أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاروق عبد الحكيم دربالة - الساعة القديمة - قصة














المزيد.....

الساعة القديمة - قصة


فاروق عبد الحكيم دربالة

الحوار المتمدن-العدد: 7031 - 2021 / 9 / 27 - 20:10
المحور: الادب والفن
    


الســـاعـة القديمــة ( قـصـــة )

لا قطعة من الظل هناك ، كاد يموت ظمأ وهو يموء ! رحم الله أيام النهر، وصباحات الندي والنسائم ، إنه يتدفق فقط في الذاكرة الحبلى بأشرطة بديعة كأشرطة السينما، يستعيدها أحيانا ، وكثيرا ما تعمل من تلقاء نفسها ، حين يكون صامتا منفردًا ، أو مستلهمًا حين يرتحل في قطارات لائقة المستوى .
قطرات من البرودة صادفت قلبه المحرور ، أسعدته بعض الوقت ، فترك محبسه الاختياري وخرج إليهم كالعادة ، كانت عيونهم باردة كما هي ، ووجوههم من حجر . سخروا منه ، فلم يجبهم هذه المرة ، شيعوه بحقد غير مفهوم، ظل يسير حتى وصل إلي طرق برية . لقيه ذئب ، شاركه الطعام ، ومشي في وداعه قليلا .
مد يده إلي شجرة كبيرة كانت هناك في الطريق ، ثمارها متنوعة ما بين خوخ وكرز وعنب ، أطبق علي بعض الثمرات ، أدخل إحداها متعجلا في فمه ، كانت بلا طعم كالبلاستيك ، لفظها محزونا .
عاد إلي داره ، صنع لنفسه فنجانا من القهوة المحوجة ، بالطريقة نفسها التي تعلمها من أمه التي رحلت ، شعر ببعض الراحة والدفء يسريان في روحه ، وهو يقوم بترتيب الكتب والأوراق ، التي كدسها في فراغ المكان ، ثم جلس – في طمأنينة وهدوء – بجوار الكتب ، يتأمل الصورة بالأبيض والأسود المعلقة علي الجدار المقابل ، كانت تضم الآباء / الأبناء ، وبعض الجدود /الآباء ، ابتسم للوحة ابتسامة كالبكاء ، ونام في مكانه مسحورا .
الساعة القديمة المطعمة بالعاج والصدف مستقرة علي الحائط منذ زمن طويل ، شعر أثناء نومه كأنما ترامت دقاتها إلي سمعه ، واهية آتيه من بعيد كصوت جده الذي رحل منذ سنوات بعيدة . أدخلته دقاتها في حديقة بديعة ، فيها الكثير من الأزاهر والثمار والأطيار أجناسا وألونا ، وفيها الماء والخيرات والوجوه الحسان ، يجلس في وسطها أناس تفيض عيونهم بالبشر والسعادة . رحبوا به في مودة غامرة وأكرموه ، جلس مستريحا لمرآهم ، شاركهم لبعض الوقت .
استيقظ نشيطا مبتسما ، شخصت عيناه إلي الساعة التي كان يحبها ، ويستريح لسماع دقاتها ، نهض واتجه نحوها ، مد يده ليزيل عنها الغبار ، وحاول إرجاع عقاربها ليضبطها ؛ فلم تطاوعه، وفجأة تحولت إلي وجه أدمي مألوف ، يبادله الشغف .
استلقي وطلب النعاس ، تمنع عليه بعض الشيء ، وفي المساء جاءه شخصان : جاره مسعد وصديقه فايز ، سلما عليه بمودة زائدة ، فاستقبلهم بهمة وإخلاص كعادته ، تناولا معه الطعام بنهم ، ثم تخلصا مما تبقي في سلة المهملات ، وبعد أن التهما معظم الحلوى التي أحضرها ، سألاه عن جهاز الكومبيوتر الجديد الذي اشتراه مع الطابعة ، وبعد فترة خرج صديقه في جيبه الوسائط والمعلومات التي أتي من أجلها ، وخرج جاره وهو يضم رزمة كبيرة من الأوراق التي قام بطباعتها ، وكانا مبتسمين .
أخذ يسلي نفسه بالعبث في محتويات درج مكتبه ، يبحث عن شيء ما يطرد به شعور التقزز الذي فاجأه ، وجدها بين الأقلام والمتعلقات القديمة ، مسبحة الكهرمان ، التي ورثها عن جده ، وكان يشك أنها ستبقى كما هي .
كان كلما أراد ان يسلي نفسه ، يجعلها في مكان مظلم ، فتبدو مضيئة صفراء آسرة ، كأن النور محبوس بداخلها ، وهو يلفها في الهواء على نحو دائري أو يحركها بين يديه ليكوِّنَ أشكالا مسلية ، وفي هذه المرة حين شرع يحركها ويلعب معها قُطِع الخيطُ ، فانفرطت الحَبَّات ، وتناثرت من بين يديه ، وتسربت سريعا . انزعج بشدة وحاول جاهدا أن يعثر عليها ويجمعها ، لكنه فشل في إعادتها ؛ فقد تبددت تماما في اللامكان ، وعندها شعر بكثير من الوحشة .
في بعض الأوقات ، يشعر بأن شخصين بداخله ، يضغطان علي قلبه في وقت واحد ، ويثقلان على روحه بشجار مكرور ، حاول جمعهما مرارا ، أو التخلص من ذلك الشعور ؛ ولكنه عجز تماما ؛ فاستسلم لهذا الوضع .
_________________________



#فاروق_عبد_الحكيم_دربالة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاروق عبد الحكيم دربالة - الساعة القديمة - قصة