أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ثامر عباس - الاستحالة الحضارية : من الكنية الى الكينونة














المزيد.....

الاستحالة الحضارية : من الكنية الى الكينونة


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7692 - 2023 / 8 / 3 - 19:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ان المسار الفاصل بين مفهومي (الكنية) و(الكينونة) مسار طويل وشاق ومتعرج ، لن يتأتى لأي شخص تحمل صعابه وتجشم عنائه إلاّ لذوي الإرادات الحرة والعقول المفتحة والبصيرة النافذة ، لاسيما وانه يتطلب الكثير من التضحيات الذاتية بقدر ما يواجه العديد من التحديات الموضوعية التي غالبا"ما تكون باهضة ومكلفة . أي بمعنى أن استحالة الفاعل الاجتماعي من طور (التوحش) و(التبربر) الى طور (التأنسن) و(التحضر) ، يحتاج الى قدر كبير من المجالدات العقلية والمكابدات النفسية على نحو دائم ومستمر ، وهو ما يجعل عدد الذين يغامرون باختيار هذا المسار الشائك ، فضلا"عن قبولهم تبعات التحدي لقيمه الطهرية وأخلاقياته الصارمة ضئيل ومحدود .
وللوقوف على مبلغ الصعاب وطبيعة التحديات المترتبة على خيار (الاستحالة الحضارية) للشخص الذي يبادر بدخول هذا المعترك الوجودي والاجتماعي والإنساني والأخلاقي ، يستلزم الأمر توضيح ما نعنيه بمفهوم (الكنية) ونظيره مفهوم (الكينونة) ، والإشارة من ثم الى الفرق النوعي الذي يفصل بينهما ويترتب عليهما ، وبالتالي يجعل عملية (الاستحالة) المقصودة ممكنة الحدوث . فالنسبة للمفهوم الأول (الكنية) فان المراد به هو أن تعيين (هوية) شخص ما والتعريف بماهيته لا يتأتى عبر الإحالة المباشرة إليه باعتبار كونه موجود بذاته ، مثلما لن يتحصل ذلك إلاّ بالاعتماد على مصدر خارجي مضاف يكون بمثابة الدال الى المدلول . أي بمعنى ان هذا الأخير لا ينتمي الى أصل العناصر المكونة للشخصية المعنية وليس له علاقة بخصائصها التكوينية ؛ كأن يكون المصدر (أسري / عائلي ، أو قبلي / عشائري ، أو مذهبي / طائفي ، أو جهوي / مناطقي ، أو قومي / اثني) . ولعل من نماذج هذه الحالة ما تواضعت عليه أعرافنا وتقاليدنا الاجتماعية حيال التعريف بشخص ما أو الإشارة إليه عبر نعته بعبارة (أبو فلان) أو (فلان االفلاني) ، بحيث ان هذه الإضافة التعريفية هي التي تعين طبيعة الفرد المستهدف وتدلل على هويته ، وليس تلك المقومات البنيوية التي تتكون منها شخصيته وتتشكل عليها سيكولوجيته وتتمظهر فيها مواهبه .
أما بالنسبة للمفهوم الثاني (الكينونة) فهو ما يشتق من كيان الشخصية ذاتها دون الحاجة الى إسناد خارجي مضاف ، أي انه يشير الى أن ما يعيّن (هوية) الشخص هو مصدر ذاتي – داخلي ، لا يشكل جزءا"من كيان تلك الشخصية الموصوفة فحسب ، وإنما يعد عنصرا"جوهريا"في عمليات تكوينها الوجودي وصيرورتها الحضارية كذلك . ولهذا فعندما يتخلى الشخص المعني عن (كنيته) المكتسبة اجتماعيا"وعرفيا"، في الحالة الأولى ، لن يكون لهذا الأمر – في الغالب – تأثيرا"على طبيعته ، مثلما لن يقلل من قيمته الاعتبارية أو يبخس من شأنه الإنساني . أما إذا حصل العكس ، في الحالة الثانية ، لسبب من الأسباب ، وشعر بانخلاع (كينونته) الذاتية وتفكك (كيانه) الشخصي ، فان الأمور ستأخذ منحا" خطيرا"قد لا تقف عند حدّ الإحساس بضياع الوجود الاجتماعي وفقدان القيمة الاعتبارية للأنا فحسب ، وإنما سيفضي كذلك الى انعدام المعنى من الحياة الاجتماعية وتلاشي المغزى من المشاعر الإنسانية .
وبضوء ما تقدم ، فان المجتمع الذي يقيّم أفراده ويفاضل جماعاته على أساس (كنيتهم) الرحمية / الأسرية أو العصبية / القبلية ، بدلا"من الاحتكام لمعيار (كينونتهم) الإنسانية والأخلاقية والعلمية ، سيبقى يرسف في أغلال (الهمجية) و(البربرية) مهما اتخذ من إجراءات وبذل من محاولات وسن من تشريعات ، وبالتالي فهو يدلل على كونه لا زال يعيش في أدنى مستويات التحضر وأحط مدارج التمدن ، رغم بهارج (الحداثة) وطلاء (المدنية) التي يحاول عبرها ومن خلالها إخفاء هشاشته البنيوية ورثاثته الحضارية . ولعل ما يؤكد هذه الحالة / الظاهرة مستوى التلازم والتخادم القائم ما بين مظاهر (التخلف) واستشرائها في المجتمع المعني من جهة ، وبين تكريس العلاقات القائمة على الروابط الرحمية والقرابية والقبلية والجهوية ، وترسيخ قيمها وتقاليدها وأعرافها وفقا"لديناميات المجايلة من جهة أخرى . أي بمعنى أنه كلما انخفضت مناسيب التقدم الفكري وتراجعت معدلات التطور الحضاري وتدهور الارتقاء العلمي على الصعيد الاجتماعي ، كلما ارتفعت مؤشرات النكوص في الوعي والارتداد في السلوك على الصعيد الفردي ، والعكس بالعكس .



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كبوة الوعي بين النسقية الثقافية والنسقية الايديولوجية
- ظاهرة الأريفة وتآكل المدماك الحضري
- حيرة الدراما العراقية في مسلسل حيرة !
- مشاكسات المطمور في اللاوعي الجماعاتي
- حصاد القارئ من بيدر القراءة
- هل للدين علاقة بالاغتراب ؟!
- الدولة العراقية وتعسّر كينونتها الحضارية
- الماضي وعلاقته بالدين
- الماضي وعلاقته بالاسطورة
- الوظيفة النقدية للخطاب الاعلامي
- انكفاء صيرورة (المواطنة) في وعي المواطن
- تفسير الأنماط الثقافية للشخصية العراقية
- الاسطوغرافيا العراقية والدعوة للتحول من الأعلى الى الأسفل
- المحنة العراقية : السلطة ضد الدولة
- مفارقات المثقف المؤدلج وفخ (الهجنة) الايديولوجية
- أرشيف الماضي وقاموس المعاني : قراءة في المقاصد والحدود
- السبق الحضاري في المجتمع المعطوب : فاعل عراقة أم عامل إعاقة ...
- الشخصية العراقية ورواسب الهجنة الايديولوجية
- القاع والقناع : احتباس الوعي بين التاريخ والايديولوجيا (حالة ...
- السياسة والفلسفة : تقارب أم تضارب ؟!


المزيد.....




- قبل شن ضربة قطر.. ترامب يشعل تفاعلا بكشف اتصال إيراني وما قا ...
- ترامب يشيد بالضربات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية ...
- ترامب ينتقد محاكمة نتانياهو ويصفها بـ-الاضطهاد- ويشيد بدوره ...
- تقرير: إسرائيل توقف إدخال المساعدات لغزة انتظارا لخطة الجيش ...
- البيت الأبيض: يورانيوم إيران المخصب -تحت الأنقاض-
- حزب الله: إيران حقّقت نصرا مؤزرا
- كيف تطيل عمر مناشف الميكروفايبر وتحافظ على فعاليتها؟
- 16 قتيلا في احتجاجات بكينيا
- اعتمد على المباغتة.. الجزيرة تحصل على تفاصيل كمين خان يونس
- الموساد يشيد بعملائه داخل إيران وبدعم الـ-سي آي إيه- للهجوم ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ثامر عباس - الاستحالة الحضارية : من الكنية الى الكينونة