أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ثامر عباس - الدولة العراقية وتعسّر كينونتها الحضارية















المزيد.....

الدولة العراقية وتعسّر كينونتها الحضارية


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7634 - 2023 / 6 / 6 - 10:55
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


في عالم الوجود الاجتماعي المصطخب بهدير الصراعات السياسية ، والتناقضات الاجتماعية ، والانقسامات الثقافية ، والاحتقانات النفسية ، والصدامات الحضارية ، والحساسيات التاريخية . لا وجود لمؤسسات أو كيانات أو ظاهرات خارج إطار الكينونة الزمكانية التي تتبلور على أساسها الأنماط والدوار والوظائف . بحيث تتمكن من فرض حضورها البنيوي وتمارس تأثيرها الرمزي ، الذي من خلاله تفصح عن ماهيتها / هويتها في خضم هذا المعترك الوجودي الصاخب . وبرغم أن الدولة – بحسب علم السياسة - كيان (اعتباري) عديم الفعالية بدون سلطة تدعمه وتبث الحياة في أوصاله ، إلاّ أنها تعد واحدة من أبرز وأخطر المؤسسات التي استطاع المجتمع الإنساني – على مدار تاريخه المديد – ابتداع فكرتها لضمان أمنه وتنظيم شؤونه وتحقيق مصالحه .
والمفارقة ان الضرورات الإنسانية الملحة التي استدعت وجود مثل هذه المؤسسة الحيوية في حياة الإنسان المادية والمعنوية ، لم تكن على الدوام ضمانة أكيدة لدرء المآسي السياسية والفواجع الاجتماعية والكوارث الاقتصادية ، لاسيما في المجتمعات المتصدعة البنى والمتهتكة القيم . حيث كانت هي السبب الرئيسي في اصطناع أزماتها ، والعامل الأساسي في إشعال فتيلها ، والمحرك الدافع لإيقاع مصائبها على من يفترض أن تكون المسؤول الأول والمباشر ، ليس فقط عن احتضانهم (كمواطنين) ينعمون بالأمن والسلام والرفاهية وفقا"لمبادئ العدالة والمساواة ، مثلما التعبير عن (هويتهم الحضارية) كجماعات قومية لها تاريخ وجغرافية وثقافة فحسب ، بل وكذلك لاستمداد الشرعية الوطنية والمشروعية الدستورية عبرهم ومن خلالهم .
ولعل الدولة العراقية كانت – ولا تزال - سواء في حضورها الطاغي (الشمولية) أو غيابها المجحف (الفوضوية) ، من أكثر العوامل المسببة لتفكيك مدماك المجتمع العراقي الى شظايا جماعات متناثرة ، وتدمير معماره الحضاري الى بقايا أصوليات مبعثرة ، ليس لأنها مارست سياسة (مركزية) مفرطة في الحالة الأولى ، أو أجبرت على انتهاج (حيادية) مفرّطة في الحالة الثانية . فتلك – على أية حال – نتيجة لتضافر ظروف داخلية وعوامل خارجية ما كان بمقدورها أن تتغلب على شروط صيرورتها أو أن تفلت من سياقات سيرورتها ، وإنما جرّاء تاريخها الموسوم (بالغربة) عن كيان المجتمع العراقي والانقطاع عن تواريخ جماعاته والانفصال عن ثقافات مكوناته . إذ لا يخفى ان ولادة الدولة العراقية لم تكن ولادة طبيعية - كما في غالبية الدول - نمت وترعرعت داخل حاضنة محلية (عراقية) ، بحيث استمدت من أمشاج جماعاتها السوسيولوجية وتفاعل مكوناتها الانثروبولوجية مقومات كينونتها الحضارية ، وتحمل بالتالي خصائص تلك الجماعات والمكونات من خلال التشبع بقيمها والتمثل لرموزها والانعكاس لذاكرتها والتماهي بمخيالها . وإنما انبثقت الى الوجود بإرادة أجنبية وقرار خارجي لا يمت الى الواقع التاريخي والحضاري العراقي بصلة ، وهو الأمر الذي ترتبت عليه جملة من الإشكاليات والمفارقات شكل لديها بمثابة (عقدة نقص) لم تبرح تطاردها منذ عام 1921 ولحد الآن .
ومما فاقم من أعراض (القطيعة) التاريخية والسوسيولوجية ما بين الدولة (الوطنية) والمجتمع (العراقي) ، وضاعف من تبعاتها وتداعياتها على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، هي أن جميع الأنظمة التي وثبت الى سدة الحكم واعتلت صهوة السلطة – سواء عن طريق الانقلابات أو المؤآمرات – بدلا"من أن تعمل على تجسيير أو تقليص تلك الفجوة / الهوة التي لا تني مساحتها تتسع وأبعادها تتعمق ، سعت الى تكريسها مؤسسيا"وترسيخها سيكولوجيا"، بحيث لم يعد هناك ما يجمع بين الطرفين سوى انعدام الثقة المتبادل وغياب لغة التواصل والتفاعل البيني . وذلك على خلفية ما كانت تكنّه الجماعات والمكونات من مواقف سلبية حيال (دولة) طالما أثبتت عجزها – رغم كل ما بحوزتها من إمكانيات مادية ومعنوية – عن إثبات صدقية تمثيلها مصالح المجتمع (العراقي) الكلي ، بدلا"من كونها أضحت مؤسسة تعمل لصالح جماعات أو مكونات بعينها على حساب مصالح جماعات ومكونات أخرى ، كما عودتنا على ذلك طيلة تاريخها المعمد بالعنف والقسوة .
وعلى هذا الأساس ، فقد واجهت (الدولة) العراقية إشكاليتان لا يمكن دون استيفاء شروط تخطيهما والمضي باتجاه حل ألغاز المآسي والكوارث والفواجع ، التي لم تفتأ مكونات المجتمع العراقي من تجرع مرارتها والاكتواء بلظاها والاحتراق بسعيرها من حين لآخر كما لو أنها لعنة أبدية . هذا وقد تمثلت الإشكالية الأولى بتجاهل مسألة (تعريق) الدولة وحسم موقفها من الانتماء الى العراق أرضا"وشعبا"، دون تمييز أو تفضيل على أساس سياسي / حزبي أو إيديولوجي / عصبوي . أي بمعنى ان الدولة العراقية لم تكن منذ تأسيسها دولة (مجتمع) كلي ، وإنما كانت – ولا تزال – دولة أصوليات ؛ إيديولوجية أو اقوامية أو طوائفية أو قبائلية أو عشائرية أو جهوية ، والآن بات عليها أن تستحيل الى كيان مؤسسي يتمتع بالسيادة الوطنية والقوة الشرعية التي من شأنها السمو به فوق تلك الأصوليات الفرعية والعصبيات التحتية . أما ما يتعلق بالإشكالية الثانية ، فقد تمثلت بعجز تلك الدولة وانعدام قدرتها على حيازة (هوية حضارية) عامة وشاملة عابرة للانتماءات التحتية والولاءات الفرعية ، والتي طالما شكل غيابها عائقا" جديا"في تحوّلها من دولة (رعويات) أصولية (اثنية ومذهبية وقبلية) متكارهة ، الى دولة (مواطنة) عراقية (معيارية ودستورية وإنسانية) جامعة وموحّدة .
وعلى هذا الأساس ، فان قضية (استعصاء) حيازة الدولة العراقية لكينونة حضارية عليا تتميز بها وتدل عليها ، وتكون لها بمثابة (هوية) وطنية جامعة تنضوي تحت رايتها – ولا نقول تنصهر في بوتقتها - مختلف أنماط الهويات والثقافات التي يتشكل من تفاعلها وتواصلها وتكاملها النسيج الفسيفسائي للمجتمع العراقي ، ستبقى العائق الأكبر والتحدي الأخطر ليس فقط حيال معضلة (اغترابها) المزمن عن بيئتها الاجتماعية الحاضنة (الوطنية) فحسب ، مثلما (فشلها) في استعادة سلطتها المنتهكة وإمكانية فرض هيبتها المستباحة فحسب ، بل وكذلك ستمنح للجماعات والكيانات الأصولية المنفلتة المبررات الواقعية والمسوغات المنطقية ، لكي تستمر بالتمترس داخل حصون عصبياتها الأولية والتحصن وراء جدران نوازعها البدائية .



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماضي وعلاقته بالدين
- الماضي وعلاقته بالاسطورة
- الوظيفة النقدية للخطاب الاعلامي
- انكفاء صيرورة (المواطنة) في وعي المواطن
- تفسير الأنماط الثقافية للشخصية العراقية
- الاسطوغرافيا العراقية والدعوة للتحول من الأعلى الى الأسفل
- المحنة العراقية : السلطة ضد الدولة
- مفارقات المثقف المؤدلج وفخ (الهجنة) الايديولوجية
- أرشيف الماضي وقاموس المعاني : قراءة في المقاصد والحدود
- السبق الحضاري في المجتمع المعطوب : فاعل عراقة أم عامل إعاقة ...
- الشخصية العراقية ورواسب الهجنة الايديولوجية
- القاع والقناع : احتباس الوعي بين التاريخ والايديولوجيا (حالة ...
- السياسة والفلسفة : تقارب أم تضارب ؟!
- الاطر الحضارية للعلوم الانسانية
- مفارقات المجايلة في سيكولوجيا الجماعات العراقية
- مجتمع الاصطناع .. وفقدان الأمثولة المعيارية
- مناقب الجمهور ومثالب النخبة !
- هل الى صحة العقل من سبيل ؟!
- العامل الاقتصادي وبندول الشعور الوطني
- السؤال الموارب : هل حقا-أنا مثقف ؟!


المزيد.....




- تتسلقها النباتات الاستوائية.. ألق نظرة داخل أفضل ناطحة سحاب ...
- قيمته 4.5 مليون دولار..هل تود شراء منزل خاص بك في جزيرة بليز ...
- خلال تفتيش حرب بالجيش الثاني.. السيسي: الهدف من 2011 كان سقو ...
- بريطاني وأميركي يفوزان بجائزة نوبل للفيزياء
- كيف نميز بين جريمة الإبادة الجماعية والجرائم الأخرى؟
- -يجردك النزوح من كرامتك-
- نائب الأمين العام لحزب الله: -طوفان الأقصى حدث استثنائي ولن ...
- محمد نبيل بنعبد الله يستقبل وفدا عن لجنة نداء طاطا
- بريطاني وأمريكي يفوزان بنوبل للفيزياء عن إنجازاتهما في -التع ...
- بوتين يستقبل علييف في الكرملين ويدعوه إلى قازان


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ثامر عباس - الدولة العراقية وتعسّر كينونتها الحضارية