أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد المسعودي - نقد سلطة المعرفة .. الحداثة والتراث في مقاربة جديدة















المزيد.....


نقد سلطة المعرفة .. الحداثة والتراث في مقاربة جديدة


وليد المسعودي

الحوار المتمدن-العدد: 1743 - 2006 / 11 / 23 - 10:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تتحدد سلطة المعرفة في المجتمعات العربية الاسلامية من خلال وظيفة الفاعل الاجتماعي ذي الوجوه المتعددة والذي يشمل السياسي والثقافي والاقتصادي ، بحيث يغدو المجتمع ذاته غير قابل الي تمثل المعرفة إلا ضمن سياقات النموذج السائد ضمن ذلك المجتمع ، فإذا كان طابع المعرفة مؤسسا دينيا من خلال المهيمن الاجتماعي لرجل الدين داخل المجتمع من خلال إرتباط الاخير بالسلطة السياسية والثقافية والاقتصادية ، فأن نموذج المعرفة يغدو مكونا ضمن سياقات تبثها الحقيقة المؤدلجة دينيا وضمن مصالح ومنافع التيار السياسي الديني ، كذلك الحال ضمن السياق الشمولي للمعرفة المؤسس من خلال نموذج الدولة ذات الطابع النهائي للمعرفة والحقيقة والتي تم استنساخها لدي اكثر الدول العربية والتي تشي بطابع هيمنة الاستبداد متمثلا بدور الفرد الواحد والحزب الشمولي الوحيد داخل نظام الفعل الاجتماعي والسياسي لدي هذه الدول ، وهكذا في كل الاحول تغدو للمعرفة سلطة نهائية مبثوثة ضمن تيار الوعي السياسي الديني او العلماني المؤدلج ضمن خيارات طرد الدين من المجتمع بشكل ايديولوجي صرف بعيدا عن اهمية التقديس في حياة المجتمعات البشرية برغم سوء الاستعمال الرمزي لذلك التقديس علي مر العصور من خلال المهيمن السياسي الديني .
ان المجتمعات العربية الاسلامية تخلو من سيطرة الابعاد الثقافية التي تشي بطابع الاختيار الحر والممهنج ضمن سياقات التطور التاريخي الزمني لدي هذه المجتمعات وذلك لكون الفعل الثقافي وعملية إحداث لغة جديدة من الفهم والتقبل والتجديد غير مؤسسة في ذهنية هذه المجتمعات بفعل انعزالها عن كل ماهو جديد ، بحيث اصبحت الذات تعاني الاغتراب بين تاريخها الثقافي ومنجزاتها الحضارية في الازمنة الغابرة وبين المنجزات الحديثة التي انتجتها الحضارة الغربية ، حيث لم تأت الحداثة الي مجتمعاتنا إلا وهي مصاحبة لوجود الاحتلال المباشر من قبل القوي الامبراطورية السلطوية المؤسسة لمناذج ثقافية ترتبط بالضرورة بمصالحها وما تملك من جاهز ثقافي معين من شأنه ان يدعم المصالح الاقتصادية لديها ويفتح الابواب امام اسواقها وتجاراتها ومن ثم تكوين فائض قيمة مستمر ومزدهر بشكل دائم ، هذا ما بدأته اكثر الامبراطوريات الاستعمارية الحديثة ، فالحداثة العربية في نهضتها الاولي بدأت مع الاحتلال الفرنسي لمصر الامر الذي جعل المجتمعات العربية الاسلامية تنتبه الي تعثر الزمن لديها وتكلسه ضمن قابليات واحدة ووحيدة في التفكير والرؤية والتعامل الوجودي والاجتماعي ، حيث ظهرت الرحلات الاستكشافية للغرب الحديث حينئذ من خلال رفاعة رافع الطهطاوي الذي دهش كثيرا بما توصل اليه الغرب من تطورات ومنجزات حديثة استطاع الغرب المعاصر ان يحصل عليها ، وهكذا الحال مع الحداثة التي يراد لها ان تؤسس ضمن ازمنتنا المعاصرة التي جاءت من خلال الاحتلال ايضا والذي يحمل بدوره بوادر التغيير لدي المجتمعات العربية الاسلامية التي ابتليت بدول متخلفة وعاجزة حتي عن تكوين رأسمال وطني مزدهر ومن ثمة إحداث عملية الاستقلال النسبي عن سيطرة الانساق التي يحملها السلطوي العالمي المرتبط بهيمنه الشروط الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية التي يمتلكها .
ان الطبقات التي تحكم نماذج المعرفة في مجتمعاتنا منها نستطيع ان نحددها من خلال ثلاث طبقات ، الطبقة الاولي للثقافة ماهو مترسب لدي الذاكرة المجتمعية بفعل الديمومة الطويلة للثبات القيمي والفكري الذي لايدعو الي التغيير بقدر ما يؤسس الجمود والمحافظة الداخلية وهذه الاخيرة لا تحتوي القدرة علي الفهم بشكل تاريخاني مدرك بقدر الارتباط بقدرة الافراد علي الاحاطة والشمول والتأثير في مقدرات الافراد عموما بدءا بالاسرة وما يفعلة الاب من تأثير سلطوي شمولي ضمن خلية العائلة العربية وانتهاء بالزعيم الاوحد الذي يغرق الحشود ضمن ثقافته واطاره ونموذجه .. الخ ، هذه الطبقة تعمل علي إحداث وعي زائف شعاري مؤدلج علي اكثر الافراد داخل المجتمع ، اما الطبقة الثانية للمعرفة فتكمن بقدرة الهامش الفكري والثقافي للحديث غير المؤصل فية رغبة الذات في المساءلة والمحاكمة بقدر الاندماج والتماهي مع الصور المنجزة خارج نسق الذات والمرتبط بالذات الغربية الحديثة ، هذه الطبقة تكاد تغلف الاكثرية المجتمعية ضمن بيئة بشرية معينة ، هذه الطبقة المعرفية تشكل حضورها من خلال سيطرة الهامش المعرفي الذي تبثه اكثر المؤسسات الثقافية التي تغيب الواقع الاجتماعي وما يحمل من استلاب وعجز بشري من حيث التغيير والاصلاح ، هذه المؤسسات تؤكد خيارات معينة في المعرفة والسلوك والاختيار من خلال واجهات او لافتات ترتبط بالفن والرياضة والازياء .. الخ.

الوعي والمجتمع

هناك الطبقة الاخيرة غير مشكلة بشكل حقيقي وناجز تحاول ان تدشن وعيها داخل المجتمع من خلال الانجاز الذاتي للافكار والايديولوجيا والتصورات والاطر المعرفية ، هذه الاخيرة تحاول ان تحدث تراتبا معرفيا متوسطا بين الثقافة التي يملكها المجتمع مع الغربلة وممارسة النقد والتجاوز لكل ماهو معطل لتشكيل الخيار المجتمعي الانساني من معرفة وحقيقة وبين الشكل الحديث المؤسس من خلال التلاقح والتطابق المعرفي المنجز بشكل نقدي عقلاني مدرك من قبل الذات المجتمعية ، وهذه الاخيرة لايمكن ان تؤكد دورها من حيث التأثير والقبول المجتمعي إلا من خلال زحزحة الشروط التي انتجت الطبقتين الاوليتين برغم صعوبة ما نقول بسبب سيطرة التاريخ السلطوي لكلا الشكلين الامر الذي ادي الي تجذير الفراغ المعرفي والثقافي داخل المجتمع من خلال وجود القطائع المعرفية مع مبتكرات الذات بشكل معرفي ثقافي وكذلك مبتكرات الذات الغربية من منجزات ثقافية ومعرفية .
ان عملية الزحزحة هذه لا تتم إلا من خلال تشييد المنجز المعرفي الجديد لدي الذات العربية الاسلامية من خلال الانتصار لجاهزية القرار السياسي لدي ارادة هذه الشعوب ، ومن ثم انبثاق الصور التي لاتؤسس التبعية والانصهار ضمن بوتقة الاخر بشكل عبثي غير مدرك من خلال تكوين الاطر المعرفية التي تتبني الفعل الثقافي الذي يؤكد نسبية الافكار والقيم داخل المجتمع ومن ثم يحدث منظومة جديدة من التسامح وتقبل الاخر الانسان بعيدا عن اطار الهيمنة والشمول المعرفي والقيمي ، هذا المنجز المعرفي مصاحب لمنجز سياسي اقتصادي داخلي يؤسس لتراتبيات تعمل علي الغاء الطبقات المعرفية التي تشي بطابع الشمول او تلك التي تؤكد الهامش او السطح بشكل غير عقلاني ومدرك من قبل الذات المجتمعية .

إنتاج التسامح يؤدي الى زوال
سلطة الاستبداد

التسامح كبنية اجتماعية قائمة علي الاعتراف بالانسان وجدت مع المجتمعات الحديثة من حيث المضمون والمحتوي ، وذلك بعد عقود طويلة من الصراع بين القوي القديمة التي تدعم شكلا ثابتا من المعرفة والسلطة يسوغ المكتسبات المادية التي تحصل عليها ، وبين القوي الجديدة التي تجد في التسامح كبنية تعامل وجودي من الممكن ان يقود الي اشكال مختلفة وأكثر استيعابا لحاجات ورغبات الانسان ، كل ذلك تم في اوروبا إبان نهضتها الحديثة بين القوي التي كانت تدعمها طبقات الاقطاع والنبلاء ومن يقف الي جانبهم من الكهنوت ، طبقة رجال الدين الذين يفضلون دائما عناصر المحافظة والركود علي عناصر الحركة والتغيير وبين الطبقة البرجوازية الصاعدة التي انتجت الحريات وكانت مثالا كبيرا لمفاهيم حرية الرأي والفكر والعقيدة ، وجد من يتمثلها ضمن قواعد اجتماعية وثقافية مدعمة من قبل مجموعة من الكتاب او الاجيال الفكرية متمثلة بفولتير ومونتسكيو وروسو في فرنسا ولوك وبيركلي وهيوم في بريطانيا وغيرهم من المجاميع الكتابية التي دعمت كثيرا الطبقة الناهضة وعملت علي توفير الاجواء الحديثة لثقافة التسامح بمعناها الحديث . هذه الثقافة وجدت ضمن آلية حديثة اتبعتها اكثر الدول الاوربية من اجل تمرير الوازع الكبير بالنسبة لهذه الثقافة الا هو حرية التجارة ، وهذه الاخيرة عبرت القيم وعملت علي انتاج الاستبداد خارج المجتمعات التي لم تؤهلها مجمل الظروف المحيطة بها من سياسية واقتصادية وثقافية ان تغدو منافسة لثقافة التسامح المسوغة من قبل الطبقة البرجوازية الصاعدة ، بحيث عملت هذه الطبقة كنموذج حداثي في اوربا علي تصدير الهيمنة الي البلدان والمناطق غير المستكشفة بعد من حيث منابع الثروة والخيرات التي تفضلها كثيرا هذه الدول الصاعدة ويمكننا ان نعطي مثالا علي ذلك في بداية تأسيس الحريات الاولي الا وهو المتعلق في كيفية تعامل الامبراطورية الاسبانية مع الاقوام التي تم السيطرة علي بلدانها فها هي تعمل علي رفع الحواجز من اجل تجارتها بقوة السلاح واصفة ذلك بالحق الطبيعي الذي وهبه الله الي المجتمع المتمدن اي المجتمع الحديث متمثلا بالامبراطورية الاسبانية ومجتمعاتها وما كان نصيب هذه المجتمعات اي في الامبراطورية هو التسويغ بأن هذه الاقوام بدائية وتشكل مصدرا مقلقا لمصالحنا ومن ثم ما يجب فعله هو شن الحرب والغزو والسيطرة ، ذلك منطق الامبراطوريات المتتالية من فرنسية بيريطانية وامريكية في زمننا المعاصر حيث نجد المجتمع الامريكي ضمن طبقاته يعي ان امريكا تريد نهب الخيرات والثروات ولكن هنالك ما يسميه جومسكي بصناعة الموافقة والتسليم لدي الوعي الامريكي الحديث حتي يظن بشكل صادق انه يحمل مهمة " ابو ناجي " القديمة المرتبطة بخلاص العالم وبناء الاسس الجديدة القائمة علي الحرية والتسامح وبناء منظومة من القيم تسهل تمرير المصالح والغايات لدي الطبقات الناهضة .
ذلك منطق التسامح ، ولا ريب انه يحمل لدي المجتمعات الحديثة الكثيرمن الايجاب والمكتسبات المتعلقة بالتمدن والعصرنه وبناء الانسان ضمن منظومة السلطة القائمة علي توزع المعتقدات بشكل يضمن التعايش والقبول وتأسيس جوانب الانسنة في ما بين المختلفين عقائديا وفكريا واجتماعيا ، ولكن للنظر الي المسألة بشكل أعمق من خلال قدرة الامكانات المادية المتاحة هل تستطيع هذه الامكانات المادية في مجتمعات يسودها الفقر والجوع والعوز ان تنتج ثقافة للتسامح؟ اليس هذه الاخيرة قائمة بالدرجة الاساس علي مجتمع استهلاكي وذي" فم مفتوح" كما يعبر اريك فرم في ذلك اي مجتمعا مرحبا لكل ماهو مستطرف ودنيوي يؤدي الي زوال سلطة الاستبداد المادي المباشر من قبل الدولة لينتج في ما بعد سلطة جديدة من التعامل متمثلة بسلطة التسامح التي تبثها المؤسسات ، وهنا مؤسسات يتحكم بها الافراد المالكين للثروة والامكانات المتاحة ، هذه المؤسسة تجعل الافراد والمجتمعات في عزلة ليست مادية وانما عزلة معنوية عن التفكير الجيد والاصيل وعن الاشكال غير المرتبطة بالزيف ، ومثالنا علي ذلك مؤسسات الثقافة والاعلام والفضائيات المعاصرة التي تتحكم بسلوك الافراد ومن ثم تنتج العزلة المعنوية ، وذلك بشكل نسبي وليـــــس ضمن دائرة المطلق .
ان التسامح إذا تمثل ضمن مؤسسات ومجتمعات غير منتجة للقوالب الثقافية ســــــــوف يقود الي ولادة كل ماهو جديد مرتبط بقــــــــدرة الانسان علي المزيد من الحركة والتحـــــــرر ومن ثم لايعد ذلك الاخير اي التحــــــــرر تابعا للامكانات المادية المتاحة ، بحيث يتوفر لدينا الرفاه والعقل والتغيير ضمن سلسلة دائمة من الامكانات الوجودية البشرية غير المرتبطة بنفي الانسان من خلال الاغتراب الذي يسببه تأثير وقدرة رأس المال وسيطرته علي المجتمعات التي تعيش الي جانب الهوامـــــش والاطراف ضمن سلم المجتمع .
ان مفهوم التسامح الذي نطرحه يعمل علي ذوبان سلطة الاستبداد ويعمل علي ذوبان سلطة المؤسسة التي تباشر الانحسار علي وعي الانسان معرفة وسلوكا وخيار ثقافيا ومن ثم هنالك القواعد الدائمة للبناء والتغيير ، وذلك التسامح في مجتمعاتنا بحاجة الي الانبثاق الاولي لثقافة الحريات كسلوك دائم ومن ثم يتم السعي الي ولادة المجتمع العقلاني ، المتطور خدمة لاكثر الطبقات داخل المجتمع وليس خدمة لاقلية معينة تنتصب ضمن سلم السيطرة والتحكم بجميع مجريات الوجود الاجتماعي والثقافي لدي الانسان ، بالرغم مما نعانيه من فقدان حقيقي لمنابع التسامح بشكلها الحديث المرتبط بالاعتراف بالهويةالفردية والثقافية لدي الفرد ، في مجتمعات اثقلت تاريخيا بنماذج الحضر وتأسيس تابوات من الفوضي العقائدية شملت الكثير من الحشود والجماهير .ان ثقافة التسامح بحاجة الي تكوين مجالات متعددة كي تسود وتواصل حضورها داخل مجتمعاتنا المختلفة والمؤدلجة سياسيا وثقافيا نتيجة التبعية لمختلف النماذج التي يقودها الافراد ويشكلون وعيهم من خلال جاهزية المكتسبات والخيرات المادية فحسب ، هذه الثقافة تعمل علي ضمان وصول الافراد الي مستويات من الثقة الاجتماعية بالافكار والقيم ومن ثم كل ماهو مصدر للعنف والاقصاء ينتمي الي دائة النبذ والرفض بعد ان يتم هضم المختلف عقائديا وسياسيا من خلال قدرة الامكانات المتاحة وشمولها بالمســــــــتوي النسبي لدي الافراد عموما .


الحداثة والتراث في مقاربة جديدة


يعد الكلام عن الافكار داخل المجتمعات التي عطل فيها دور العقل والسؤال امرا يدعو الي الرفض والادانه ، وذلك لان الكلام عن الافكار يعني تقسيم العالم الي صور ومدركات وعناصر تسجل الحضور لدي مخيلة الانسان ومن ثم هنالك القدرة علي الزحزحة الداخلية التي تجري داخل الذهن ، هذه الزحزحه تتعلق بما هو سائد ومباشر اجتماعيا بشكل سلبي وغير قائم علي العقل ، وهنا لنتساءل عن القدرة علي الكلام والتأثير المجتمعي للفكر كل ذلك يتم من خلال تحديث الافكار الاجتماعية ام ترسيخها اي تأبيد عوامل ومحركات انبثاقها الاولي وما جري من قراءة مستمرة ومتغيرة لهذه الافكار التي تحيط وتشمل المجتمع اي من خلال قراءتها بشكل لايخدم التجديد ، وانما إضفاء الهيمنة الوجودية لدي جاهزيات مطلقة يسوغها السياسي الاجتماعي السائد ضمن زمان ومكان معينين ؟
ان الحداثة من الممكن ان تجر المجتمع الي الركون الي مطلقات لا تؤسس الخيار الاجتماعي ، وخصوصا اذا كانت هذه الاخيرة غير مرتبطة بالذات ومدي تردداتها نحو التجديد اي انها حداثة فوقية لا تمت بصلة للجاهز الاجتماعي بحيث يكون الشكل السياسي الاجتماعي الجديد مشوها او حاملا للفوضي كما هو ماثل لدينا في العراق من خلال جاهزية الديمقراطية التي عبرت الينا بشكل قاري (القارات) اي من خلال قدرة الهيمنة التي يبثها السلطوي الجديد وما يحمل من تراتبيات قيم معينة يراد لها التأسيس والحضور علي حساب ذواتنا المحلية المصابة بعقد التاريخ السلطوي الاستبدادي ، من هنا نقول ان ذلك لايمثل حداثة ناجزة بشكل حقيقي ومشروع بل هو استمرار عبثي لترددات الغير ومن ثم يشكل غياب المشروع المحلي اشكالية كبيرة تدعو الي الاستعجال في تحقيقها مجتمعيا وليس من خلال قدرة الفرض الفكري المصاحب لقدرة السياسي السلطوي ، هذه الحداثة لا تشكل سوي تحديث عاجز عن إدراك التاريخ ومن ثم الخروج من السياج المغلق الذي يشمل جميع المحركات التي تسيطر علي قابليات انتاج الجديد بما يخدم المجتمع ولايؤسس الارتداد او الرفض والادانه ، وذلك لان الافكار إذا اريد لها الانبثاق والصيرورة ، ومن ثم التواصل بشكل مستمر ينبغي لها ان تكون غير مؤسسة في مجتمعات تعاني القطيعة النهائية مع تراثها والقطيعة النهائية مع الحداثة التي ينجزها الاخرون ، كل ذلك يؤدي الي ضياعنا ومن ثم الانزواء ضمن بوتقة الاخر وتمثل السطح لديه وليس تمثل الذات بشكل واع ومدرك ومميز وقادر علي تشكيل الاطار الاجتماعي السياسي الجديد .
ان الحداثة لا تتم إلا من خلال تتريث العالم بشكل يدعو الي السؤال والتغيير اي الدخول الي التراث والحداثة معا من خلال قدرة الذات الصراعية المتحاورة والمتكاملة والتي لا تشوبها عوامل الرفض والانغلاق ومن ثم القدرة علي صياغة وبلورة الجديد المؤسس اجتماعيا ، كل ذلك قائم علي ماهو سياسيي ثقافي واجتماعي ناجع وغير مرتبط بمجمل التشوهات التي ترسخها التبعية والانغلاق علي العالم الداخلي لدي المجتمع ، فمجتمعاتنا العربية الاسلامية بعد (دولة الاستقلال ) لم تنتج سوي التبعية المباشرة سواء لقدرة الزعيم المهيمن والحزب الشمولي او التبعية للاخر بشكل يلغي إمكانات الذات والقدرة علي التنمية الحقيقة غير المصابة بلغة التبجيل والزيف التي كانت تبث من قبل الدول بعد الاستقلال ، بحيث روجت الكثير من الاساطير حول الاخرين وحول الحداثة ذاتها ، بأنها استعمارية برجوازية ينبغي استئصالها ومحوها من المجتمع وهكذا بدلا من ان تظهر قيم المجتمع المدني المتسامح الذي تسوده الحريات بمختلف اشكالها المتعلقة بالمعتقد والضمير والرأي والسلوك والاختيار ظهرت لدينا قيم الحزب الطليعي الذي يقود الجماهير بشكل حديدي صارم ، وهكذا الامر الذي ادي الي تعطيل الحداثة والتطور المجتمعيين من خلال جاهزية الشمول القيمي المطلقة التي عملت علي ترسيخها (الدولة القومية ) التي عملت علي تمجيد الذات بشكل دعائي زائف من خلال هيمنة الخطابات الحزبية التي يروجها المتنفذون في مجال الاعلام والثقافة ضمن الدائرة السلطوية لطبقة النظام او السلطة ، بحيث كانت هذه الاخيرة منقسمة من حيث ظهورها الاعلامي بين الشعارات والمفاهيم التي تبثها بشكل إزدواجي عن الحرية والتقدم والوحدة .. الخ وبين تعاملها المباشر مع مجتمعاتها من خلال لغة الاستلاب بمختلف اشكاله السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
فالتراث اليوم يشكل غيابا محضا عن ذاكرة المجتمعات وما موجود لايمثل ذلك التراث بقدر ما يمثل ذلك الفراغ الذي عملت علي تأبيده السلطة الشمولية داخل المجتمع ، وهنا لانقصد ان سلوك المجتمع لا يتحدد من خلال محركات الهامش او السطح من التراث بقدر ما نقصد ، انه لا توجد هنالك آليات للفهم والاستيعاب لطبيعة ذلك التراث ومدي تغلغله في الذاكرة المجتمعية بالشكل الذي لا يكون لدينا صورة ضبابية غير مدركة عن ذلك التراث ومن ثم يصبح مع مرور الزمن وكأنه غير منجز بشكل تاريخاني اي لا يشوبه تأثير الازمنة والامكنة والمتغيرات الاجتماعية والسياسية ، وهكذا مع الحداثة ذاتها اي انها تدخل بشكل ضبابي سطحي غير مدرك وهامشي وتنغرز كجزء في سلوك الافراد والمجتمع فالاهتمام علي سبيل المثال بالازياء الحديثة كأختيار وسلوك مجتمعي لايتم من خلال الادراك للحديث منها اي تمثلها من حيث المنشأ والاصل بل من خلال الانزواء بشكل نسقي سلطوي علي وعي الافراد عموما وهكذا مع الظاهرة الاجتماعية التي تدعو الناس الي الاجتماع الديني حول قضية معينة فأنه لايتم من خلال تمثل الدين ضمن السلوك الجمعي بقدر ما يصاحب هيمنة الخطاب السياسي الاقتصادي الذي يغطي ويسيطر علي المجتمع من قبل الديني ، وهكذا نقول ان الدخول الي الحداثة لابد ان يرافقها الدخول الي التراث وقراءته اجتماعيا بشكل يدعو الي الحوار والصراع المنبثق من إرادة المجتمع بلا تخل لطرف علي حساب الطرف الاخر ، فعملية نبذ كل ماهو قديم يؤدي الي الوقوع في ايديولوجيا المنتصر الذي يريد ان يؤسس خياراته فحسب وعملية نبذ كل ماهو جديد يعني الوقوع ضمن شرك الذات المحلية المؤسطرة والخائفة من الاخر الذي يترقبها بشكل مستمر ، وهكذا تغدو العملية ذاتها مع القبول المطلق لكلا الحالتين .
ان الدخول الي الحداثة يعني الدخول الي الزمن المعاش ومن ثم تأسيس خيارات الانسان المعاصر المسيطر علي مجمل التطورات التي تحيطه بحيث يغدو الزمن ذاته ملكا حقيقيا لدي الانسان ، كذلك الحال مع التراث فالدخول اليه ينبغي ان يتم وفقا لذات السياق بلا قدرة لنفي نقيضه اي الدخول اليه وفقا لآليات الحداثة ذاتها من اجل ادراك العالم وتجاوز الكثير من الركود الذي اصاب ذواتنا من خلال لغة الحوار وصراع الاضداد بشكل سلمي تضمنه الدولة التي يسودها عقل التســـــــــامح وادراك العالم ضمن نسقية التــغيير والبناء المجتمعيين .



#وليد_المسعودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يمكننا تجاوز تاريخ الانغلاق في المجتمعات العربية الاسلامي ...
- التعليم وصناعة الخوف لدى الطلبة .. نحو تعليم عراقي جديد
- نحو تكوين فلسفة شعبية عراقية
- لحظة إعدام صدام .. نهاية الاستبداد في العالم العربي ؟
- خصائص تربية الابداع في المؤسسة التربوية العراقية
- جماليات الاحتلال
- الثابت والمتحول في انماط الاستبداد(الطريق الى مقاربة وطنية ت ...
- المعرفة العامة نسق ثقافي سلطوي
- المجتمع بين العقل والغريزة
- كتابة السلطة – سلطة الكتابة
- تاريخية العنف في المجتمعات العربية الاسلامية
- سلطة الايديولوجيا
- المصالحة الوطنية بين الوهم والحقيقة
- نحو رسم خارطة جديدة للمواجهة مع القوى الكبرى
- العلمانية المنفتحة - خيارا بشريا جديدا لدى المجتمعات العربية ...
- جاهزية الخطاب الفضائي محاولة لبناء مجتمع عراقي تواصلي
- الحداثة المسلّحة بأشكالها الثلاث
- العنف المنزلي .. سلطة ذكورية أم خضوع نسائي
- صورة أميركا في العراق
- الرأي العام وآيديولوجيا الدولة


المزيد.....




- بيان من -حماس-عن -سبب- عدم التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النا ...
- واشنطن تصدر تقريرا حول انتهاك إسرائيل استخدام أسلحة أمريكية ...
- مصر تحذر: الجرائم في غزة ستخلق جيلا عربيا غاضبا وإسرائيل تري ...
- الخارجية الروسية: القوات الأوكرانية تستخدم الأسلحة البريطاني ...
- حديث إسرائيلي عن استمرار عملية رفح لشهرين وفرنسا تطالب بوقفه ...
- ردود الفعل على قرار بايدن وقف تسليح
- بعد اكتشاف مقابر جماعية.. مجلس الأمن يطالب بتحقيق -مستقل- و- ...
- الإمارات ترد على تصريح نتنياهو عن المشاركة في إدارة مدنية لغ ...
- حركة -لبيك باكستان- تقود مظاهرات حاشدة في كراتشي دعماً لغزة ...
- أنقرة: قيودنا على إسرائيل سارية


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد المسعودي - نقد سلطة المعرفة .. الحداثة والتراث في مقاربة جديدة