أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ثامر عباس - السبق الحضاري في المجتمع المعطوب : فاعل عراقة أم عامل إعاقة ؟!














المزيد.....

السبق الحضاري في المجتمع المعطوب : فاعل عراقة أم عامل إعاقة ؟!


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7458 - 2022 / 12 / 10 - 13:55
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


في المجتمعات المتقدمة حضاريا"والمترقية إنسانيا"، قلما تجد من يتباهى بالحديث عن موروثه الحضاري بطريقة عنصرية ، كما لو أن لا وجود لمواريث حضارية أخرى في مجتمعات سواه ، أو يتماهى مع مخزونه الرمزي بأسلوب نرجسي ، كما لو أن لا وجود لمخزون رمزي مختلف لدى شعوب غيره . ذلك لأن هذا النمط من المجتمعات الحية والشعوب الناضجة تجاوزت تلك الأطوار البدائية وتخلصت من قيودها الخانقة ، بعد أن تمكنت من تصفية حساباتها (نقديا") مع تلك المواريث القديمة والمرجعات السابقة ، مثلما سعت للتصالح (عقلانيا") مع ما في ذاك الماضي الآفل من أحداث ووقائع . وبالتالي لم تعد بحاجة إلى استحضارها كلما مرت بانعطافة تاريخية حادة ، كما لم تعد مضطرّة لاستنفارها كلما شهدت واقعة اجتماعية طارئة ، بغية الاستنجاد بما تتوفر عليه من أرصدة رمزية واعتبارات مخيالية لتدعمها في مواقفها المتعصبة ، وتساندها في تصوراتها المنمطة في أتون صراعاتها مع الجماعات / المجتمعات الأخرى .
في المقابل ، وعلى العكس من ذلك ، نجد إنه في المجتمعات المبتلاة بمظاهر الانشطار إلى أقوام متنابذة ، والمتذررة إلى طوائف متكاره ، والمتبعثرة إلى قبائل متناحرة ، حيث يعلو في أجوائها وينداح بين فضاءاتها صوت الماضي المؤمثل وضجيج الموروث المتخيل من جهة ، وتخفت أصوات الحاضر وتنزع إيقاعاته إلى الرتابة والجمود من جهة أخرى . تنام وتصحو مجتمعات هذا الشطر من العالم على اجترار أمجاد تاريخية لم تصنعها وبطولات سياسية لم تختبرها ، ليس من باب الاتعاظ بالدروس القاسية والاسترشاد بالعبر المؤلمة لتجنب تكرار الحماقات وتحاشي الإتيان بالقباحات كما يفترض ، وإنما للاستغراق بأوهام سرديات مسكونة بالأساطير ، وذاكرات مشحونة بالطوباويات ، وإيديولوجيات مدججة بالراديكاليات ، لم تفتأ تمسك بتلابيب الواقع المعيش لتحيله إلى بركان يغلي بالصراعات من كل نوع ، وينذر بالانفجارات من كل صنف ، بعد أن تغلغلت تلك الأوهام والأباطيل في بنى الوعي الفردي وترسبت في طمى السيكولوجيا الجمعية ! .
والحال ليس معيبا"أن يعمد الإنسان للتغني بأمجاد تاريخه ومواريث حضارته ، مثلما يفاخر بانجازات أبطاله وإبداعات رموزه - فتلك على أية حال ظاهرة عامة ومشروعة لجأت إليها معظم شعوب المعمورة – ولكن ليس قبل أن يشرع بإخضاع تلك الخلفيات والمرجعيات المؤمثلة لمطارق (النقد) ومباضع (التفكيك) ، ليس لإجراء عمليات (اختلاق) أحداث تاريخية لا أساس لها ، أو (تلفيق) وقائع حضارية لا دليل عليها . أي بمعنى إجراء (الترقيع) للمجزئ والمقطع بما يظهره موحدا"ومتماسكا"، و(التزويق) للمعيب والمخجل بما يجعله قمينا"بالفخر والاعتزاز ، كما عمدت وتعمد جميع الأنظمة الشمولية في بلدان العالم المبتلى بمظاهر ؛ التخلع بنيويا"، والتضعضع قيميا"، والتصدع سوسيولوجيا" ، والتشظي انثروبولوجيا"، والاضطراب سيكولوجيا". وإنما لازالت كل ما التصق بالوعي من تصورات خرافية تؤسس للمفاضلة ما بين الأجناس والسلالات على أسس عنصرية وشوفينية ، واستئصال كل ما علق في الذاكرة من تمثلات مخيالية تشرعن للتمييز ما بين الأديان والثقافت والحضارات على أسس من الاعتقادات البالية الموسومة بالثنائيات ؛ النبيل والرذيل ، النفيس والخسيس ، المتحضر والمتبرر .
ولهذا ندعو العراقيين – عامتهم وخاصتهم – إلى الإقلاع عن التباهي والامتناع عن التبجح – بمناسبة وغير مناسبة – بالحديث عن مواريثهم الحضارية (الفريدة) ، كما لو أنها دريئة تقيهم (النقد) وتجنبهم (المساءلة) عما يرتكبونه من رذائل ويمارسونه من مهازل . هذا في الوقت الذي لا يكلفون أنفسهم عناء البحث والتدقيق بصحة قناعاتهم وصدق مسلماتهم ، حيال ما يعتقدون أنهم جديرون بحمل وتمثيل تلك المواريث من جهة ، مثلما لا يتجشمون وزر فحص وتشخيص ما تنوء به دواخلهم من عصبيات مدانة وسلوكيات مشينة ، لا تنبئ بان من يمارس هذا الضرب من المواقف والتصرفات قمين بحمله على محمل الأصالة التاريخية والعراقة الحضارية ، بقدر ما تشي بحسبانه من تلك الأقوام التي لا زالت تتخبط - دون هدى - في أطوار (توحشها) الاجتماعي و(تبربرها) الحضاري . بحيث أضاعت أصول ماضيها ، وأهملت معطيات حاضرها ، وفرطت بآفاق مستقبلها .
وهكذا يتبين لنا أن (السوابق الحضارية) – حتى ولو افترضنا إن جلها حقيقي - لا يشكل بحد ذاته وسيلة للجناة من الضياع والإنقاذ من العدم ، إذ إن كثيرا"من مواريث الشعوب والأمم كانت بمثابة (عائق) خطير حال بينها وبين النهوض من كبوتها والاستمرار في تطورها . ذلك لأن الأمر منوط لا بالوجود الفعلي لذلك الموروث من عدمه ، وإنما متعلق - بالدرجة الأساس - بالتعاطي (النقدي) مع عناصره والاستثمار (العقلاني) لمكوناته ، وهو ما يجعله سلاح ذو حدين ؛ إما أن يكون (رافعا") حضاريا"يسمو بالمجتمع إلى مدارج التطور الاجتماعي والتقدم الاقتصادي والارتقاء الثقافي من جهة ، وإما أن يكون (قيدا") يشل الإرادة ويضل الوعي ، مثلما يكون (عبئا") ثقيلا"يفضي إلى العطالة الفكرية والنكوص المعرفي ! .



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشخصية العراقية ورواسب الهجنة الايديولوجية
- القاع والقناع : احتباس الوعي بين التاريخ والايديولوجيا (حالة ...
- السياسة والفلسفة : تقارب أم تضارب ؟!
- الاطر الحضارية للعلوم الانسانية
- مفارقات المجايلة في سيكولوجيا الجماعات العراقية
- مجتمع الاصطناع .. وفقدان الأمثولة المعيارية
- مناقب الجمهور ومثالب النخبة !
- هل الى صحة العقل من سبيل ؟!
- العامل الاقتصادي وبندول الشعور الوطني
- السؤال الموارب : هل حقا-أنا مثقف ؟!
- مصطلح (البدوقراطية) بين حق التأسيس وحق الاقتباس
- مزالق الايديولوجيا ومآزق الايديولوجيين !
- الايديولوجيا ضد الايديولوجيين !!
- خراب العقلية العراقية وطراز المثقف النيتشوي !
- صراع العقيدة والمعتقد : بين الفتاوى الدينية والتعاويذ الطائف ...
- الثقافة والديمقراطية .. تزامن أم تعاقب ؟
- صلاحية الديمقراطية في المجتمعات المتخلفة !
- العقد الاجتماعي بين اهمال الدولة وتجاهل المجتمع
- الصراع على السلطة : مقاربة في سوسيولوجيا التداول السياسي
- تتريث العقل وتوريث الجهل


المزيد.....




- بـ-بوسة بلخرية-.. عبدالله بالخير يوضح ما حصل معه في السعودية ...
- إسرائيل تراجع رسالة أمريكا بشأن -تحسين الوضع الإنساني- في غز ...
- لغة جسد السيسي بوداع محمد بن سلمان تشعل تفاعلا وتحليلا لمعنا ...
- جيش إسرائيل ينشر فيديو مع -أسير- حزب الله بعد نفي مسؤول بالح ...
- الجيش الإسرائيلي يطالب بإخلاء فوري لمبنى في حارة حريك بالضاح ...
- غارة إسرائيلية على منطقة -حارة حريك- في الضاحية الجنوبية لبي ...
- حقنة نانوية تبعد عنك خطر النوبات القلبية!
- -وهم كفاية المعلومات- ظاهرة يعاني منها الكثيرون.. فهل أنت من ...
- كيف يعتزم حلفاء كييف الخروج من المأزق الأوكراني؟
- انتقام غريب: كيف سترد إسرائيل على ضربات حزب الله الموجعة؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ثامر عباس - السبق الحضاري في المجتمع المعطوب : فاعل عراقة أم عامل إعاقة ؟!