أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عايد سعيد السراج - طالب همّاش . شاعر الكمنجات الحزينة 0















المزيد.....

طالب همّاش . شاعر الكمنجات الحزينة 0


عايد سعيد السراج

الحوار المتمدن-العدد: 1741 - 2006 / 11 / 21 - 11:05
المحور: الادب والفن
    


يتغرب الشاعر , تتلبسه الأحزان , ويصبح صديق الغربة , الحزن هذه السمة الإنسانية المتجذرة في عمق الذات البشرية , تحاول أن تكون أكثر تفرداً مع الشعراء , فالحساسية والحزن سمتان تلازمان الشاعر , كما تلازمان كل اللذين يعملون في مجالات الإبداع كافة , ولكن أن يصبح الحزن والغربة حياة لدى الشاعر أيّ شاعر فتلك هي الحياة التي تقترب من الموت , يصبح الموت صديقاً ملازماً له , فهو حي في موته , يهجس الموت في حياته , آنئذ تصبح الغربة شكلاً من أشكال العبث , وتضيق جميع الأشياء لدرجة أنها لاتُرى إلا بعين شاعر , فالمواويل تتصادى مع لحظة الذبح , والنايات تهجر سماوات الغربة , والحساسين لا تعرف طعم الأمان , وحتى الأرض تبحث عن وطن ٍ , والغروب شاهد أبدي على الانكسار الدائم واليومي لسرمد الكون , وآنئذ ٍ تكثر المراثي , وُتقُدم الوردة للذئب , ويجوب الرثاء عوامل البوح , ومساءات العنب تنثر أشجانها للغريب , ويصبح كل امرىء في دهشة , ولا يظل سوى عازف الناي , يردد رندحاته على أتون الوجود , تضيع القرى , ويصبح الرجل وحيداً , ويظل هو سيد الرباب الحزين , فتحزن الريح , تغترب الأشياء , يضج الكون بالغربة , ويصبح الحبر, هو سيد الغناء , وينتحب الريح 0
(( وفي أيّ الديارِ
تركت قلبك يا غريب ؟
تبكيك نايات ٌ محطمة ٌ
ويشنق ُ نفسَهُ
في ليلك َ القمرُ الحبيبُ
يا أيها الولد المشّردُ
كبرَ اللذين تحبهم
وشيخ ُ الحزن أدركهُ المشيبُ
أسفا ً عليك على غيابك يا غريب ))
ويظل الأسف والحزن يتصيد لغة الشاعر , ولا ينفك بين كماشتي غربته وحزنه , يعزف أغاني الأرق والوجع الممض , فلا يلبث أن يصيح , ويضج جسده نواحاً ولكن لا تستجيب له سوى أوتار الألم الداخلي , ليشرد من جديد تؤرقه مناحات العوالم التي تحولت كوابيساً أضنت روحه بفضاءات الانكسار ولوعة الحنين , وما كانت أديم الأرض إلا أشواكاً تنثرها الأوجاع على روحه , فلم تفلت الأفعوانات التي صادت دمه , وأرخت ترياقها خدراً في صحرائه التي ما هدأت لأحزانه القاتلة , بل شب أرق بوجدانياته , وراح ينثر ما طيّبته الألام من أوجاع 0
(( تبكي الكمنجات الحزينة في الديار النائية ْ !
يبكي العراقيُّ الحزين ُ على الفرات ْ !
يجثو كقديس ٍ
وينشرُ في رحاب الماء ِ منديل َ الطفولةِ
رافعاً كلتي يديه ِ
ما زلت ُ أعصر ُ من نهودِ الصبح ِ ؟!
هذي الخمر َ
سكراناً مواويلا ً وأشجاناً ونايْ !
أنا ما رضعت ُ الحزنَ من قنديل ِ
روحكَ يا أبي
لكنني جرّبتُ أن أرثي صبايْ! ))
وتستمر الكمنجات في ولائم الندب والنائحة , والنحيب هو الحبيب , وتتواشج المفردة الأكثر حزناً في مساءاته , ويظل الطين المكتهل يصب على جسده اللحمي كل هموم الزمن , ولا تلبث براثن الشؤم تلاحقه في كل أغوار الجسد المنهوك , الجسد المجّرح بالآلام وشقوة الأيام , حالة من الكوابيس تصيدها له عوالم الشرور , فلا صديق سوى الناي اللذي يردد معزوفة النحيب , فيشُّد أوتار الربابة فالبكاء هو السيد المطلق الآمر على النفس , فالبعد أبعد َ الخلان َ , وحتى الندامى ارتحلوا والطريق موحشة إلى عوالم المجهول , فلم تعد البلاد قريبة , والأهل ضاعوا في صدى النسيان , ولم يعد الجفن يداني بعضه , والليل حتى الليل أتعبه النواح , ولم يعد سوى الغربان التي تجثو على الصليب , وتظل الذات كالمرايا تضخِّم أحاسيسه في وحشة العمر , والمناحات تظل الباقية على تنهيدة الروح , والقلب خِلّ الوفاء الباقي , وحتى الغيم هو لذعة حزن , ولا حور ليبكي , ولا قمح لُينشِّف الدموع , والعشب مصفر , والكهولة هي الباقية الوحيدة مع بقاء النفس , والأناشيد حداد , فالليل يحرسه الأرق , والأفول هو الرحمة التي يلتذ بها الشاعر , وحتى الرياح لا يظل منها سوى أقلها نحيباً , عالم مملوء بالبلاء والوحشة , وتظل روح الشاعر تتناقلها الأحزان في مهب الريح ويصدو على جوانبها الألم , وتنثر الأوجاع شمامها للمواويل الحزينة , والأهل أكثر وجعاً من دمل العين , فالويل والنائحة لايشردان إلا على ذاته الممسوسة بالصليل , فلا يدركه سوى الحرف المتآمر على ذاته الموجوعة , فانفلاق الحرف في جانبيه جمر , وعلى مشارف حواف الأحرف ترومه الويلات , وما أن يتثبت بجملة هينة الروح حتى تنبش أعماقه حروف الوجع , فلا هو بالساكن إلى هيجاناته , ولا الكمنجات هدهدت أحزانه , وتظل أنهر النوح هي الباقية على مهازل العمر , ولا يرتوي أبداً من أنهر الحزن التي تفردت به وله ,ليعزف أبدية الحزن بالكلمات , رغم قلبه الموجع الذي أرانا ومن ثقوبه المدماة عوالم لانهائية الرؤا , فإن الشاعر ضرب أمثولة لعوالم غير مفرحة لما يعانيه الشاعر الأكثر حساسية لما يُحيط به مما هو معاش , يحسبه المدجَّنون حياة , فالحلم والرومانسية لايريدهما الأشرار كوناً يُعاش , لذا يستمرون وكعادتهم في إطلاق الأسهم الأكثر إيلاماً إلى وعلى قلبه الشفاف الطيب , ولا يُضّيقون عليه النفس والتنفس فقط , بل أيضاً يحاصرون حياته , وذلك باستمرارهم في قتل العصافير وإيذاء الأشجار وقتل كل ما هو أخضر وحيي , ولكنه رغم ذلك يسانده حزنه وكمنجاته على الاستمرار في الحياة 0
(( ليس للحب سيفٌ أخيرٌ
سوى ما يقطع أوردة الروح
في ذروة الهذيان
فوق ندامة ِ ثلج ٍ حزين
فكيف أدثر ُ روحي من البرد
وكيف ألاعب ُ تلك العصافير ؟
وهي تشققُ قمصان َ زرقتها
كأن مايجيءُ مع الليل ليس السواد
يفيضُ بمعناهُ بين النوافذ مثل الغريب
وحده الحب يمشي لزواية في الجدار ))
فالحب مخفور ويلطي إلى زوايا الأمان , ولا مأمن للروح سوى بالهديل , والهلال سيد المطلقات يعب أحزانه ويغيب , ويظل القلق والتواتر هو لجام الروح الأبدي , رغم امتلاء الأرض بالألم الدفين , والحروف بكاء الروح ( تبكي على وتر الرباب ) فالجملة عند الشاعر حسية تكاد تتفرد بآدميتها, والكون محزون بأوجاع الناس , والمفردة مشدودة بوتر الروح , لذا كل ما حوله صهيل من أوجاع , والحروف تتناغم على أوتار النايات المبحوحة , ولم يعد الرباب سيد الصحراء , بل جاء ليلوي عنقه في مساءات القرى , ( فطالب همّاش ) الشاعر , هو نادب الحياة الأحزن , والرَثــّاء0 صارت تضيق به الجملة المتواترة الأكثر إيلاماً , فلو صدّقه الأهل , حتماً ستخونه الحياة 0
(( لماذا إذن يا أبي
تركتَ النجوم لتحرسَ حزني
وأرخيتَ كلّ المواويل يوماً عليْ ؟
لماذا إذن يا أبي
بكيتَ ولم يرجع َ القمح ُ من عمرنا
وكتبتُ الرسائل َ مني إليْ ؟ ))
فلم يبق إذن سوى اليأس وانتظار القادم المجهول , وهل للريح سوى ما يطرب النادبات , وكيف تروم حمامات الصبح روحه في الصباح , وتنثر على أشجار الزيزفون أحزانه في المساء , لم يبق سوى اللون إذن لنرش على مسامعه خفايا الحروف , فاللون الأخضر مهزوز , والأرجواني متعطش للندى , والأصفر بحة القصب في رئات الفواصل وليكن ليس مهماً ما دام الشاعر يمشي حافياً على العشب , تتصيده غزالات المدى والصحارى , ولا بأس أن يخيم البدو على ضفاف واحات الروح , أن النفي لم يصحر روحه , حين حماهُ الشيحُ والنيتول وقطا السراب المدجج بجعلان الزمان , وضواري الفلاة , ودعهم على آرائكهم ينفوننا لأمنا الأرض , وما هم طالما الداخل يصهر الذات بنزف طيور البراري , فلم يعد الدمع ُ يفيض ملحًا , ولا بكاء الرياح يشبه مزمار العدم 0
(( سألت ُ الصبايا عن الطير يوماً
فقلن َ الحمامات ُ مثل النساء ِ
ولكنهن ّ بدون ذنوب ْ ))
فالجملة هنا مصنوعة بيد ماهر , تركت الحمامات براءتهن والنساء لما هو آدمي , فكيف تخضر روح الشاعر بغير البشري , وتظل الخطيئة كينونة بشرية 0
((يا عازف َ المزمار ِ
شرّدني وراءكَ في القفار ِ !
فإنني شارفت ُ أن أبكي
على باب ِ المدينة كالغريب ِ
مفارقاَ هذي الديارْ
فأنا الغريبُ بلا رسائلَ أو ديار ْ !
يا ليتني أيقونة في الليل ِ
يملؤني المسيح ُ بحزنه ِ
ويفيض ُ في معناه ُ بين جوانحي
يا عازف َ المزمار ِ شردّني
أنا المولود ُ من ذرف ِ الدموع ِ
على التراب ِ ,
ومن أغاني المهد ْ
مرّت على وجهي يد ُ الريحان ٍ دافئة
يا سيد َ الأحزان ِ أثكلني حبيبيْ
الأرض ُ موحشة ٌ بدون يديه ِ
والأيام ُ باكية ٌ كتمثال ٍ ضرير ْ
دعني أحك ُّ بقبره ِ النائي
جدائل َ شعري َ السوداء
واتركني جريح َ الروح ِ
نواحاً على وتر ِ الهجير ْ !
تركوا السواد َ لليلتي
وتراجعوا نحو الفراق ْ
سأعول ُ ما نبحت ْ ذئاب ٌ في دمي ْ,
وأنوح ُ ما ناح َ الحمام ُ على العراق ْ !
لو كانَ أنك َ ثاكلي
لرفعت ُ صوتي َ بالبكاء ِ على الليالي ,
واستعرت ُ من الحمام ِ الحرّ حنجرة الهديل ْ
وبكيت ُ طول َ العمرِ من غابوا
ومن أيامهم في الأرض ِ أضرحة ٌ
وغربتهم تراب ُ
أنا نأمة ُ الصوفي ِّ في حزن اليمامة ِ
تُنكر ُ الأحزان ُ أرداني , ويألفني الغياب ُ ))0
* طالب همّاش – شاعر مهموم بالشعر والأحزان , وهو من الشعراء القلائل اللذين يعجنون الحروف بدمائهم , ويتقون آلام الحياة بأرواحهم , صدرت له المجموعات الشعرية التالية :
* 1 – نبوءة الثلج والنيل – دار الذاكرة – 1997
2 – آخر اسراب العصافير – وزارة الثقافة السورية – 1999
3 – راهبة القمح الحمامة – اتحاد الكتاب في سوريا – 1999
4 – كأني أمومة هذه الحياة – دار أرواد – 1999
5 – عم مساء أيها الرجل الغريب – اتحاد الكتاب في سوريا – 2000
6 – كآخر بيت في مرثية مالك – وزارة الثقافة السورية – 2000



#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العيد الأ تعس هو الكذبة الكبرى
- الدين وأتباع الله
- أحلام مستغانمي , وأوطان تنتسب إلى الصبيان
- العودة إلى المستقبل
- حمزة رستناوي , وطريق بلا أقدام
- ناجي العلي – ثمة سؤال
- مظفر النواب, النورس الحالم
- فريد الغادري يدعو لطرد العلويين من دمشق
- الأبتر
- رسالة اعتذار إلى مطربة الملائكة فيروز
- الديمقراطية والأديان عبر التاريخ
- أجنحة وفاء المتكسرة
- الحادي عشر من ايلول إنه ليوم عظيم
- كتب الغربة أقاصيصاً , ويكتب الآن قصة الوطن
- إذا كانت الأديان لله لماذا لا يوحدونها على الأرض ؟
- قدمان مائيتان
- نجيب محفوظ والفراعنة
- مأساة امرأة
- طير أوجعه ليل ُ الصيادين
- الحوار المتمدن وأصحابه الأخيار


المزيد.....




- الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب
- الفيلم الفلسطيني -الحياة حلوة- في مهرجان -هوت دوكس 31- بكندا ...
- البيت الأبيض يدين -بشدة- حكم إعدام مغني الراب الإيراني توماج ...
- شاهد.. فلسطين تهزم الرواية الإسرائيلية في الجامعات الأميركية ...
- -الكتب في حياتي-.. سيرة ذاتية لرجل الكتب كولن ويلسون
- عرض فيلم -السرب- بعد سنوات من التأجيل
- السجن 20 عاما لنجم عالمي استغل الأطفال في مواد إباحية (فيديو ...
- “مواصفات الورقة الإمتحانية وكامل التفاصيل” جدول امتحانات الث ...
- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...
- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عايد سعيد السراج - طالب همّاش . شاعر الكمنجات الحزينة 0