أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - خليل الشيخة - في التشحير والتجريس














المزيد.....

في التشحير والتجريس


خليل الشيخة
كاتب وقاص

(Kalil Chikha)


الحوار المتمدن-العدد: 7844 - 2024 / 1 / 2 - 20:57
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


التشحير والتجريس
الجذور اللغوية لمفهاهيم حمصية
كان يسكن بجانبنا جيران أيام الطفولة في أحد الأحياء الشعبية ، وكان عندهم كثير من الأولاد ، فعندما تريد الأم أن تنادي على بنتها في الشارع، تمد رأسها من طرف الباب وتصيح حتى تسمعها الحارة كلها: يا مشحّرة.. فوتي لجوّة.(أي أدخلي).. ثم تتبعها بعبارة.. والله لأقول لأبوك ياحسن صبي.. ومرة نشبت طوشة بين هذه المرأة وبين جارة أخرى فصاحت بأعلى صوتها شاتمة تلك الجارة : يامجرسّة.. ويافلتانة..
كنا نضحك ونحن صغار على شجار نسوان الحارة، لكن لم أستطع أن أفك شيفرة فلانة مشّحرة وأخرى مجرسّة. وعرفت فيما بعد أن هاتين العبارتين يمكن أن تطلقا على المؤنث والمذكر. فيقال فلان مشحّر أو فلان مجرّس. سألت في شبابي أحد عجائزالعيلة عن معنى هذه الألفاظ، فجاوبني ضاحكاً. أنها قصة ترتبط بالتاريخ العثماني القديم وسياسته حيال الناس في محاكمة المجرمين والمعارضين له. بشكل عام، فإن التشحّير يساوي التجريس، فهما عمليتان تفيد التعريض والذم بمن يخالف أو يعارض قانون السلطان أو الوالي.
فمن كان يسرق أو يعارض أو يغش، يضعه صاحب الشرطة على جحش ويكون ركوبه بالمقلوب، أي يمشي الجحش في جهة ووجه المجني عليه في جهة أخرى، ويطلى وحهه بالشحّار فيصبح أسود .
والشحّار هو مادة الكربون ناتج عن نقص في أحتراق الأخشاب، فكما هو معروف فإن إحتراق المواد العضوية ينتج عنه بخار الماء وثاني أكسيد الكربون، أو أول أكسيد الكربون والحرارة والكربون الذي يتجمع على أطراف الموقد. فيأخذ هذا الشحّار ويطلى كما قلنا وجه المخالف لمراسيم السلطان أو المخالف للعرف. ويُدار في الحارات على حمار أسود مثل وجهه. ويجر الجحش رجل يعيّنه الآمر، ينادي بأعلى صوته : ياناس وياهو.. هذا قد فعل كذا من الغش والسرقة أو الجريمة.. فيتوافد الناس حاملين ماتيسر لهم من خضار معفنة يضربونه بها وخاصة البندورة. ومايصل الرجل لبيته أو السجن في آخر النهار حتى تزين بكل أنواع الخضار المعفّنة أو البيض الفاسد. هذه التعريض هو نوع من الردع والفضيحة، ويظل التشحير واسوداد الوجه يتبعه طوال عمره. فيما بعد، لا أحد يتعامل معه وتستنكره الناس. ومن هنا أتى اسوداد الوجه، إذا يقال فلان سوّد وجهنا، أو لقد أسود وجهنا أي طلي بالشحار، وهذا عكس ابيضاض الوجه. أي وجه نظيف ليس فيه شحّار ولم يلحقه عاارُ أو عيبٌ.
أما التجريس فهي عملية مشابهة. فمن فعل العيب وخالف العرف، يركبونه أيضاً على جحش أسود بالمقلوب ويضعوا في عنق الحمار جرس يطنطن على مشية الحمار وتسمعه الحارات ويفعل الناس بهذا المجرّس كما يفعلون بالمشحّر، برجمونه بما تيسر لهم من بيض وخضار تالفة. كان هذا نوع من العقاب في العهد العثماني وحتى في عصر المماليك. وقد تحدث المقريزي عن عقوبات أرذل من ذلك يقف لها شعر الرأس.
وفي العودة على مفردة المشحّر والمشحّرة، ففي الغالب يتحول هذا المشحّر لإنسان مسكين لايرفع عينه في وجه أحد بعد تلك الفضيحة المجلجلة، وفي الغالب يصبح بلا عمل ولايحتمل حتى قوت يومه. فيصبح كما قلنا من المساكين المشردين يرمي له هذا بلقمة وذاك برغيف. أي يصبح مثل دراويش الحي. وهنا تغير المفهوم مع مرور الزمن فلم يعد معنى المشحّر أو المشحّرة مرتبط فقط بإسوداد الوجه، لكن أصبح لها معنىً مرافقاً للمعنى الأول ومغايراً له. ففي مدينة حمص أصبح المشحّر هو الإنسان المسكين، أو الانسان الفقير الذي لايقدر حتى على إطعام نفسه. فيقال فلان مشحّر أي مسكين يستحق الصدقة. أما مفهوم المجرّس بقي على حاله، فهو الإنسان الذي لحقته الفضيحة والعار. وعندما كنت في زيارة طويلة لحمص، كنت أتابع هذه المفاهيم اللغوية التي يتداولها أهل الأحياء الشعبية القديمة ، وكان معظهم لايعرف معناها أو جذورها التاريخية، وكنت أبحث عن أصولها.
بمعنى آخر، قد يتوقف المجتمع عن ممارسة عادة متبعة لسبب ديني أو تطور إجتماعي، لكن تظل الجذور اللغوية عائشة أو حية بين الناس يتداولونها دون معرفة امتداداتها التاريخية.
كانون نثاني- 2- 2024



#خليل_الشيخة (هاشتاغ)       Kalil_Chikha#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معرض القرد والضبع
- علي الخليلي والفجر الأدبي
- قمة عربية اسلامية مباركة
- نادي الصداقة العربي الأمريكي
- القدس عروس عروبتكم
- توتي وفروتي
- صطّوف ولطّوف
- النملة والصرصور
- الثعلب والدب
- رواية ابن البلد
- تاريخ خزانة الماء
- أحذية أداديس
- الله والفقر
- احترم نفسك أولاً
- مذكرات أبنة الدكتاتور
- عقم مجادلة الملاحدة
- ممنوع التصوير مع الحمير
- رواية وفيلم الخروج
- ديفد كوبرفيلد
- الصهيوني إفراهام ستيرن


المزيد.....




- -تساقطت أبنية أثناء سيرنا-.. سيدة تروي لـCNN مشاهد في تل أبي ...
- الجيش الإسرائيلي: استهدفنا مقرات قيادة لـ-فيلق القدس- والجيش ...
- فيديوهات متداولة: منظومات الدفاع الإسرائيلية تقصف نفسها!
- شركات تطالب الاتحاد الأوروبي بسياسة مناخية مستدامة وأكثر وضو ...
- انخفاض الرصاص يحسن ضغط الدم وعمل عضلة القلب
- ‌‏هيئة -أمبري- البريطانية: إيران هاجمت البنية التحتية لميناء ...
- Ynet: أحد الصواريخ سقط قرب مكتب السفارة الأمريكية في تل أبيب ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات جوية على مقرات لفيلق القدس في ...
- البيت الأبيض: ترامب سيلتقي زيلينسكي على هامش قمة مجموعة السب ...
- بزشكيان: الولايات المتحدة تمارس البلطجة وتخالف القوانين الدو ...


المزيد.....

- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - خليل الشيخة - في التشحير والتجريس