أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاروق عبد الحكيم دربالة - كلُّ شيءٍ قراءة














المزيد.....

كلُّ شيءٍ قراءة


فاروق عبد الحكيم دربالة

الحوار المتمدن-العدد: 7921 - 2024 / 3 / 19 - 10:13
المحور: الادب والفن
    


إن الفعل "اقرأ" أول ما نزل من عند الله في قرآنه يخاطب به نبيه ومن اتبعه من المؤمنين . إنه فعل القراءة , بداية الفهم , وبداية العلم , ومحط ومفهوم النبالة في مقاصد الأنبياء و الرسل والصالحين والمصلحين والعلماء .

لقد ورد الفعل بصيغة الأمر ( اقرأ ) مرتين في سورة العلق , و مره ثالثه في سورة الإسراء " اقرأ كتابك كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا " آية 14 وفي سورة الحاقة ورد بضمير الجمع في قوله تعالي " فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه " آية 19 .

إن حفاوة الكتاب الكريم بفعل القراءة تستمد روحها وتوهجها من شرف المقصد ونبالة الهدف , وروعة المصير , لأن القراءة فعل يأتيه الملأ الأعلى , ويأتيه الإنسان, و هو مأمور به , مكلف , فالكون الفسيح كتابه , والأرض بما فيها ومن فيها مداه الأرحب , والطبيعة صور وسطور وعلائق ومدارات من الجمال والجلال , في حالتي الحركة والسكون , وفي حالي الصمت والإفصاح , والإنسان ينبغي له الحرص على التنقل والتبصر والتأمل والتفكر والتدبر ؛ ومن ثم يكون الاسترجاع والاقتناع والتمحيص والتثبت ؛ لكي يكون للنفس انطلاقها الحر , وهي تمارس السياحة في الأرض , ولكي تكون للجوهرة الني يحملها المرء في رأسه قيمتها الناجزة , ووظيفتها القائمة , فتمتص وتستوعب وتستلهم , وتستزيد وتستوي راشدة مفعمة بالحكمة , شاخصة نحو جميل سديد وبديع جديد .

إن العقل البشري مرهـون بواقعه الذي قد يكون محدوداً فقيراً , وبمعطيات هذا الواقع التي قد تكون هزيلة بينما ضالته الكبرى هي التفكر والتدبر والحكمة , ولا مجال إلا بفعل قراءة تتناغم مع صفحات الوجود , ويشتد اتصالها بالآفاق المرئية والمسموعة والمشمومة والملموسة واللامرئية والماورائية , وتلك فضيلة لا يقدر أن يتحلي بها إلا الموفقون ، وإلا العارفون .

" كل شيء قراءه " قالها الشاعر محمد عفيفي مطر في ضمير القصيدة ؛ ونحن هنا نقول إن المشاهد ، والمواقف ، والمساوئ ، والمحامد قراءة ، ونظرات العيون، وخلجات الوجوه قراءة . والمسافات ، والمجازات ، والصباحات ، والتعلات ، والعلامات ، والفضاءات قراءة . والسجايا ، والحكايا، والمرايا، والبلايا، والمزايا، والخفايا، كلها قراءة في قراءة , كل شيء قراءة . ومبلغ الظن أن فعل القراءة يمتد ويشتد ، ويصير أوعي وأعمق كلما غامت المشاهد ، وانبهمت المواقف , وتعقدت المسالك ، وتفرقت الدروب والقلوب ، وكلما ضاعت العلامات ، و أظلمت السبل ، وقل الحكيم والخبير والمستنير , وآلت الأمور إلي ذوي النفوس المتعبة والعقول المسطحة , والحكمة الغائبة ، حتى إذا هجم الرعاع ، وانكسر الرأي الشجاع ، وسيطر السوقة حتى رجحت كفتهم ، ولاذ الأصلاء والنجباء والنبلاء مدحورين بصمتهم ، وقله حيلتهم - فهنا تكون الحيرة ، وتضل العقول ، أو يغم عليها ، فتصبح للقراءة مكابداتها ، ومحاذيرها ؛ لوعورة الطريق وقسوة المُعاش .

وحين تكثر الأقنعة وتتشكل وتتنوع وتصطخب ، وتصبح – في معظمها- فاجرة ماكرة ، فعلى القراءة أن تشتد وتقوى ، خاصة إذا رأينا :
" رؤوس الناس على جثث الحيوانات
ورؤوس الحيوانات على جثث الناس "
كما قال صلاح عبد الصبور في ( الظل والصليب ) وحينئذ يصبح كل منا معذوراً إذا تحسس رأسه .

إن للقراءة - بمفهومها القريب - أنواعاً كثيرة ومستويات عديدة ، أما القراءة الأدبية ، وقراءة النص وقراءة التثاقف ، فقد وقف عندها النقدة وأهل الأدب واللغة ، وفصلوا واستزادوا في كنهها وطرائقها ومجالاتها وعلاقاتها بالإبداع ، تؤنسهم في ذلك نظريات التلقي وقضايا اللغة في الشرق والغرب ، وتلك منعرجات ومباحث لن نعرض لها هنا .

وعلى المستوى الجاد للقراءة فإن علاقة القارئ بالمقروء ينبغي لها أن تكون علاقة رغبة واشتهاء ، أزعم أن الأمر يصل أحياناً إلى حد العشق بل التماهي والتوحد ، كما أن تلك القراءة تصبح فاعلة مثمرة بعيدة الأثر ، متعاظمة القيمة ، كلما اقترنت بفعل التخير ، بل الانتقاء والاصطفاء لما يقرؤه القارئ ، وفي ظني أن مسألة النهم في القراءة هي أمر نسبي ، فهي لا تؤتي ثمارها في كل آن وفي كل حال ، ولذلك فإن علينا أن ننظر إلى جودة ما نقرأ وقيمته وجدواه ، قبل أن نقدم عليه كلما أمكن ذلك ؛ فليس في العمر متسع لإنفاق الوقت في التخبط ؛ لأن العقل الذي تدخله هوام الأفكار ويستبيحه الغث بجوار السمين ، هو أشبه بمعدة مفتوحة على كل شيء دون تخير وتمييز ، فهي تلتهم ما تصادفه ، وتلك ( رمرمة ) لا يكون وراءها إلا جهد كبير ومحصول قليل ، وربما حيرة أو قلة فائدة .

" كل شيء قراءة " والقراءة تتكئ على تراكمات ما سلف من قراءات جيدة وذات قيمة؛ فهي ممارسة تعقبها خبرة ، والعلاقة بينهما طردية توافقية ، كأي حرفة فنية ، تزيد فيها القدرة والمهارة ومستوى الخبرة والفائدة ؛ كلما زادت الدربة والممارسة وتقادمت وتأصلت ، على ألا تكون تلك الممارسات هدفاً في ذاتها ، أو مجرد عادة ، كالتحديق في الناس ، أو واجهات المحال التجارية ، إذ لا بد أن يصل المغزى والمزية إلى الداخل ، فيناوشه ويقلق راحته ، ويجعلنا نعيد النظر من جديد في كل ما استقر لدينا ، لنعاود اكتشاف الوجود والأشياء ، ويصبح المغزى هنا أشبه بمنصة انطلاق للخبرات الكامنة والمضافة ، حين يكون أوان تفعيلها وانطلاقها ، في حالات أو مواقف مشابهة ، تحفز تلك الخبرات ؛ لتفعل فعلها المأمول .



#فاروق_عبد_الحكيم_دربالة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كعوب
- زماننا الشِّعري
- أبوابُ الحَنِين - شعر
- إنهم يغزلون الصَّمت ( قصة )
- بين الثقافة والجوافة ( أدب ساخر)
- صَهِيل الرِّيِح
- بغداد تقرأ أسفارها -- شعر: فاروق دربالة
- إلى فيروز ( شعر )
- إصباحة - شعر
- المدن / النساء - شعر
- تخلع الأرض قمصانها - شعر
- حَقائبُ الترَحَال - شعر
- حبيبين كُنَّا - شعر
- لا وقتَ للنجباء -- شعر
- صبح البهاءات - شعر
- الطبيعة وجناية البشر
- الساعة القديمة - قصة


المزيد.....




- جودي فوستر: السينما العربية غائبة في أمريكا
- -غزال- العراقي يحصد الجائزة الثانية في مسابقة الكاريكاتير ال ...
- الممثل التركي بوراك أوزجيفيت يُنتخب -ملكًا- من معجبيه في روس ...
- المخرج التونسي محمد علي النهدي يخوض -معركة الحياة- في -الجول ...
- سقوط الرواية الطائفية في جريمة زيدل بحمص.. ما الحقيقة؟
- منى زكي تعلّق على الآراء المتباينة حول الإعلان الترويجي لفيل ...
- ما المشاكل الفنية التي تواجهها شركة إيرباص؟
- المغرب : مهرجان مراكش الدولي للسينما يستهل فعالياته في نسخته ...
- تكريم مستحق لراوية المغربية في خامس أيام مهرجان مراكش
- -فاطنة.. امرأة اسمها رشيد- في عرضه الأول بمهرجان الفيلم في م ...


المزيد.....

- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاروق عبد الحكيم دربالة - كلُّ شيءٍ قراءة