عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1750 - 2006 / 11 / 30 - 11:28
المحور:
الادب والفن
المفردات هن عصائر الجملة , وكلما كان فضاء المفردة أكثر بعداً , كانت الجملة أكثر تحليقاً في عوالم الحرية , والكتابة تعبير عن أوجاع الذات , أو آمالها , ولكي نترك للمفردة آفاقها علينا أن نتعامل معها , مثلما نتعامل مع كل شيء يحيى لكي يتكوّن , فالمحيط والعمق النفسي وكذلك مخزون الذاكرة كل ذلك له دور في صياغة الجملة الأدبية , وكلّ الذي يكتب عليه أن يحرر كلماته, كما تحرر الفراشات تحت لمعان الشمس , في غابة لا متناهية من الأزهار , لترف على أجنحة الهواء متسلقة سلالم الروح , أو منحدرة إلى أسفل السلم المتردي في عوالم الجهالة والإفك الأدبي , فمن هنا كلما حاولنا الدخول إلى عوالم كتابة أدبية لكاتب , فإننا نحاول قياس قدرة المفردة على الإنطلاق , لتتخلص مما هو بال ٍ وركيك وقديم, عفت عليه حروفه , ولكي لا تكون المسألة عندنا مساطر جاهزة , نجعل عالم الحرية , وفضاءات الكاتب هي السِّمة التي تحدد كتابته , وقدرته على التجاوز والدخول في عوالم الجحيم الذي يصطلي به النص , ولو كان ذلك اشكالي في تعدد السمات , والخصائص التي يُراد منها كتابة الكاتب , , لكي لا تفقد الكتابة وظيفتها الجمالية , حيث هي إنسانية بطبعها , ومتدافعة بحكم صيرورتها التراكمية , المركونة في دواخل الكاتب , ( أي كاتب ) ومن ذلك يكون المدد الدائم لرفده بمعطيات الكتابة بتلاوينها المختلفة 0
هنا نحاول إضاءة جوانب من كتابة الكاتب الأديب والمسرحي : سامي حمزة – الذي بدأ الكتابة مع القصة منذ أواسط الستينات , وكذلك المسرح , حيث كتب العديد من المسرحيات منها علي سبيل المثال (( المطر في خامس الفصول )) , وهي ثلاث مسرحيات ذات فصل واحد , صدرت في كتاب عن دار الحوار , أما أعماله القصصية فهي : اً – استنشاق رائحة اللون 2ً – اضطرام الهويس 3ً – الدم حبراً 4ً – تكلم لأراك 5ً – فيلم سكوب بالألوان / وأيضاً صدر له رواية بعنوان : البشر وحتى الشجر ! – سامي حمزة كاتب جاد , يتعامل مع موضوعا ته وشخوصه بأناة ودراية , وهو ملموم على نفسه ليشدّ أوتار روحه , ولا يني يتراحب مع فضاء الكون , ليتعاطى مع أنسنة الشخوص , إذ لا يفلت منه شخوص أعماله , موزعاً إياهم على مساحات القص , وملماً بأدق هواجسهم , والأسباب المكونة لهم , وله صبر جميل على ذلك , فلا ينساق وراء شخوصه , وأحياناً تراه يلمهم ملمة العارف , (( وجم الرجل يختلج مقروراً , ترتعش أعضاؤه رعباً وغضباً , يحف به الموت برداً , بثلج كحجارة طير الأبابيل , أحس باضطراب القلب , وقد دفعه إلى جحيم الندم , والبرد يغيّب سواد عينيه في غموض مصيرٍ مبهم , لا يرى سوى البياض الباهر , فالبقعة موحشة , والأقاويل باتت تذكر عنها مراعب وحكايات , ومنذا الذي يخاطر بالخروج في جوِّ كهذا سوى مجنون مثله برَّحه الشوق وشردته لقمة العيش ؟ )) الجو القارص لم يجعل الرجل إلا هالكاً في لجج الثلج , وما كان ذاهباً للقاء الحبيبة , كما يُخيل إليك في البدء , بل هو يواجه شبح الفقر , رغم انهمار الثلج الذي غطى العربة , وأخفى جثة البغل , وأيضاً تعاونت بنات أوى مع سيدتها الطبيعة ضده , وها هي الذئبة تأتي إلى وجرها,فيصبحا وجهاً لوجهٍ مع الحياة , بل مع الخوف الغريزي الذي يلهب ظهره , فُيفجره ناراً تحرق أعضاءه , فينتشل ظرف السمن , ويكثر منه للذئبة الضارية , في مهب الثلج والريح التي تصقع العظام , وهنا يكمن الربط الجميل والهادئ بين الذئبة الفلاتية , وما كان يريد من محبوبته أن تكون ذئبة الفراش , فتشتَمّ هنا رائحة الذئبة المستوحدة مع الطبيعة, والذئبة الأنثى , وخرير الدم الإنسي , في مواجهة عرادة دم الوحش الذي لانت له الطبيعة , واستمر في جلد ذاته بالأسئلة التي توالدتها ذاكرته لحظة شؤم الثواني التي تآخت على صدره متكومة كالبلاء 0 تكمن المفارقة أنّ اللذي يقتل الزيات ليس الذئبة التي آخته , بل أبناء جلدته من البشر اللذين جاؤوا إلى المغارة فقتلوهما معا هو والذئبة 0
* أما المجموعة القصصية والتي عنوانها ( فيلم سكوب بالألوان ) الصادرة عن اتحاد الكتاب في سوريا عام / 2005 / نأخذ منها نموذجاً قصة – السيد الوزير – حيث نقرأ – ( في عروقه يركض صهيل , فيريه ناطحات السحاب واطئة دون حلمه العالي , وظل طامحاً أن تشهق منزلته فوق المدى الأقصى لأحلام البشر !! فمنذ أنهى مراسم تشكيل / تجمع عصبته / تجاوزت أهدافه المعلنة طموح المنتفعين , وبقي حذراً منحازاً إلى أنصاف المتعلمين , مزاوداً متقرباً من قطب العظمة ) هنا يسلط الكاتب مجهر الحقيقة ليرينا أدق تفاصيل طموحات هذا المنافق الدجال اللذي يُصِّر أن يكون أحد أسياد البلاء , وهنا القصة ( الفيلم ) نرى قدرة الانتهازي على الوصول إلى مبتغاه , موظفاً مجاميع من الانتهازيين والمرتزقة لكي يستحمرهم درجاً للوصول إلى سلم البلاء , وبعد وصوله إلى كرسي الوزارة , تتفتق أوداجه , ويستمر بالنهب والسلب وبالقانون , مستخدماً لذلك مجموعة مرتزقته اللذين لا يألون جهلا في مدحه واظهاره بمظهر الرجل الشهم الذي جاء لخدمة الوطن والمواطن , وهو مستمر في نهب البلاد والعباد , ومستهيناً بكل ممن حوله بما في ذلك زوجه وأولاده , اللذين يقذف بهم إلى عوالم بعيدة , ليتفرغ للخراب / سامي حمزة / يعتني بقصصه بكل أنات وتوء دة , فالحرف لديه له رائحة الحياة , والحدث عميق غير مشيّء , شخوصه من لحم ودم , وهم غالباً من المقهورين الطيبين اللذين قست عليهم الحياة , وحاربوها بنبلهم , أو أتقوا شرورها بكراماتهم , لم يكونوا أنذالاً, ولا مهدوري الكرامة , وهو عندما يعالج شخصية من هذا النوع / أي المنحط / تراه يعرف كيف يظهر عفنها , حتى لو كان ذلك من زيق ما تدعي أنه كرامة , فهو يستخدم الجملة في مكانها , فلا هو بالمسرف , ولا هو تاركاً ناصية لتتحكم به ثرثرات الشخوص , ومن كثرة حرصه في هذه المسألة , أكثر من الإمساك بالنص في بعض القصص , مما جعله يضّيق على الحركة الداخلية في استخدامات الجملة , وهو مسرف في انتقاء الجملة والمفردة , ولكنه يأخذك شاقولياً إلى عمق ما يريد , فيترك شخوصه تنبؤنا عن اللذي تريد , غير هيّابة ولا وجله , فهو واقعي مسحور بأخذ الشخصيات من تلابيبها , ليصل وإياها إلى الوجع الموجع , وبالقدر الذي يعتني بالمفردة كـَبنّاء محترف , تمنيت عليه في أحايين كثيرة أن يترك المفردة لشأنها , لأن عوالم الروح نزقة , ولا تلمها سوى أطيافها الداشرة / سامي حمزة / كاتب جاد له فضاءاته الخاصة , وإن لم تدخل إلى عوالم شخوصه فإنك سوف تقع في الحيرة والارتباك , لأن مفاتيح نصه تستحق البحث , للدخول إلى عوالم النصوص 0
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟