عبدالله عيسى
الحوار المتمدن-العدد: 6395 - 2019 / 10 / 31 - 18:12
المحور:
الادب والفن
زيارة أخرى لعابر أعمى آخر
إلى صالح رأفت
عبدالله عيسى
يُشبه ُ الموت َ ،
لكنّه ليسَ موتا ً
ظلال تأمّلِنا وجه َقاتلنا لاتزال ُ تعانقُ أجسادَنا
كيفَ أن الحياة َمضت ْ دونَنا خلفَ أعمارِنا ؟
لا رجال ُ القُرى المائلينَ على حبّة القمح ِ خلف التلال
يعودون َ كي يحرسوا شمعَ غفوتِنا ،
لا النساءُ اللواتي ذَبُلن َ وهن ّ يسوِّرنَ وحدتنا بالدموع ِ
يُعِدن َ الذي كان لايصِل ُ النوم إلا بنا بأسرَّتهن َّ ،
ولا القادمونَ بأسلحةٍ لا ترى
يهدمون البيوتَ ويرمونَ بين رصيفين خبْطَ تعجُّلِنا غدَنا
مُهملاً في التذكّر
نأمن ُ أنفاسَهم بيننا .
يُشبهُ الموتَ ،
لكنه ليس موتا ً
سوى هذه الرائحة ْ .
لم تكنْ وحدَها :
السكاكينُ تلمعُ في دمِنا ،
بل أظافرُه تجرحُ الأفقَ من حولنا .
لمْ تكنْ وحدَها :
جثتي في الزحامِ تغُطُّ بلعنتِهِ ،
بل تقلّبُ أجساد ِمن لم يعودوا إلى غدِهم
مُطمئنينَ بأعضاء َ بيِّنة ً تستردُّ الذي تستحِقُّ.
كما لم نكن ، يا إلهي ، هنا
لم نكن هناك َ .
بهُت َ الدم ُ فوق ملابسِنا .
وحدَنا .
حينَ كنّا نسوق ُ الرضى دونَ أن نتعثَّرَ
خلف طرائدِه بظلالِ يديهِ الغليظةِ ،
أو بالغبارِ الذي غامقاً بأنين ضحاياهُ
يخرجُ من رئتيهِ بموعظة ِ القتل ِ .
مستوحشينَ بهِمّة من لا يرى ظلّه .
راعشينَ وعُزّلَ في صبرِنا
وهو يرغو كأعمى بخَبط ِغريزته بين صيحاتِ أرواحِنا .
وحدنا .
الموت ُ يُوحي بنا في مُخيّلة الأسلحة ْ .
مَنْ رآنا هُنا نتلمَّس ُ آثارَنا في ذهولِ الرُواة ِ
ولم يرَ خيبِتنا في خزائنِ صمت ِالسلالة ِ.
من لمْ يثق ْ أنّنا لم نقل ْ لإشارات ِ قاتلِنا غيرَ ما قالتِ الطير ُ للريحِ
مُذْ نامَ نِسرٌ على كَتِفيهِ .
من مَسَّنا بصَلاة ٍ تُواسي فَحمِ عَتمتِنا
ورمى سَلاماً على ظلّهِ في المَمرِّ .
ومن لم يكن ْ مثلنا .
ليسَ مِنّا .
الذي ليسَ تتبُعه عُشبة ُ القبرِ أنّا حلَّلنا .
ومن زارَ أسماءَنا دون أن يوقظَ الروحَ في سورةِ الفاتحة ْ .
قاتلي أنت َ مُذ جِيءَ بي .
حيثُ جنت َ ترى شبحاً .
حيثُ كنت َ ترى شبحاً .
ليسَ موتي َ ذاك الذي سوّلت ْ لي يداك َ بما صنعت ْ.
تلك َ حريّتي ستظل ّ تُغيظك َ في حلُميَ البارحة ْ .
(قصيدة من ديوان جديد : هناك ، حيث ظلالٌ تئنّ ، يصدر قريباً)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟