أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - عن التوثيق ومنصة الذاكرة السورية














المزيد.....

عن التوثيق ومنصة الذاكرة السورية


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 7977 - 2024 / 5 / 14 - 09:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


التوثيق هو الفعل الذي غالباً ما يفوت المنخرطين في الحدث، لأنهم منخرطون فيه إلى حد يعتقدونه كالشمس التي لا يمكن حجبها، ويندر أن يخطر في بالهم إمكانية أن يُنكر هذا الحدث الذي يشاهدونه بأم العين ويعيشونه ألماً وحرماناً وقهراً، ويدفعون في تضاعيفه الدم. ولكن الزمن، مثل عاشق الأخطل الصغير، يخط سطراً ثم يمحوه. هذا ما يفرض علينا أن نحمي ما يكتبه الزمن من فعل الزمن الماحي. لا لشيء إلا لكي نفيد مما مررنا فيه نحن، ونفيد به أخلافنا، ونحاصر المستبد في دائرة الشر التي تصنعها أفعاله، فالنسيان حليف طبيعي للاستبداد. بالنسيان يمكن لمن دمر مدينة وقتل أهلها بوحشية المهووسين المستأثرين بالسلطة، أن يقول بعد زمن، إنه لم يفعل شيئاً، وقد يقول إنه لا يعرف أين تقع هذه المدينة.
الواقع أن التوثيق لا يحمي فقط من النسيان وفعل الزمن الماحي، بل يحمي أيضاً من الفعل المقصود والمدروس الذي تمارسه السلطة المستبدة بغرض تحطيم الحقيقة وتعمية الأحداث عبر تشويش المشهد وزرع الشك في كل رواية. هذه وسيلة استبدادية تواكب وتكمل فعلي القتل والتدمير. لهذه الوسيلة شقان، الأول ذو مفعول مباشر على الحدث يهدف إلى ضرب مصداقية الخارجين على السلطة، وتكون مواجهته بالتحلي بأكبر قدر من الصدق والدقة بما يحول، بالقدر الممكن، دون تسرب الشك إلى عقول الفاعلين والمتابعين. والشق الثاني ذو مفعول بعيد الأمد يتمثل في سلب الخارجين على السلطة روايتهم للمجريات وإحلال رواية الاستبداد محلها، وتكون مواجهته بالتوثيق بأعلى قدر ممكن من معايير الدقة والموضوعية. على هذا يكون هدف الشق الأول من هذه الوسيلة هو شل الفعل المضاد للاستبداد، وهدف الشق الثاني هو محو هذا الفعل أو تشويهه وطرد الحقيقة من الذاكرة، والنتيجة التي يتوخاها حراس الاستبداد من ذلك هي الديمومة والتأبيد.
يبقى على طول الخط أن ما يريده المستبد من الذاكرة هو أن تكون حافظة للخوف، في حين أن ما نريده نحن من الذاكرة هو أن تكون حافظة للمعرفة، فالخوف نصير الاستبداد، على العكس من المعرفة. والكذب نصير الاستبداد على العكس من الحقيقة. على هذا فإن التوثيق الدقيق والموضوعي هو عمل مضاد للاستبداد، ليس فقط بوصفه سلطة مستبدة، بل وبوصفه عقلية استبداد، أي عقلية سيطرة وإخضاع.
على سبيل المثال، كان يكفي المخرج السوري عمر أميرلاي أن يصور في العام 2003، فيلماً وثائقياً تسجيلياً (طوفان في بلاد البعث) دون التدخل بأي تعليق أو نقد، كي يكشف الآثار المدمرة التي لحقت بالمجتمع السوري بعد عقود من سيطرة سلطة مستبدة باسم حزب البعث.
منذ 2019 بدأ فريق عمل منصة الذاكرة السورية من فكرة التوثيق وحماية الذاكرة في عمل بحثي أطلقه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، لإنتاج منصة رقمية مرجعية بهدف أرشفة وتوثيق الأحداث التي شهدتها الثورة السورية بين العامين 2011 و2015.
من السهل أن نقول إن التوثيق وصيانة الذاكرة ضرورة وواجب على شهود الأحداث، ولكن قد يجد المرء أن العمل على هذه المهمة شاق أكثر مما يتخيل، ولاسيما إذا كان يبتغي الموضوعية واحترام المعايير العلمية والأخلاقية في عمله.
من الأمثلة على جسامة مهمة فريق منصة الذاكرة السورية، وصعوبة هذه المهمة، يذكر الفريق أنه تم رصد آلاف القنوات وجمع ما يزيد على مليوني فيديو، ثم دُققت وأُخرج منها 900 ألف فيديو قابلة للعرض، وعمل على إنتاج مكتبة مرئية في التاريخ الشفوي للثورة السورية تتضمن أكثر من 2500 ساعة، تغطي مساحة واسعة من الأحداث والمواضيع مع شرائح مختلفة من الشهود، كما أرشف الفريق 29 ألف سجل من يوميات الثورة السورية بين آذار/مارس 2011 وأيلول/سبتمبر 2015. يمكن لنا أن نتخيل مدى أهمية هذا العمل المرجعي للباحثين الذين بات لديهم عنوان محدد يفتح على بحر من المعطيات الموثقة والموثوقة والتي تفتح الباب أمام آلاف الدراسات الممكنة.
ولعل من أبرز سمات هذه المنصة أنها تفاعلية وتتيح للقارئ التفاعل التالي مع فريق المنصة بما يسمح بإمكانية إغناء أو تعديل أو إضافة ما يمكن أن يكون الفريق قد غفل عنه.
هذه إحدى السمات التي أتاحها لنا عصر التكنولوجيا الذي نحن فيه، فالتاريخ لم يعد يكتبه أصحاب السلطة فقط، هناك إمكانية لوجود تاريخ موثق آخر ورواية أخرى ترى بعين الساعين إلى المشاركة وتفكيك الاستبداد وكسر احتكار السلطة، ويبقى علينا أن نتجرأ ونمتلك العزيمة لتحقيق هذه الإمكانية.
من المفروغ منه أن منصة الذاكرة السورية ستكون دعامة أساسية في كتابة تاريخ وطني لسورية في مرحلة قادمة، حين تلتئم فيها سورية على نفسها حول ذاتية وطنية ونسيج وطني مشترك، بعد أن تفشل مشاريع السيطرة من أي طرف كان، وبعد أن يدرك السوريون في تعدد منابتهم العرقية والقومية، وتعدد مذاهبهم الدينية والسياسية، أن خلاصهم يكون مشتركاً أو لا يكون، وأن أي مشروع سيطرة، بصرف النظر عن الأساس الذي يقوم عليه، هو مشروع هزيمة في النهاية، هزيمة تحمل معها من الكوارث ما بات للسوريين خبرة وافرة به.
إذا كان يمكن النظر إلى مجهود فريق المنصة على أنه أحد أشكال الاستمرار في مواجهة استبداد الطغمة الأسدية التي أوصلت بلادنا في استئثارها السلطوي الذي يصل إلى حد الخيانة (الاستبداد هو في عمقه خيانة) إلى حالة انقسام تكاد تأتي على كل قاسم وطني مشترك بين السوريين، فإن ما نأمله هو أن يندرج مجهود المنصة في إطار عمل فريق وطني عام يكتب ويوثق تاريخ سورية ديموقراطية موحدة، بعد أن يكون أبناؤها قد توصلوا إلى تجاوز انقسامهم العميق وإلى إدراك أن مستقبلهم الآمن يكمن في الشراكة والمساواة وليس في السيطرة والتغلب.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب على غزة تتحول حرباً على الديموقراطية
- جديد وثيقة المناطق الثلاث في سوريا
- الأبواب الحديدية
- الثقافة بوصفها خديعة
- في معنى استمرار الثورة السورية
- حين تصبح الهوية عبئاً (المثال السوري)
- غزة بوصفها مرآة عصرنا
- عن احتجاجات المزارعين في فرنسا وأوروبا
- -أبناء التهمة- الإسلامية
- ليس دفاعاً عن الإسلاميين
- النظام التسلطي المحض وسبل تفكيكه - 1
- النظام التسلطي المحض وسبل تفكيكه - 2
- في الشخصية السياسية لرياض الترك
- الفعل الجنسي بوصفه دينمو خفي لتغذية دونية المرأة
- اللغة لا تسعف غزة
- عن غزة و-الأخلاق- الحديثة
- في مفارقات المجزرة
- القتل للفلسطينيين والتضامن مع اليهود
- يدفعون إلى العنف ويدينونه
- تأملات بمناسبة -طوفان الأقصى-


المزيد.....




- أيهما الأفضل السيارة الكهربائية أو الهجينة؟.. خبير يشرح كيف ...
- السعودية.. الملك سلمان بن عبد العزيز يترأس جلسة الحكومة ويشك ...
- بالفيديو.. صاعقة البرق تضرب 3 أطفال في شاطئ بورتوريكو
- حسن نصر الله يعلق على -مجزرة رفح-
- تقصي الحقائق: هل أصابت الضربة الإسرائيلية -منطقة آمنة- في رف ...
- بوتين: استخدام أوكرانيا لأسلحة غربية بعيدة المدى لضرب الأراض ...
- مقتل نازحين في رفح والجيش الإسرائيلي ينفي شن غارة في المنطقة ...
- وسائل إعلام إسرائيلية: مقتل 3 جنود وإصابة 4 بجروح خطيرة في ح ...
- البرلمان الجورجي يلغي -الفيتو- الرئاسي ويقر قانون -العملاء ا ...
- البيت الأبيض لا يستبعد فرض حظر شامل على التجارة مع روسيا


المزيد.....

- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - عن التوثيق ومنصة الذاكرة السورية