أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - في الشخصية السياسية لرياض الترك















المزيد.....

في الشخصية السياسية لرياض الترك


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 7852 - 2024 / 1 / 10 - 10:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يستحق التاريخ النضالي للراحل رياض الترك أن يذكر وأن يشار إلى محطاته وإلى ثبات الرجل في مواجهة الاستبداد السياسي قبل وفي ظل نظام الأسد الأب وامتداده مع الابن الوريث. وللحق لم يكن تاريخ سورية المعاصر فقيراً بالشخصيات النضالية المشابهة. كما أن جرأة الراحل ونشاطه وابتعاده الأصيل، في كلامه ونمط حياته، عن مظاهر الترفع والأبهة وصنوف عادات المثقفين الثقيلة الظل، هو مما يستحق التقدير. كتب عن هذا الجانب عدد غير قليل ممن عملوا مع الراحل وممن يعرفونه عن قرب. لن يتناول هذا المقال عن الراحل شخصيته النضالية التي كثيراً ما قُدرت، ولا شخصيته الحزبية التي كثيراً ما انتُقدت، بل سيتناول بالأحرى شخصيته السياسية، على ضوء المعضلة العميقة التي طالما عاشها اليسار السوري المعارض بعد 1970 بوجه خاص.
يمكن تلخيص المعضلة المذكورة في أن اليسار السوري المعارض كان محكوماً بالعجز الذاتي عن زعزعة نظام الأسد، فهذا "يساري" بدوره، وله نفس اللغة السياسية لليساريين المعارضين له وغير المعارضين (التقدمية والاشتراكية والعلمانية والتحرير والامبريالية ... الخ)، وله نفس الحلفاء الدوليين. أي إن اليسار السوري لم يكن فقط في عجز ذاتي عن تهديد نظام الأسد، بل أيضاً لم يكن له أن ينتظر دعماً خارجياً يساعده على تغيير الأسد من جانب الحلفاء "الاشتراكيين" الخارجيين الذين كانوا، كما هو معروف، حلفاء مخلصين لنظام الأسد، أكثر من إخلاصهم (إن وجد) لهذا اليسار المعارض.
معروف، مثلاً، أن حافظ الأسد وقع معاهدة الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفييتي في تشرين الأول/أكتوبر من العام 1980، وفي الوقت نفسه أطلقت أجهزة مخابراته حملة ملاحقات ومداهمات واعتقال وتعذيب ضد الشيوعيين المعارضين، لترميهم، بعد ذلك، في السجون لسنوات لا حساب لها. وقيل إن الأسد أعطى أمر البدء بالحملة الأمنية ضد الحزب الشيوعي الذي يتزعمه رياض الترك، قبل أن يستقل الطائرة إلى موسكو لتوقيع تلك المعاهدة. وذات مرة، في رده على سؤال إن كان السوفييت يفاتحونه بخصوص المعتقلين الشيوعيين لديه، أجاب حافظ الأسد إنهم لا يأتون على ذكر هذا الموضوع. والحقيقة أن جوابه، بناء على ما عرفناه عن السياسة السوفييتية، قريب إلى العقل. وعلى كل حال، لم يتكشف ما يشير إلى أنه لم يكن صادقاً في قوله.
تمثلت، إذن، معضلة اليسار السوري المعارض، في انسداد سبيل بلوغه أو حيازته السلطة السياسية، إن كان بقواه الذاتية أو بمعونة حلفاء خارجيين. كان يمكن حل هذه المعضلة بالطريقة التي اعتمدها حزب البعث في الوصول إلى السلطة، أي بالانقلاب العسكري، ولكن مع نجاح الأسد الأب في سد المنافذ السياسية غير البعثية إلى صفوف الجيش، وفي ضبط الجيش من خلال "تطوير" أجهزة الأمن العسكرية من جهة، وتغذية عصبية غير وطنية في صفوفه، من جهة أخرى، لم يعد هذا الحل في المتناول.
الآن، إذا تفحصنا تفاعل المعارضين الشيوعيين السوريين مع المعضلة المذكورة سنقع على تيارين، الأول تيار نشأ من خارج "العائلة" الشيوعية التقليدية، وبحث عن "الثورة" في أمهات الكتب الماركسية. يمكن وصفه بأنه تيار ثقافي سياسي. وقد تمثل في الحلقات الماركسية التي بدأت تظهر في بداية سبعينات القرن الماضي، وتحول معظمها، في صيف 1976، إلى رابطة العمل الشيوعي التي تحولت إلى حزب في صيف 1981. تميز هذا التيار بغلبة العنصر الشاب وبأمانة نصوصية عالية استبطنت أولوية النص على الواقع، وبضعف العنصر السياسي بقدر ما ينطوي ذلك على صنوف التحايل والمناورة والتستر باللغة. عرض هذا التيار كفاحية عالية وقوة إرادة تميز من يلقي على عاتقه مهمة التغيير. وقد كان لهذا التيار حضور معارض بارز طوال العقد التاسع من القرن الماضي، قبل أن يتحطم جسده في مطلع 1992، تحت ثقل حملات قمع متلاحقة طالت حتى الوسط الاجتماعي والصداقي لعناصره.
هذا التيار لم يعترف بالمعضلة التي صغناها أعلاه، بل كان تفاؤلياً وعلى إيمان بأن اليسار الصحيح الذي "يمتلك الأجوبة الثورية على أسئلة الواقع" قادر بالعمل الجاد والدؤوب (وهو ما لم يقصر فيه) على إسقاط النظام، ولم يتردد في رفع هذا الشعار في 1979، بعد ثلاث سنوات من نشوء المنظمة، ليعود ويجمده بعد أقل من سنة، حين رأى أن القوة التي تتقدم لإسقاط النظام فعلاً هي قوة إسلامية يراها أسوأ من النظام نفسه. وحرص هذا التيار على تسويغ خطوته تلك بقياسها على سابقة لينينية، بما يشبه أخذ الشرعية من النص.
التيار الشيوعي الثاني كان أكثر واقعية في تصور إمكانيات التغيير السياسي في سورية. يمكن القول إن رياض الترك هو من "أنتج" هذا التيار الذي ذهب في الاتجاه المعاكس للتيار الأول، من حيث إعطاء الأولوية للواقع على النصوص، ومن حيث "تجريب" السياسة لصالح عملية التغيير. كان الترك قارئاً للواقع أكثر مما هو قارئ للكتب، ينظر إلى الواقع بعين السياسي لا بعين المثقف النظري، واستخدم إحساسه السياسي، كما يفعل التاجر في السوق لا كما يفعل الباحث الاقتصادي. يقول من عملوا معه إنه لم يكن يحفل كثيراً بالكتابات، وكان، من باب الظرافة الدالة، يسمي أدبيات الحزب "زعبرات"، أي كلام لا قيمة له، أو كلام لا يعني ما يقول، الأمر الذي يشدد على أن الترك كان رجل حركة وفعل بالدرجة الأولى، ومن هنا استمد معظم قيمته السياسية.
يبدو لنا أن التفكير السياسي للترك تحرك بتأثير قناعتين ثابتتين لديه، الأولى هي ضرورة التغيير السياسي في سورية، والثانية هي عجز اليسار السوري عن الاضطلاع بهذه المهمة. هذه مقدمة لقبول فاعلية تغيير من خارج اليسار. وهو، برأينا، ما يفسر تساهله تجاه الإسلاميين السوريين الذين عرضوا في مطلع ثمانينات القرن الماضي مقدرة كبيرة على الحشد والفعل وتهديد النظام، المقدرة التي يصعب جداً أن يصلها اليسار السوري المعارض. لكن التساهل مع الإسلاميين، ولاسيما من موقع ضعف يساري، يقتضي التساهل مع تهميش أفكار يسارية أساسية، منها العلمانية والوطنية النابذة للطائفية ومنها الفكرة الديموقراطية نفسها. وفق المنطق "الواقعي" لهذا التيار، لا بأس من هذا التهميش، فقد كانت مهمة إسقاط النظام تعلو على كل فكرة أو قيمة أخرى. والحق أن القمع المعمم لنظام الأسد ضد كل من يعارضه مهما كانت أفكاره وقيمه، يفسر وصول من وصل إلى قناعة بأولوية إسقاط النظام بصرف النظر عن الطريقة أو الفاعل. طبيعي أن تفسير الوصول إلى هذه القناعة لا يسوغها، فهي في المجال السياسي، الوجه الآخر للقمع المعمم في المجال الأمني.
في العمق، لم يختلف منطق الترك في تعامله مع الثورة السورية 2011، عنه في تعامله مع صراع الإسلاميين ضد نظام الأسد قبل ثلاثة عقود منها. الرهان على تغيير النظام على يد الإسلاميين، ليس تأييداً لهؤلاء، بل بوصفهم القوة الداخلية الوحيدة التي يمكن أن تزعزع النظام. خلال هذه الفترة كان الكثير من أبناء التيار الأول قد أدركوا معضلة اليسار المعارض وتبخرت تفاؤليتهم، والكثير منهم تبنى خلال الثورة منطق التيار الثاني، وباتت عتبة قبول الإسلاميين، ومن ضمنهم الجهاديين، منخفضة لدى قطاع متزايد من اليساريين السوريين الذين ضيعوا هويتهم على طريق السعي إلى "إسقاط النظام بأي شكل".
المنطق السياسي الذي قاد الترك إلى التساهل مع الإسلاميين والعمل معهم، قاده أيضاً إلى تجاوز العقدة التقليدية عند الشيوعيين تجاه أميركا، نظراً إلى ما يمكن أن تساهم فيه أميركا في تغيير نظام الأسد. وقد سبق له، كما هو معروف، أن تأمل خيراً في سقوط نظام صدام حسين على يد الجيش الأميركي.
بعد أقل من سنتين على اندلاع الثورة السورية، سوف يهجو الترك الغربَ "ذا الخلفية الاستعمارية" وسيهجو أمريكا التي "تلتقي مع النظام في إشعال الحرب الأهلية"، والتي "موقفها من الثورة لا يختلف عن الموقف الروسي". كما سيعبر عن خيبة أمله بالإسلاميين. ثم بعد ست سنوات من هذا الكلام سيقول "لقد مررنا بتجربة (الثورة السورية) كان فيها تيار الإسلام السياسي واحداً من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى الفشل". من شأن هذه الأقوال التي تسائل منطقه السياسي نفسه، أن تضع مقتديه السياسيين في حيرة. كأن نصيب اليسار السوري من الدنيا أن يعيش تراجيديا دائمة من التوتر بين ما يتطلع إليه وما يستطيعه.
يمكن نقد المنطق السياسي الذي مثله الترك، والذي اكتشف منتجه الأساس حدوده وأنه يحتاج إلى نقد. ولكن لا يحق لنا توجيه اللوم لأصحاب هذا المنطق، فلم يعرض منطق يساري آخر نجاحاً يذكر. الواقع أن النظام الذي يمارس حرب إبادة سياسية تطال كل صنوف المعارضة مهما كان فكرها، يدفع الجميع أكثر فأكثر إلى جعل "إسقاط النظام بأي شكل" أولوية. من السهل ملاحظة زيادة نسبة اليساريين المستعدين للعمل مع الإسلاميين في 2011 وما بعد، قياساً عليهم في بداية ثمانينات القرن الماضي. لن يصل إلى نتيجة مفيدة، من يبحث عن تفسير نكبات السوريين ومآسيهم خارج مثابرة نظام الأسد على إبادة أي معارضة سياسية، وعلى سد كل سبل التغيير السياسي الممكنة.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفعل الجنسي بوصفه دينمو خفي لتغذية دونية المرأة
- اللغة لا تسعف غزة
- عن غزة و-الأخلاق- الحديثة
- في مفارقات المجزرة
- القتل للفلسطينيين والتضامن مع اليهود
- يدفعون إلى العنف ويدينونه
- تأملات بمناسبة -طوفان الأقصى-
- من يمتلك -الحق- في الإجرام / حياة الفلسطينيين العارية على خط ...
- اللاعودة في انتفاضة السويداء
- اليسار السوري، هامش واسع في الحياة السياسية
- قمصان زكريا، لمنذر بدر حلوم عن الموت الذي يضمر الحياة
- عن توبيخ السوريين العلويين المتجدد
- نقاش مع كتاب -سؤال المصير- لبرهان غليون
- عن مشكلة الرموز في سورية
- أهمية حركة 10 آب في سوريا
- ماذا ينتظر سورية في المستقبل
- ظاهرة الموالين الغاضبين
- البكالوريا السورية ضحية الغش العام
- السجن يتسلل إلى نفوسنا
- أجراس بعيدة وكتل سياسية في المنفى لقاء برليني مع راتب شعبو/ ...


المزيد.....




- رأي.. فريد زكريا يكتب: كيف ظهرت الفوضى بالجامعات الأمريكية ف ...
- السعودية.. أمطار غزيرة سيول تقطع الشوارع وتجرف المركبات (فيد ...
- الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس يخضع لعملية جراحي ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابطين وإصابة اثنين آخرين في كمين ...
- شماتة بحلفاء كييف؟ روسيا تقيم معرضًا لمعدات عسكرية غربية است ...
- مع اشتداد حملة مقاطعة إسرائيل.. كنتاكي تغلق 108 فروع في مالي ...
- الأعاصير في أوكلاهوما تخلف دمارًا واسعًا وقتيلين وتحذيرات من ...
- محتجون ضد حرب غزة يعطلون عمل جامعة في باريس والشرطة تتدخل
- طلاب تونس يساندون دعم طلاب العالم لغزة
- طلاب غزة يتضامنون مع نظرائهم الأمريكيين


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - في الشخصية السياسية لرياض الترك