أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - رمضان الطعام الأخلاقي














المزيد.....

رمضان الطعام الأخلاقي


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 7920 - 2024 / 3 / 18 - 14:10
المحور: الادب والفن
    


لا يكتفي شهر رمضان المبارك بمصالحة الصائم مع جسده، الذي يتعرض لإنهاك الهضم على مدار سنة كاملة، بل إنه يعيد بشكل افتراضي تاريخي حركة “الطعام البطيء” إلى نشاطها بعد أن تم إجهاضها في مهدها من قبل رؤوس أموال شركات الأطعمة السريعة والإعلانات، التي وصفت تلك الحركة بمجرد توجه أخلاقي لا يجلب الأموال كما تفعل شركات الطعام السريع.
هذا التوجه الأخلاقي سنجده في صيام شهر رمضان، من دون أن تمتلك أي سلطة سياسية أو مالية الجرأة على انتقاد معاييره الإنسانية.
انبثقت “الطعام البطيء” بداية الثمانينات كحركة أخلاقية لمناهضة الوجبات السريعة في أوروبا. كانت فلسفتها في غاية العدالة من أجل جسد ودماغ الإنسان وهي تدافع عن الطعام البيتي المنتج بشكل أخلاقي، والذي يطبخ ويقدّم ويتم الاستمتاع به بما يكفي من الوقت لتذوّق مكوّناته. وبطبيعة الحال أن المثالية ليست مصدراً مالياً لمراكز النفوذ التجاري الذي انتصرت في النهاية للطعام السريع وأفرغت حركة “الطعام البطيء” من نشاطها.
أستعيد تلك الحركة لفرط عدالتها وأنا أعدد الاعتبارات الصحية التي يغدقها علينا الصيام على مدار شهر كامل عندما يتم التصالح مع الجسد، وتلك لعمري خصومة قائمة منذ أن استعرض الإنسان بطعامه وأسرف فيه ثم تفاخر، إلى أن وصلنا إلى عصر الهواتف الذكية وكأنها وجدت لتصوير أطباق الطعام ونشره على الناس!
ذلك ما يخلصنا منه شهر رائع من الصيام والهدوء الجسدي والذهني الذي ينعكس على سلاسة التفكير والعمل وجودة النوم والتسامح مع الآخر، فضلا عن تجسيد فلسفة الحركة الأوروبية التي أجهضت، عن الطعام المنتج بشكل أخلاقي.
عندما نحاول فهم أجسادنا من المهم أن يكون هناك فرق منهجي بين المعلومات التي توضع أمامنا والأفعال التي نتعمد كسرها بغطرسة على الرغم من معرفتنا بضرر ذلك، كما هو الحال في الإسراف المتعمد بالطعام، أو الوقوع تحت إغراء كلام المشاهير. نحن محاطون بالصور والأفكار التي تمت غربلتها من خلال المرشح الخادع لتحيز النشر والعرض التلفزيوني. خذ ما قالته ممثلة شهيرة “عليّ أن أتمتع بكل طعام يقدم إلي، وليذهب الطعام الصحي والريجيم إلى الجحيم”! هذا كلام يغري على الإسراف في غطرسة الطعام.
يمكن القول إن أدمغتنا تفرض علينا نوعاً من التحيز، على شكل “وهم التركيز”. عندما نفكر في قرار ما، فإننا نستدعي بعض الاعتبارات إلى أذهاننا ونهمل أخرى. ويضاف إلى ذلك الإغراء الذي يمثله الطعام وطريقة عرضه وتقديمه ورائحته، عندها نفرّط في أي محاذير ونحن نقدم عليه بشهية حقيقية أو متخيلة.
وحده الصيام في رمضان يوقف ذلك التحيز، بقواعد دينية لا خلاف عليها بين البشر، بمن فيهم غير المسلمين، وتدعمها العلوم الطبية، تلك القواعد تنم عن قناعة ذاتية أخلاقية، من دون وجود أي سلطة قادرة على تغييرها. فالصائم على العكس من غيره، لا يتأثر برائحة الطعام وشهيته عندما يكون صائماً، ويفترض به أيضا ألا يُقدم بشهية مبالغة على الطعام لحظة الإفطار. وإلا سينضم إلى المعادين لحركة “الطعام البطيء”.
لست متأكداً من وجود الكثير من الصائمين الذين يفكرون بالتصالح مع أجسادهم في شهر رمضان المبارك، عندما أشاهد التحيز المريع في نشر صحون الطعام والابتهاج بها كنوع من العروض الفارغة.
في النهاية، الطعام هو لغة الحب الخاصة لأجسادنا من أجل أن تبقى يقظة ومحافظة على جودتها كلما تقدم بنا العمر. لكننا نتعمد التعبير عن ازدرائنا لهذا الجسد بمجرد إنهاكه بالطعام وعدم مقاومة إغرائه، ويأتي شهر رمضان المبارك بتلقائية سنوية مقنعة ليعيد لنا التصالح مع أجسادنا، على أمل أن يبقى هذا التصالح عندما تنتهي أيامه الثلاثون، لكن ذلك لا يحدث لأغلبنا!



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من قال أموري غاب عن أرواحنا؟
- لم يبق الكثير من الأخبار السارة
- جاسم الزبيدي جيفارا العراق
- إسرائيل تخسر السردية الإعلامية الدولية
- لم أصلْ إلى نهاية الهجرة إلى الشمال
- يورغن كلوب ملهم ورؤيوي
- رفح ترفع من الشغب السياسي الغربي غير المتماسك
- لنغن البيات حزناً على مجدي نجيب
- هل تلوثت كرة القدم بالوحل الطائفي؟
- رحمة تبدد وجع أبيها رياض
- جرعة من الأدرينالين للخيال الأمريكي تجاه إيران
- عيد ميلاد بارد للسيدة دالاوي
- الجناة لا يحلون مشاكل العالم في “دافوس”
- محدّث التراث في لحن أحمد الخليل
- مطاعم سفراء البضاعة السياسية الكاسدة
- ديكور فيلم هندي في بغداد
- يا لسعادة العراقيين بمقتل السعيدي
- عودة إلى مجزرة أنشودة المطر اللحنية
- أرقد بسلام أيها المدافع الشرس عن الحقيقة
- عرض السوداني الأخرق على ضفة الكاظمية


المزيد.....




- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - رمضان الطعام الأخلاقي