اوبنهايمر

زياد ملكوش
كاتب
(Ziyad Malkosh)

الحوار المتمدن-العدد: 7689 - 2023 / 7 / 31 - 04:55
المحور: الادب والفن
    

امضى كريستوفر نولان 3 سنوات في كتابة واخراج “اوبنهايمر “ وكتبه بصيغة المتكلم وهذا مالم يفعله لا هو ولا اخرون من قبل معتمدا على كتاب “ بروميثيوس الامريكي “ الحائز على جائزة بوليتزر الامريكية لكايبرد ومارتن شيروين عن سيرة حياة العالم اوبنهايمر . من المعروف حسب الميثولوجيا اليونانية ان بروميثيوس هو الذي صنع البشر واحبهم وسرق النار من الاوليمبس واعطاها لهم ، الامر الذي اغضب كبير الالهة زيوس فعاقبه بربطه الى صخرة بجبل ياتي يوميا اليه نسر يأكل كبده الذي ينمو ليتم اكله مرة بعد اخرى حتى مجئ هيركوليس / ابن زيوس الذي ينقذه . تم التصوير بتقنية IMax 65 حتي للمناظر بالاسود والابيض ولاول مرة . كلف الفيلم 100 مليون دولار لكنه حقق مايزيد عن 400 مليون دولار لحد الآن . الدور الرئيسي كان للمثل الايرلندي كيليان مي رفي الذي سبق ان عمل عدة مرات مع نولان . قام بالادوار المساندة مات ديمون وايميلي بلنت وروبرت داوني جونيور الذي يفارق دور ايرون مان في افلام مارفل ليفاجئنا بادائه الرائع لرجل الاعمال وعضو لجنة الطاقة الذرية الامريكية لويس ستراوس . كذلك شارك عدد من الممثليين القديرين منهم كيسي افليك ورامي مالك وغاري اولدمان الذين ظهروا في لقطات قصيرة . يقال بان بعض الممثلين : ديمون وبلنت وافقا على اجور اقل من اجورهما المعتادة لعلمهما باهمية الفيلم . البريطاني نولان مخرج جيد جدا وافلامه السابقة لاقت مديحا من النقاد ونجاحا في شباك التذاكر فهو مخرج ثلاثية باتمان عن الفارس الاسود و Interstellar و Inception و Tenet و Dunkirk وغيرها .
استغرب البعض عدم استعانة المخرج بالممثل القدير مايكل كين الحاضر في معظم افلامه ، الا ان كين يعاني من الام في ركبتيه وسيكون من الصعب عليه التمثيل في هذا الفيلم ، كذلك لم يعجب البعض عدم وجود ممثلين سود البشرة فيه ، وهذا انتقاد سخيف فالفيلم يحكي عن سيرة الاشخاص الذين كانوا معنيين بصنع القنبلة في حينه وكانوا جميعا بيض البشرة . اجزم ان الفيلم سيترشح على الاقل ل 8 جوائز اوسكار وغولدن غلوب وغيرها منها افضل فيلم وافضل مخرج وافضل ممثل وافضل ممثل مساند .

روبرت اوبنهايمر والملقب بأبو القنبلة الذرية هو عالم امريكي يهودي الديانة هاجر ابواه من المانيا للولايات المتحدة حيث حقق والده ثروة بالعمل في مجال النسيج وتركا له ولاخيه ثروة تقدر بالتقييم الحالي بحوالي 8 ملايين دولار تبرع بحصته منها لجامعة كاليفورنيا كمنح للخريجين . حصل علي عددمن الدرجات العلمية من اكثر من جامعة وحتى شهادة في الفلسفة ، بعد نجاح انريكو فيرمي في تحقيق التفاعل المتسلسل وعمل يورانيوم في المختبر وبعد كتابة اينشتاين لروزفلت ان الالمان بصدد تصنيع قنبلة ذرية عُهد الى اوبنهايمر بادارة لجنة منهاتن لصنع القنبلة الذرية بمشاركة عدد كبير من العلماء .

تم صنع القنبلة وتجربتها في لوس الاموس في نيو مكسيكو وشاهد اوبنهايمر مع اخرون الانفجار الهائل الذي انتج طاقة تدمير ضخمة جدا . كان حماس اوبنهايمر لصنع القنبلة هو لايقاف المانيا النازية ، غير ان المانيا خسرت الحرب واستسلمت فتم اتخاذ القرار باستعمالها في اليابان لانهاء الحرب معها ، وهكذا تم القاء قنبلتي هيروشيما وناجازاكي وتدمير مدينيتين بالكامل وقتل آلاف المدنيين العزل في دقائق . قال الجنرال ايزنهاور فيما بعد ان اليابان كانت على وشك الاستسلام لكن ذلك لم يثني ترومان عن قراره فالاولى للتحذير والثانية للتذكير بوجود اكثر من قنبلة لدى الامريكيين كما قال البعض .

يبدو ان اوبنهايمر تألم بعد ذلك وأنبه ضميره لما حدث وبدا يتحدث عن ضرورة السيطرة العالمية على السلاح النووي خاصة بعد ان نجح السوفييت ايضا في تجربة القنبلة / بعد تسريبات علمية من لوس الاموس / كما عارض صنع القنبلة الهيدروجينية وقال للرئيس ترومان عندما التقاه انه يشعر بالدم على يديه فقال له ترومان انه هو الذي القي القنبلتين ثم قال فيما بعد لمساعده بانه لايرغب في رؤية ابن الكلب هذا في مكتبه مرة اخر ى . كان اوبنهايمر يعلم بقوة الطاقة التي الناتجة من التفجير الذري وقد قال له اينشتاين عندما التقاه ان الإنشطار النووي سيقود العالم للتدمير .

جرت جلسات استماع بعد اتهامات له بالشيوعية وبتسريب اسرار في الفترة المكارثية خاصة انه كان لاوبنهايمر ميول يسارية وسبق ان تبرع لليساريين في الحرب الاهلية الاسبانية كما كانت زوجته شيوعية سابقة وعشيقته التي انتحرت كانت شيوعية مخلصة للحزب . تمت تبرئته من تهم التجسس والشيوعية غير ان السماح الامني سُحب منه ولم يعد باستطاعته الحصول على معلومات او الدخول الى مؤسسات تعتبر امنية . عاش بعدها شبه منبوذ الى ان منحه الرئيس كنيدي ميدالية انريكو فيرمي التي سلمها له جونسون اثر اغتيال كنيدي . ظل اوبنهايمر يطالب بالرقابة على السلاح الذري حتى وفاته بسرطان الحلق ، غير انه لم يوقع عل الشجب الذي وقعه اينشتاين وبرتراند رسل ومجموعة من المثقفين والعلماء .

غير معروف على وجه الدقة موقف اوبنهايمر من الكيان المحتل في فلسطين فهو قام بزيارة الى هناك عام 1966 ، اينشتاين مثلا والذي كان مسالما وندم للكتابة لروزفلت عن التجارب الالمانية كما كان ضد اقامة دولة لليهود مع انه تبرع لقيام جامعة عبرية قبل قيام الدولة وكان مع قيام جامعة تدرس بالعبرية والعربية لكنه رفض طلبا ليكون رئيسا فخريا لاسرائيل .

المهم ان فيلم “ اوبنهايمر “ يقدم لنا تجربة بصرية وسمعية مذهلة في 3 ساعات يتنقل فيها نولان في عدة أزمنة ليس كما هو معتاد في الفلاش باك وانما في تفتيت حرفي للزمن ، وينتقل من مناظر بالالوان الى اخرى بالابيض والاسود وبمصاحبة موسيقى مثيرة . يبرع كيليان كيلي في اداء دور العالم الطموح والمحب والعاشق والحاقد والمبدع والمتحمس ثم الحائر والنادم والمتالم . لا يقل الممثلون الاخرون عنه في ادائهم .

لم يستعن نولان /كعادته عموما بالمؤثرات الكمبيوترية/ بل بصنع المؤثرات . تاخذنا كاميرته من وجوه الممثليين وانطباعاتهم الى صور تجريدية ربما لذرات او/و الكترونات تسبح وتصطدم .كذلك لم تكن هناك مشاهد لضحايا هيروشيما ونجازاكي كما اخذ ذلك عليه بعض النقاد غير انه لم يكن من داعي لذلك فقد تكررت هذه المشاهد كثيرا سواء في الافلام السينمائية او التلفزيونية او الوثائقيات .

يطرح الفيلم اسئلة كثيرة مع ان نولان قال عندما سُأل عن ذلك بانه لم يفكر في ذلك عند الاخراج مع علمه بان المشاهدين سيطرحون الأسئلة . إن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه عند مشاهدة الفيلم / وهو سؤال قديم ومشروع ولا اجابة قاطعة او متفق عليها بخصوصه / هو : هل الغاية تبرر الوسيلة ! اوبنهايمر يبرر في الفيلم استعمال القنبلة بان قتل الآلاف هو لانقاذ اعداد اكبر من الناس ، غير انه عندما شاهد ماحصل في اليابان اصابته الكآبة التي لازمته حتى الرحيل . الفيلم مذهل لكنه صعب وبحاجة للتركيز . لا داعي لذكر ان مشاهدة هذا الفيلم في المنزل مهما كان حجم شاشة التلفزيون والاجهزة الصوتية الموصولة به لن يقدم للمتفرج تجربة الجلوس في قاعة السينما امام شاشة عملاقة وصوت مثير .الفيلم ليس “ باربي “ الوردية مع انه يقال انه جيد وحقق ايرادات كبيرة ، كذلك ليس فيلم توم كروز في مهمته المستحيلة السابعة . هذا فيلم ل كريستوفر نولان .

الفيلم صرخة موجهة لاصحاب القرار في الدول الاستعمارية الراسمالية وغير الراسمالية بان السلاح النووي مدمر ومخيف بدرجة رهيبة ، الا تكفي مشاكل الفقر والمرض والاوبئة والتصحر والتغير المناخي والحروب المحلية التي بحاجة الى حلول عاجلة حتى تزيد عليها مشاكل الدمار الشامل والاشعاعات القاتلة ! ان كل الدول ستستعمل الاسلحة الذرية ان رات في ذلك ضرورة ، وسمعنا روسيا مؤخرا تقول انها لن تسمح بان تُهزم وانها ستلجأ للسلاح النووي وكذلك ستفعل اي دولة تملك هذا السلاح او في الطريق لذلك .

#زياد_ملكوش (هاشتاغ)       Ziyad_Malkosh#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات