أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظهر محمد صالح - الحذاء المستعمل/خاطرة حياتية














المزيد.....

الحذاء المستعمل/خاطرة حياتية


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 7803 - 2023 / 11 / 22 - 22:13
المحور: الادب والفن
    


في مدينتي الجامعية التي احتلت اخدوداً ساحليا من مقاطعة ويلز في المملكة المتحدة وهي المدينة الصغيرة المسماة ابيرسويث … فان كنيسة مدينتنا هي الاخرى قد احتلت مكاناً شامخا عانقت فيه الساحل الشرقي من البحر الايرلندي الذي مازال يصرخ صمتاً في امواجه.
واللافت في الامر ان سكان مدينتنا قد اعتادوا على التبرع الى كنيستهم بملابسهم المستعملة على الدوام والتي اغلبها مازال في غلافها يوم شراءها ، ليتم عرضها جميعا بشكل منسق في بزار اسبوعي يجري صباح كل يوم سبت بشكل مستمر ،سواء في باحة الكنيسة او داخلها وتعرض المواد المتبرع بها من الملابس المستعملة ( اللنكة) للبيع باثمان رمزية، ومن ثم تذهب عائدات البيع للكنيسة نفسها . وبالغالب يَقدم
على الشراء النساء والرجال من الطبقة المتوسطة او دونها لكونها تثمن باسعار رمزية !! واللافت ان بقايا الملابس غير المباعة تمنح مجاناً لاي محتاج بعد الساعة 12 ظهرا وحتى ساعة غلق البزار في ذلك اليوم التعاوني الانساني الرائع.
وهناك متجر في سوق مدينتنا الجامعية الجميلة في ابيريسوث، عائد لمنظمة خيرية بريطانية تسمى Oxfam يفتح يومياً من التاسعة صباحًا وحتى السادسة مساءً عدا يوم الاحد، وتجد في كل صباح اكداس من الملابس المتبرع بها من اهالي المدينة لتوضع امام بوابة المتجر قبل ان يفتح المكان ابواب رزقه ، اذ تتولى ادارة المتجر تنظيف الملابس واعدادها وعرضها للبيع …وان عوائد البيع تمثل موارد المؤسسة الخيرية المذكورة .
ولا اخفي سرا اضطرني الحال التفكير بشراء حذاء يقارع الطبيعة (ذلك في يوم اشتدت الامطار فيه وتعالت رطوبة الجو ) وهو حال الجزر البريطانية التي لا تتوقف امطارها الا بهدنة مؤقتة قصيرة طوال العام ، كي اتوجه من فوري نحو المتجر المذكور لشراء حذاء مستعمل شديد الثبات ، عسى ان يعوضني عن شراء حذاء جديد كل ثلاثة اشهر ومن النوعيات الرخيصة السريعة الهلاك والتي تناسب مدخولاتي الشهرية كطالب وقت ذاك ، ففي ذلك اليوم العاصف اخذت ارجلي تسحبني مضطراً نحو متجر Oxfam للملابس المستعملة طالبا حذاءً قاسيا ً يقيني الظروف الجوية و امطار بريطانيا شبه المستمرة والرطوبة العالية التي لم ترحمنِ طوال العام، اذ قام احد الباعة ،الذي قدر ظرفي ،بعرض حذاء متين اصطنع من
جلد صارم لم يذق طعم الراحة دون ان يستوفي التفكير في كافة وجوهه ومقوماته دوافع شراءه واغراءات سعره الذي لم يفلت عن خمس جنيهات استرلينيا، ما أضطرني الحال وانا اقلب الذهن تحت تاثير اعاصير الوجود الى شراءه دون تردد .
واستقر حذائي بجلده البقري القوي يمسك نفسه على ارض باردة رطبة وهو يقارع ما تفشى في تلك الاجواء المثلجة مياه اسالت الارض من كون بارد مجهول قارعته ارجلي بنشوة جنونية و دفئ لم اعهده من قبل .
ظل زميلي (عماد ) الشخصية العراقية الرائعة الذي كان يحضّر
الدكتوراه في علوم الرياضيات والاحصاء ، يمازحني في كل مناسبة عن مصدر الحذاء العملاق المقاوم لمصاعب الحياة وكيفية الحصول علية لكونه موديلًا قديماً ولكنه حامياً للارجل ،وكنت امازحه ايضا بروح الكناية البغدادية : بالقول ان (المرحوم ) كان صاحب ذوق …في اقتناء الأشياء الجميلة والمقاومة لظروف الطبيعة وان ارثه استمر بعد وفاته وكنا نقصد من تبرع به اصلاً !!! وعندها نضحك سويةً …….واستمر امر الحذاء (الفقير )في الاستعمال وهو يقاوم مصاعب الحياة لثلاث سنوات دون انقطاع ولم (( اغادره ))الا بعد حصولي على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد والعودة الى الوطن وانا احتذي هذه المرة حذاءً جديداً لامعاً غالي الثمن يناسب طريق عودتي الى الوطن …!!
وهنا لم تكتمل سعادتي حتى دخلت بلادي ،غداة وصولي ،باشهر قليلة حرب حافية الارجل وحصار اقتصادي قاسي خلع الناس يومها ما تبقى لديهم من شيء، وظل الجميع يحسدني هذه المرة على نظارة حذائي لجمال لونه ونعومة جلده وعلامته التجارية ومن اين مصدر اقتناءه !!! ؟؟؟ وانا فرح في حذائي الجميل ولم ارتديه الا بالمناسبات التي يستحقها في اعوام الرمادة ، ولكن فجأة هو الذي ((غادرني ))هذه المرة قبل ان اغادره !!!! اذ تمت سرقته من فناء واحدة من دور العبادة اثناء الصلاة في مساء يوم داكن وعدت الى داري حافي القدمين وانا اتذكر بحسرة على حذائي الجامعي الصارم الاول المستعمل الذي (غادرته ) بنفسي مثلما تحسرت على حذائي اللامع الجديد الذي (غادرني) دون استئذان مغتربا الى الابد.
انها ازمنة مختلفة مراراتها واحدة، و ذكرى من بين آلاف الذكريات الضائعة التي تجيش فيها صدورنا بعد ان تعبت اقدامنا في السعي نحو سبل الحياة ولكن بحذاء ….سيظل مستعملا ً.!!!



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ‏‎الحسابات الختامية للتوحش الامبريالي : غزة إنموذجاً
- غزة والتاريخ الراسمالي للعنف.
- حرب غزة : هنتغتون والامبريالية Huntington and imperialism
- العراق والمسالة الفلسطينية: اغتراب التطبيع و حفر الدم
- عنف اللادولة:غزة و الميكافيلية الجديدة.
- المسألة الفلسطينية: المعادلة الايديولوجية .
- الرأسمالية المركزية الموازية :بين الوجود والانصهار
- ‏‎المعادلة السياسية المشرقية في القرن العشرين : الحزب- الدكت ...
- الاحزاب المشرقية من داخل وخارج مصفوفة نضالاتها السرية .
- الاقطاع السياسي الموازي : تراجع الدولة- الامة.
- انشطار الوعي على جدران العقد الاجتماعي.
- الإِستِبدَال الثنائي السالب : بين العالم المركزي ومحيطه.
- الاحتواء الموسع :الكانتونية الجديدة -New Cantonism
- التَّضحِيَة…كربلاء انموذجاً
- الصديق الخائن..
- صبيحة الثورة في عيون الفتية: 14 تموز 1958
- حوار النقد والاستجواب:النقد الاجتماعي والدولة
- حرق الكتب السماوية:حرب ناعمة جديدة.!!!
- التغيير الاجتماعي والسياسي الهجيني : ديناميات المجتمع المأزو ...
- الدمعة الناطقة: طفرة في جذور المدرسة التفكيكية المشرقية


المزيد.....




- “فرحي أولادك وارتاحي من زنهم”.. التقط تردد قناة توم وجيري TO ...
- فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي ...
- ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ ...
- بعد مسرحية -مذكرات- صدام.. من الذي يحرك إبنة الطاغية؟
- -أربعة الآف عام من التربية والتعليم-.. فلسطين إرث تربوي وتعل ...
- طنجة تستضيف الاحتفال العالمي باليوم الدولي لموسيقى الجاز 20 ...
- -لم أقتل زوجي-.. مسرحية مستوحاة من الأساطير الصينية تعرض في ...
- المؤسس عثمان الموسم 5.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 باللغة ...
- تردد قناة تنة ورنة الجديد 2024 على النايل سات وتابع أفلام ال ...
- وفاة الكاتب والمخرج الأميركي بول أوستر صاحب -ثلاثية نيويورك- ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظهر محمد صالح - الحذاء المستعمل/خاطرة حياتية