أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادريس الواغيش - نوستالجيا: بين تاغنجا وصلاة الاستسقاء














المزيد.....

نوستالجيا: بين تاغنجا وصلاة الاستسقاء


ادريس الواغيش

الحوار المتمدن-العدد: 7813 - 2023 / 12 / 2 - 04:47
المحور: الادب والفن
    


نوستالجيا: بين تاغنجا وصلاة الاستسقاء
بقلم: ادريس الواغيش
......
في عام من الأعوام، لا أتذكره بالتحديد، انحبس المطر وجفت الأرض، وضرب الجفاف ربوع المغرب، ومن بينها حقول قريتنا "أيلة"، فهلك الحرث والنسل. لم نكن نملك يومها مذياعا ولا تلفزة في القرية، ولا كنا نعرف شيئا اسمه الأرصاد الجوية. كل ما فعلناه، وبشكل عفوي، كان بسيطا، توسلنا إلى الله رب العالمين، "عملنا النية" ودعوناه رافعين أكفنا للسماء أن يسقينا، فاستجاب مجيب الدعوات، سقانا غيثا نافعا وتغيرت أحوال العباد.
اجتمعنا كأطفال وبنات يدرسون في الكتاتيب القرآنية أمام مسجد القرية في الصباح، وانطلقنا في حشد كبير نردد ما يشبه أناشيد دينية وابتهالات لله عز وجل، بعضها كنا نحفظه، والآخر منها حفظه لنا فقيه المسجد والشيوخ، وأهالينا في البيوت. كان الأمر في تاغنجا يقتصر على الأطفال والبنات الصغار، لم يشركنا في المسيرة الاستسقائية شباب أو كهول، ولا نساء أو عازبات، كنا مجرد أطفال صغار يحفظون القرآن في الجامع، ولم تطأ بعد أقدامنا المدرسة.
لم يكن المسار سهلا علينا، كان طويلا وشاقا على أقدامنا الحافيات، عبرنا فيه دواوير ومداشر كنا نعرفها لأول مرة. كانت السماء في بداية المسير زرقاء صافية، لا أثر لبياض سحاب فيها أو غيمة عابرة، ولم تكن نسمة ريح فيها رائحة المطر تهب علينا في المسيرة. كان عتادنا يقتصر على ألواح خشبية، كتبت عليها خربشات ورسومات غير مفهومات وبعض الآيات القرآنية، وبين أيادينا قطع من قصب وأعواد طويلة تستعمل في جني الزيتون أو ما يعرف محليا ب"المسقاط"، تنتهي بعقد فيها"درة" أو ما كان يعرف قديما ب"السبنية" كغطاء لرأس المرأة، ولما يكن الحجاب قد ظهر في عاداتنا ولا تقاليد لباس نسائنا.
كان المنظر يوحي بمشهد جيش ذاهب لحرب أيام الجاهلية أو العصر الوسيط براياته المزركشة وفيالقه الراجلة، لم يكن ينقصنا غير خيول ليكتمل مشهد رحلة الزير سالم. حشد الأطفال، وهم يرددون بصدق ما حفظوه من ابتهالات طلبا في الشتاء، شكل منظرا مهيبا للناظرين، وألوان "درات" و"سبنيات" نساء القرية التي نزعنها من فوق رؤوسهن زادت المشهد هبة وخشوعا.
أثناء تلك الرحلة التي لم تكن قصيرة، تعبت أقدامنا من المشي، كنا حفاة، وكان من شروط "تاغنجا" أو طلب المطر أن نتحفى، وأن يقتصر الأمر على الأطفال من الإناث والذكور، كما تقتضيه طبيعة الاستسلام في حالة ضعف لرب العباد ومسقط الغيث من السماء، بدعوى أن الأطفال أبرياء، وأن طلباتهم مقبولة عند رب السماء، وإن كنا في حقيقة الأمر غير ذلك. كانت أفعال وسلوكيات بعض الأطفال منا لا يقدر عليها حتى الشياطين أنفسهم، ولكن الأعمال في الأخير تبقى بالنيات، ونياتنا كانت حسنة وأفضل من العمل.
ومن حسن حظنا، أن كان أغلبنا متعودا على المشي حافي القدمين، وبالتالي لم يكن شيئا جديدا علينا ولا على أقدامنا، لأن شراء الأحذية في زمن طفولتنا، لم يكن في متناول الجميع، ولم نكن نقتني الأحذية إلا للضرورة، وفي مناسبات معينة مثل مواسم الدخول المدرسي، وحتى في المدسة كان أغلبنا حفاة، كثيرا ما تحضرني إلى اليوم صور تلك الأرجل الحافية، وهي معلقة تحت الطاولات الخشبية ترتعش من قسوة البرد، لكي تتفادى رطوبة الزليج أو بياض الإسمنت وبرودته.
ولكن، والله ما اقتربنا من إكمال مشوار مسيرتنا، ونحن على مشارف الدوار قبل أذان العصر بقليل، إلا والمطر يعصف بالأرض عصفا، يسقط مدرارا من كل الجهات، ومن حيث لا نحتسب ولا نراه. غشينا الرعد والبرق يزمجران بين الوهاد والوديان والجبال والكديات، ولم تستقم نفسياتنا إلا بعد أن استقبلتنا بشائر الأهل فرحين بسقوط المطر، ومحتضنين لنا من شدة الخوف، وحرصهم علينا من أن تجرفنا كثرة السيول. شتان بين نية تاغنجا زمان، وصلاة استسقاء اليوم..!!



#ادريس_الواغيش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توحيدُ العَرب وإسعادُهم اختصاصٌ مغربي...!!
- جماعة فاس- سايس تختار ذروة حرارة غشت لتقليم الأشجار
- اللبؤات الجميلات... فخرُ المَملكة
- -شحات- الأهلي
- هذا الليل الحزين
- ثالوث المعرفة التنويرية في الغرب الإسلامي
- تاونات، من مدينة عبور إلى ملتقى للإبداع والثقافة والشعر
- قصة قصيرة: مُجرّد قِناع
- ندوة تناقش بفاس المغرب والأندلس من خلال إنتاجات لسان الدين ب ...
- نوستالجيا: تازة والبحث عن زمن صبي...!!
- الأغنام تعوّض الأسماك وطيور البط البرّي في «ضاية عَـوّا»
- محمد بوهلال في سيرَة روائية جديدة
- مبارك ربيع: أعمل على أن أتواضع كثيرا، لأنني أخشى على نفسي
- كأي غصن مثقل بالأمنيات
- بين تقاطعات التنوير ونوازع التغيير في الإعلام والسوسيولوجيا
- «حربُ الـگـوم» وأسئلة التأريخ لما بعدَ الكولونيالية
- راكع بين يديك..!!
- المغاربة قادمون...!!
- الرّاشدي يُحاضر بفاس حول آفاق مُحاربة الفسَاد بالمغرب
- عبارات عنصرية ودعوة إلى الانفصال في افتتاح الشّان بالجزائر


المزيد.....




- -بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...
- دموع -بقيع مصر- ومدينة الموتى التاريخية.. ماذا بقى من قرافة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادريس الواغيش - نوستالجيا: بين تاغنجا وصلاة الاستسقاء