أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله عيسى - أمهلوا غزة قليلاً من الوقت!














المزيد.....

أمهلوا غزة قليلاً من الوقت!


عبدالله عيسى

الحوار المتمدن-العدد: 7767 - 2023 / 10 / 17 - 15:03
المحور: الادب والفن
    


أمهلوا غزة قليلاً من الوقت .
ثمة ما يجعل المحارب يحن ّ إلى استراحته القصيرة ، كي يتفقد صورة زوجته وابنه في جيبه الأيسر قريباً من القلب . لا شيء يحيي المكان هنا إلا رجع صراخ قتلى يتلوّى تحت الركام كي يدل ّ على جهة القصف . " لماذا لا أعود دونهم " ، يقول القاتل لزوجته ، ويهرب من نظرة ابنه الذي كان مبتسماً قبل قليل ، ويتلو شيئاً من مزاميره ليطمئن أن الحرب لم تذهب سدى .
أمهلوا غزة قليلاً من الوقت .
لا شيء يشغلها عن نفسها اليوم إلا أمرها . تذكّر قاتلها بالذي صنعت يداه ُبها . يضجر من زيارتها لغفوته في الليل . يلجأ من كوابيسه إلى كهف رب جنده في العهد القديم ." لا ضوء إلا في عينيْ من قتلت أيها الجندي ّ"، تقول غزة له في الأساطير ، وهي تقصّ على الرواة سيرتها . " لم تنته الحرب لتبدأ حربك ، يا جندي ّ" ، فيما تعقد حلفاً مع مقتنصي السرديات العاجلة ألا يعبثوا بمحتويات الذاكرة .
أمهلوا غزة قليلاً من الوقت .
ثمة ما يلح ّعلى غدها لتذكر أمسها . مرّ الفراعنة والإغريق والرومان وسواهم دون أن يطردوا من الآبار التي ردموها بالأحجار وصدى أنفاسهم الثقيلة أشباح الملهاة ، ولا ماء في هذه المأساة يكفي لكي يتوضأ من بقي ليقيم على من قضى صلاة الغائب. ولا غائب إلا الحاضر تحت قبّعات الجنود الذين يرطنون أسماءهم على الريح على الضفة الأخرى من البحر الذي جاء بهم ليستوطنوا موجة كانت لها. لا غائب إلا الحاضر في صمت الشهود بألوان وأجناس وألسنة مختلفة يختلفون على لون رائحة الطين تحت جنازير دبابة جرفت حقل زيتون ، و يتفقون على أن من حق الضحية التي سقطت تحت قذيفة الهاون صدفة أن تقضي بصمت ، فقد يفسد صراخها المكلوم أو دمها الراقص من ألمٍ تجويد الإمام المُبين سورة " الصفّ " في صلاة الجماعة ، أو فصاحة مجترحي البيانات البليغة في رثاء مشهد قتلها الفذ ، ومدح سبابتها المرفوعة . بسبابتها تلك كانت تدل على جهات قاتليها قبل أن ترفع الشهادة ياسادة !.
. لا شأن لغزة ببلادة البلاغة العربية المترفة

أمهلوا غزة قليلاً من الوقت ، لتزور آناء الليل أو أطراف النهار بحرها ، وتطمئن على نوارسه التي ضجرت من مرور صواريخ البارجات العاتيات بين خبط أجنحتها ، ثم تعود إلى نفسها في مراياها . وإذ تنثر شعرها المبلّل بنكهة الموج الطازج تمسح بقايا الدخان الذي أهملته الحرب عن كسرة السماء القليلة التي ورثتها ، وتغسل عن الأزفة والبيوت التي انحنى ظهرها من أسى على ساكنيها رائحة دم ٍ لم يتخثر بعد ُ في الحواري المظلمة ما تزال ، ولم يزل يحوم فوق الشواهد واللحى الطويلة كصلاة قيام الليل على عجوز تحت القصف يرجو الله التلطّف بعمر أحفاده .
أمهلوا غزة وقتاً آخر .
كي تسمع أصوات قتلاها في أزقة المخيمات السمراء ، أو في ممرات البيوت المعتمة تحت الآنقاض . لم تمهلهم الحرب التي ستأتي ليخرجوا بتوابيتهم من تحت رماد الفجيعة . من حقها أن تشرح الأمر لملتقطي الأخبار المثيرة والسياح قبل أن يلتقطوا صوراً للذكرى على خلفية هذا الركام الكوني ّ . كانت تستمع طويلاً وكنتم تقولون عنها ما لا تقول . فلا تنفضّوا قبل أن تقرأ أسماء قتلاها على الشواهد ، وترثي في نشيدها الطويل أغاني بحارة ذهبوا للصيد واختطفتفهم موجة عابرة .
أمهلوا غزة وقتاً إضافياً لتستعيد دمها من أنخاب من اختطفها ليتفاوض عليها ، وتمشي على أرضها بقدمين عاريتين وعينين مفتوحتين على جحور مربي الأفاعي .



#عبدالله_عيسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليف تولستوي النبيذ الروسيّ المعتّق
- الكسندر بلوك :مغنّي الضوء
- الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب : تساؤلاتُ أيمن عودة في ح ...
- في مديح أنثى الضاد
- الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب : خطبة خضر الظفيري في حضر ...
- الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب : جرعة ٌ زائدةٌ من الوقت ...
- الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب : زيارة أخرى لعابر أعمى آ ...
- الشاعر الفلسطيني عبداله عيسى يكتب: أشجار تتألم
- اغفري لي
- ذاك هو الحب
- سماء أخرى نظيفة
- آنا أخماتوفا : في ذلك الوقت ، ضِفتُ على الأرض .
- الشاعر الفلسطيني من بين ثلاثة شعراء حول العالم في كتاب عام ا ...
- الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب : في ذكرى النكبة : مازلنا ...
- وسام الثقافة والعلوم والفنون الفلسطيني يمنح لعدد من الكتاب ا ...
- المركز الروسي - القدس- متضامناً مع الشعب الفلسطيني : الممارس ...
- الرئيس الفلسطيني محمود عباس : المسجد الأقصى حق إسلامي خالص
- سفير فلسطين في روسيا عبد الحفيظ نوفل : المجلس الوطني الفلسطي ...
- سفير فلسطين في روسيا عبد الحفيظ نوفل : نثق بدور روسيا ، وندع ...
- الشاعرالفلسطيني عبدالله عيسى يكتب : علي دوابشة ، النبي ابراه ...


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله عيسى - أمهلوا غزة قليلاً من الوقت!