عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7876 - 2024 / 2 / 3 - 02:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
على مدى عقود من السنين تعثرت في الأجابة على سؤال طالما شغلني: كيف لشعوب ومجتمعات طورت ثقافات حظيت باحترام وأعجاب شعوب العالم، كالشعبين الألماني والأيطالي، أن تنساق في مراحل معينة الى الأنقلاب على منجزاتها الحضارية وتتبني أفكارا وأيديولوجيات ليست أنسانية كالنازية والفاشية؟
التحليل الطبقي الذي كنت أعتمده في بحثي عن الأجابات على الأسئلة الأجتماعية، والذي يربط مثل تلك التغيرات بالمعضلات الأقتصادية التي تنتجها علاقات الأنتاج الرأسمالية، لم يقدم لي أجابات شافية، وظل السؤال الحارق يشغلني:
كيف لمجتمعات حققت أنجازات، فلسفية وعلمية وأبداعية في مختلف المجالات، هي الأكثر تطورا على مر التأريخ، أن تنحط الى فكر بهيمي يتعامل مع الناس من منطلقات بيولوجية محضة، تركز على الأختلاف بين الأعراق، باعتباره عاملا حاسما ومقررا في مكانة الأنسان وقيمته؟
ولا أدري هل كان من حسن حظي، أم من سوء طالعي أنني عمرت سنينا طوالا مكنتني في أخرها من أن أعيش في أحد المجتمعات الأوربية، فترة تحول تشبه في بعض جوانبها بدايات أنتصار النازية والفاشية في أوربا قبل تسعين عاما. وأن أتابع مذهولا التحولات السريعة فيه، من مجتمع بدا حين أنتقالي إليه، نموذجا للعلاقات الأنسانية والأنفتاح، إلى مجتمع تنتعش فيه غوغائية التفوق العرقي، والكراهية للأغراب، وللعرب والمسلمين منهم على نحو خاص.
وقد أوصلني هذا إلى خلاصة تحتاج بالتأكيد إلى تأصيل نظري وتدقيق، وهي باختصار: أن نجاح مجتمعات أوربا وأمتداداتها في شمال أمريكا وأستراليا ونيوزيلاندا في تطورها الذي قام في بداياته على غزو الشعوب الأخرى، وإبادة بعضها واستعباد بعضها الأخر، بما وفر تراكما أقتصاديا، جر بدوره إلى تطور أقتصادي وعلمي، قد رسخ في لا وعي الأوربي، سواء عاش في أوربا أو أمريكا أو أستراليا أو نيوزيلندا أو في أفريقيا، قناعة معلنة أو مضمره، بأنه ينتمي إلى فصيلة أرقى من البشر. وأن من حقه أن يضع قوانين تطور الحياة على كوكب الأرض كونه هو لأكثر تأهيلا لتطوير الحياة، وأستخدام مواردها المادية والبشرية بما يخدم حضارته.
هذه القناعة غير المعلنة في أغلب الأحيان والمغلفة بمظاهر من التواضع والتسامح وحتى الإدعاء بقبول التنوع الثقافي في بعض الظروف، تجعل من الأوربي مستعدا للتفاعل الإيجابي مع فكرة التفوق العرقي، والقبول بكل ما يبنى عليها من ممارسات منحطة، إن هي صدرت عن جهات ترتبط بالمجتمعات الأوربية أو تعمل لصالحها، وهذا ما تجلى في مواقف بلدان الأمتداد الأوربي الداعمة لجرائم الإبادة الجماعية والتطهير الإثني في فلسطين، والتعاطف الشعبي الأوربي مع مرتكبيها.
#عبدالله_عطية_شناوة (هاشتاغ)