أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - هل المثقف السوري طائفي؟















المزيد.....

هل المثقف السوري طائفي؟


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 7646 - 2023 / 6 / 18 - 20:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا نقصد بكلمة مثقف، في هذا المقال، الشخصَ المتعلم مقابل غير المتعلم، أو من يحمل شهادات دراسية مقابل من ترك التعليم دون شهادات، إنما نقصد من يهتم بالشأن العام وينخرط فيه، دون أن تقتصر مشاغله على إدارة حياته الخاصة. هذه الكتلة متحركة بلا شك، فمن يهتم اليوم بالشأن العام قد يبتعد عنه في وقت لاحق، والعكس. ومن الطبيعي أن تكون هذه الكتلة في ذروة حجمها في لحظة الثورة أو الاحتجاج العام. حركة هذه الكتلة لا تقتصر على الحجم بل تشمل أيضاً الموقف، فمثلاً تتغير مواقف الكثير من المثقفين بتأثير بروز احتجاجات شعبية، فتتراجع المواقف المحافظة لصالح مواقف مؤيدة للتغيير. وتأتي أهمية المثقف من أنه يشارك في الشأن العام من موقع الفاعل والمؤثر في إطار وعي أو "إيديولوجيا" محددة.
ظهر في سورية اعتقاد قديم يقول إن الخروج من المشكلة الطائفية والمذهبية يمكن أن يكون عن طريق اجتماع المثقفين غير الدينيين المنحدرين من الأقليات الدينية مع أولئك المنحدرين من الأكثرية الدينية. الأوائل، في غالبيتهم، علمانيون لأنه من مصلحتهم إبعاد النسب الديني عن الشأن العام، والآخرون، في غالبيتهم، ديموقراطيون بحكم منبتهم الأكثري، وعليه تكون النتيجة نخبة مثقفة علمانية ديموقراطية.
حطم الواقع السوري هذا التصور التبسيطي والميكانيكي حين عرض في الثورة السورية وما أعقبها من صراع عنيف، لوحة سورية يبدو فيها مثقفو الأقليات (نتكلم، بطبيعة الحال، عن الغالبية وبالعموم) وقد قادتهم "علمانيتهم" إلى السكوت عن، وربما تسويغ، مستويات قصوى من البطش في حق مجتمعات أعلنت خروجها على نظام الأسد، لأن هذا الخروج كان ذا طبيعة إسلامية. ولكن هل هذا الموقف علماني؟ أو ما علاقته بالعلمانية؟ أو بصورة أوضح، هل الإخلاص للعلمانية هو ما يفسر موقف هؤلاء؟
فيما أبدت غالبية ظاهرة من مثقفي الأكثرية غير الدينيين استعداداً للمضي مع "التغيير" حتى لو تطلب الأمر القبول بالإسلاميين بمن فيهم أولئك الذين يرون في الديموقراطية كفراً، ويجاهرون، أو حتى يفاخرون، بذلك. وكأن هؤلاء المثقفين يقولون المهم هو "التغيير"، ولا يهم على يد من. ولكن أين ديموقراطية المثقفين أصحاب هذا الموقف؟
في الواقع لم يحدث اجتماع بين المثقفين هنا وهناك، بل حصل بالأحرى تنافر وتباعد في الموقف. وطور كل طرف دفاعاً ومحاجة ضد الطرف الآخر. كل منهما حاكم الآخر وفق معايير الأرضية العلمانية الديموقراطية التي جمعتهم يوماً. الطرف العلماني اتهم الطرف الآخر بأنه خان مبادئه حين وقف مع الإسلاميين المعادين للعلمانية وللديموقراطية، الطرف الديموقراطي اتهم الطرف الآخر بالجبن والانكفاء عن الثورة التي طالما انتظروها معاً.
ولما كان رأس النظام السوري من المنبت العلوي، وكانت النخبة الأمنية والعسكرية التي تمسك مفاصل الدولة السورية، هي في غالبيتها من العلويين، على عادة الأنظمة القمعية المفتقرة للشرعية للعامة، التي تعتمد في تماسكها على عصبيات غير عامة، فقد جرى استيعاب اللوحة السورية المستجدة، بواسطة منظور طائفي يقول إن مثقفي الأقليات (العلويون منهم بوجه خاص) اصطفوا مع نظام "الأقلية" ضد ثورة الأكثرية السنية، فيما وقف المثقفون السنة مع هذه الثورة لأنها ضد النظام الأقلوي. أو بوضوح أشد، وقف مثقفو الأقليات ضد الثورة لأنها إسلامية سنية، فيما وقف مثقفو الأكثرية المذهبية ضد نظام الأسد لأنه "نظام علوي". أي جرى تفسير موقف المثقفين على أنه انحياز طائفي في الأساس. وإلا لماذا تغلب المواقف المعادية أو المترددة حيال الثورة لدى مثقفي الأقليات، وتغلب المواقف الداعمة لها بجذرية ودون تردد لدى مثقفي الأكثرية؟
مع ذلك يبقى من المهم التفكير في السؤال: هل كان المنبت الطائفي فعلاً هو ما يفسر توزع مواقف المثقفين؟ أو بشكل أدق، هل ينم الموقف السياسي للمثقف عن تفضيله أو انحيازه لطائفته في وجه الطوائف الأخرى؟ وهل تشكل الطائفة في الأساس جسداً يمكن تناوله كوحدة لها تجانس يصح معه الكلام عن موقف سياسي تفضيلي أو غير تفضيلي تجاهها؟ ولأننا نميل إلى الإجابة بالنفي عن الأسئلة السابقة، فإن السؤال التلقائي هو: لماذا إذن ظهر قدر لا بأس به من التطابق بين المواقف السياسية والمنابت الطائفية؟
لا يختلف موقف مثقفي الأقليات عن موقف عموم أبناء الأقليات، كلاهما محكوم إلى تصور عام له مستندات واقعية غير قليلة، يقول إن التغيير الممكن والراجح هو تغيير إسلامي يعامل الأقليات الدينية بوصفها كذلك، أي بوصفها خارجة عن صواب "ديني" عام ، ما يستجر لهم مكانة "سياسية" أدنى. يزداد هذا التصور حدة في الجانب العلوي الذي يحمّله تيار واسع من الوعي العام السوري مسؤولية جرائم النظام السوري الذي يوصف، من قبل هذا التيار، بأنه "نظام علوي". كل ما يفرق مواقف مثقفي الأقليات عن العامة، هو أنهم يبررون موقفهم "الطائفي" بلغة غير طائفية عنوانها "العلمانية". وقد يجد أبناء الأكثرية، بمن فيهم المثقفون، صعوبة في فهم مأزق المثقف الأقلوي الذي ربما قضى حياته في سجون النظام السوري يحلم بالثورة، ولكنه صار يبحث في الثورة، حين حصلت، عما يبرر تحفظاته ومخاوفه من "سقوط النظام". ضمن هذه الحدود، لا يصح اعتبار هذا موقفاً طائفياً، لأنه في الواقع "ارتكاس" أمام تهديد، حقيقي أو موهوم لا فرق، يطال المنسوبين إلى طائفة ما.
ولكن المشكلة تزداد تعقيداً، وتتخذ شكلاً طائفياً صادماً، حين يسكت هذا المثقف أمام جرائم فظيعة ترتكب بحق قطاعات واسعة من الجمهور السني الذي خرج على النظام. هذا السكوت معيب ومرفوض أخلاقياً وسياسياً، مع ذلك يبقى من المهم السؤال: هل هو سكوت طائفي أم سياسي؟ أي هل هو نابع من كون الضحايا من السنة، أم من كون الخيار السياسي الإسلامي لهم يبث الخوف في قلب المثقف؟
بالمقابل، لا يمكن اعتبار مساندة المثقفين السنة للقوى الإسلامية التي سيطرت في الثورة، موقفاً طائفياً، فهم (نقصد الديموقراطيين غير الدينيين منهم) لا يساندونها بوصفها قوى إسلامية سنية، بل بوصفها قوى قادرة على قلب النظام الراسخ، الأمر الذي يعتقدون، بحق أو بغيره، أنه يفتح المجال لاحقاً لصراعات جديدة يمكن أن تحسن شروط الصراع السياسي. هذا هو المنطق الذي يحكم موقف هؤلاء، وهو ليس موقفاً طائفياً. حتى ما يبدر عن هؤلاء من "عداء" للأقليات وللعلويين ربما بصورة خاصة، لا تحركه كراهية طائفية بل يتحرك على خط عداء سياسي تظهر فيه الأقليات سنداً لنظام الأسد ضد محاولة تغييره.
لا يعني ما سبق أن هذا التطابق الواسع بين المنبت المذهبي والموقف السياسي لم يرسخ في النفوس عداءات وكراهيات طائفية الطابع، غير أن الأساس السياسي لها يجعلنا نقول إنها أمراض قابلة للشفاء.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -حانة الأقدار-
- التحليل السياسي الماورائي
- العزلة هي الشرط الأنسب لنظام الأسد
- عالم الزنازين
- النجاح والفشل في الثورة
- القوات الموازية وتحطيم الدولة في السودان
- الحياكة الناعمة في -أطباق المشمش-
- هل يجرؤ النظام في دمشق على الانفتاح؟
- الحل الأمني على الطريقة الفرنسية
- هل نقلق على الديموقراطية؟
- عن داعش في ذكرى معركة الباغوز
- الثورة السورية وتحرير الدولة
- سيرة طبيعية للانتقال من خارج السجن إلى داخله (2)
- الحرب في أوكرانيا، سياسة -بناء- الأزمات المستعصية
- فشل الانفتاح العربي على دمشق
- إسكوبار في -ناركوس-، تاجر مخدرات بعقلية صاحب قضية هل يمكن لل ...
- رفع العقوبات الأمريكية والعقوبات الأسدية
- الزلزال بين السياسة والوجدان
- سيرة طبيعية للانتقال من خارج السجن إلى داخله
- بين سلطتين، الاحتلال والاستبداد


المزيد.....




- فيصل بن فرحان يعلن اقتراب السعودية وأمريكا من إبرام اتفاق أم ...
- إيرانيون يدعمون مظاهرات الجامعات الأمريكية: لم نتوقع حدوثها. ...
- المساندون لفلسطين في جامعة كولومبيا يدعون الطلاب إلى حماية ا ...
- بعد تقرير عن رد حزب الله.. مصادر لـRT: فرنسا تسلم لبنان مقتر ...
- كييف تعلن كشف 450 مجموعة لمساعدة الفارين من الخدمة العسكرية ...
- تغريدة أنور قرقاش عن -رؤية السعودية 2030- تثير تفاعلا كبيرا ...
- الحوثيون يوسعون دائرة هجماتهم ويستهدفون بالصواريخ سفينة شحن ...
- ستولتنبرغ: -الناتو لم يف بوعوده لأوكرانيا في الوقت المناسب.. ...
- مصر.. مقطع فيديو يوثق لحظة ضبط شاب لاتهامه بانتحال صفة طبيب ...
- استهداف سفينة قرب المخا والجيش الأميركي يشتبك مع 5 مسيرات فو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - هل المثقف السوري طائفي؟