كي يؤخذ كلامه بهذه الجدية، ولكن هذه الحقيقة، أي كونه كاتب سيناريو ومدير تنفيذي وليس رجل سياسة، هي ما تعطي لكلامه معنى هاماً، ذلك أنه يعبر عن وعي عام يتشكل ويُعمل عليه ليكون "عمقاً استراتيجياً" لأهل سياسة القوة. والحقيقة أنه يُعمل على تشكيل وترسيخ هذا التيار من الوعي العام عبر الوسائل الناعمة مثل ألعاب الفيديو والمسلسلات والأفلام الحديثة التي تعزز، في معظمها، حب القوة وتكوين مقبولية نفسية وأخلاقية لصالح الطرف القوي على حساب مبادئ أخلاقية إنسانية مستقرة. وليس العرض التسويقي الأخير لشركة الملابس (زارا) الذي يتضمن صور عرض أزياء وسط خراب وجثث بالأكفان البيضاء، يحاكي الحال الراهن في غزة، سوى جزء من مسار التطبيع النفسي والأخلاقي مع قتل الضعفاء على يد الأقوياء الذين إذا غضبوا فإن انتقامهم الرهيب لا ينسجم مع "الأخلاق" الحديثة فقط، بل يصنعها أيضاً.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في مفارقات المجزرة
- القتل للفلسطينيين والتضامن مع اليهود
- يدفعون إلى العنف ويدينونه
- تأملات بمناسبة -طوفان الأقصى-
- من يمتلك -الحق- في الإجرام / حياة الفلسطينيين العارية على خط ...
- اللاعودة في انتفاضة السويداء
- اليسار السوري، هامش واسع في الحياة السياسية
- قمصان زكريا، لمنذر بدر حلوم عن الموت الذي يضمر الحياة
- عن توبيخ السوريين العلويين المتجدد
- نقاش مع كتاب -سؤال المصير- لبرهان غليون
- عن مشكلة الرموز في سورية
- أهمية حركة 10 آب في سوريا
- ماذا ينتظر سورية في المستقبل
- ظاهرة الموالين الغاضبين
- البكالوريا السورية ضحية الغش العام
- السجن يتسلل إلى نفوسنا
- أجراس بعيدة وكتل سياسية في المنفى لقاء برليني مع راتب شعبو/ ...
- الغضب المعزول في فرنسا
- عن قلق المسلمين في الغرب
- هل المثقف السوري طائفي؟


المزيد.....




- حذره من -مصير- صدام حسين.. وزير دفاع إسرائيل يهدد خامنئي
- العاهل الأردني: العالم يتجه نحو -انحدار أخلاقي- أوضح أشكاله ...
- العاهل الأردني: هجمات إسرائيل على إيران -تهديد للناس في كل م ...
- الجبهة الداخلية الإسرائيلية تحذر: إيران غيرت طريقة هجومها وم ...
- -أكثر من مجرد مدينة-.. ما أهمية الضربات الإيرانية على هرتسيل ...
- خيارات إيران أمام هجمات إسرائيل.. ردّ استراتيجي نعم لكنه أيض ...
- الإسرائيليون في مواجهة الصواريخ الإيرانية.. مغادرة للخارج ...
- بين نشوة المفاجأة وشبح الحسابات الخاطئة.. ما مآل رهان نتنيا ...
- لقطات لمجزرة ضد منتظري المساعدات الإنسانية في خان يونس
- شاهد.. رد فعل ميلوني على همسة ماكرون في قمة السبع يثير تفاعل ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - عن غزة و-الأخلاق- الحديثة