جدال الخصوم

طلعت خيري

الحوار المتمدن-العدد: 7680 - 2023 / 7 / 22 - 11:21
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

لقد أنكر مشركي المدينة عقيدة البعث والنشور الأخروي فاخذوا يدافعون عن أفكارهم الشركية دفاعا مستميتا حيث دخلوا في جدال طويل وعميق مع التنزيل –الخطاب موجه الى كافة الناس في المدينة لأنها كانت تضم ديانات وعقائد وملل كثيرة كالذين هادوا والصابئة والمجوس والذين أشركوا من أهلها -- قال الله -- أيها الناس اتقوا ربكم – أي ابتعدوا عن عذابه - ان زلزلة الساعة شيء عظيم – بما ان الساعة من الأمور المصيرية التي لا يستطع الإنسان إدراكها -- نقل القران أهولها الى الواقع الدنيوي لأدراك تلك الحقيقة – يوم ترونها – تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها – فيوم القيامة ليس فيه حوامل ولا مرضعات -- إذن هي محاكاة للمشاعر التي سوف تتعطل من هول المشهد - وترى الناس سكارى وما هم بسكارى من شدة الهول دون تعاطي أي مسكر

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ{1} يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ{2}

دخل الفكر الوثني الشركي لأهل المدينة في جدال عميق وطويل مع الآيات القرآنية التي تدعو الى البعث والنشور الأخروي محاولة منهم إيقاف الانقلاب العقائدي الذي طرأ على المجتمع المدني والذي اخذ بالتناقص فما عاد السيطرة عليه بقبضة من الأفكار - وخاصة بعد ان علموا ان الوثنية استغلتهم أبشع استغلال في طقوس سلبت أموال ومقدراتهم أرضا للإلهة – فمن الطبيعي المستفيد اقتصاديا من تلك الطقوس الوثنية سيجادل عن أفكاره – قال الله -- ومن الناس من يجادل في الله بغير علم – أي ليس لديه دليل على صحة ما يقول - – ويتبع كل شيطان مريد – مارد أو متمرد – كتب الله على المجادل - انه من تولاه – من كان وليه الشيطان - فانه يضله ويهديه الى عذاب السعير – خاطب الله الناس -- قائلا -- ان كنتم في ريب - شك لعدم قدرتكم على استيعاب البعث والنشور فهدا دليل مادي -- فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء الى اجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد الى أرذل العمر لكيلا لا يعلم من بعد علم شيئا – لربما المثل فيه صعوبة كون مراحل الخلق تنشأ بعيدا عن الأنظار - - ضرب الله مثلا أخر على البعث والنشور - قال - وترى الأرض هامدة - هامدة خالية من مظاهر الغطاء النباتي فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت – اهتزت تعني استجابت للمطر - وربت - ارتفع نباتها - وانبتت من كل زوج بهيج – ذلك بان الله هو الحق – وليس كما تعتقدون غير ذلك - وانه يحي الموتى وانه على كل شيء قدير – وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور


وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ{3} كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ{4} يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ{5} ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{6} وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ{7}


انفرد القران بأحد عتاة المجادلين بعدما جادل في الله جدلا عقيما ليظهر اعرضه الكامل عن قبول فكرة البعث والنشور الأخروي - قال الله - ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير – ما هذا الجدال العقيم الذي لا يمتلك صاحبه ابسط الأدلة الفكرية للدفاع عن معتقده – لا علم ولا هدى ولا كتاب منير -- ثاني عطفه – ثنى يثني ثاني بمعنى لآوي عطفه لا يبدو في نيته التنازل عما هو في راية - ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق -- ذلك بما قدمت يداك وان الله ليس بظلام للعبيد – كشف الله النقاب عن بعض الناس ممن يؤمن بالله واليوم الأخر لكن إيمانهم ليس بالمستوى المطلوب بمعنى غير ثابت -- فقال -- ومن الناس من يعبد الله على حرف – حرف تعني زلة - فان أصابه خير اطمئن به وان أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين – فالذي انقلب على عقبيه يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد – يدعو لمن ضره اقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير – ان الله يدخل الذين امنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها ان الله يفعل ما يريد


وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ{8} ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ{9} ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ{10} وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ{11} يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ{12} يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ{13} إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ{14}

المجادل في الله عنده ماهية فكرية بخصوص الله - فهنا أصبح تضارب بين ماهية الله عند النبي - وماهية الله عند المجادل - فماهية الله عند المجادل استبعدت نصر الله لنبيه أو إكمال الدعوة --- رد الله عليه - من كان يظن ان لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليممد بسبب الى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيض – مفهوم الرد - أيها المجادل نجوم السماء اقرب إليك من ان لا ينصر الله نبيه – أكد الله على نصرة النبي في آيات منزلة – فقال - وكذالك أنزلناه آيات بينات وان الله يهدي من يريد -- أما طوائف المدينة التي اتخذت موقفا محايدا من الإسلام ولم يقحموا أنفسهم في أي جدال مع القران - قال الله عنهم – ان الذين امنوا والذين هادو والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا من أهل المدينة - يفصل الله بينهم يوم القيامة ان الله على كل شيء شهيد – بمعنى لا علاقة لك بهم يا محمد

مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ{15} وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ{16} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ{17}

لفت الله نظر النبي الى نقطه مهمة مفادها لن يتبعك جميع الناس فهم غير مجبرين على طاعتك بل هم مخيرون بين الحق والباطل --عكس المخلوقات الأخرى المرغمة على السجود الطوعي لأداء وظيفة خلقية تصب في مصلحة البشرية – قال الله -- لم ترى يا محمد ان الله يسجد له من في السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس – إذن اختيار العذاب هو اختيار إرادي وليس طوعي -- وكثير حق عليه العذاب - ومن يهن الله فما له من مكرم ان الله يفعل ما يشاء --- هذان خصمان –هما النبي والمجادل في البعث والنشور الأخروي – هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا – بالآخرة - قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود – ولهم مقامع من حديد – كلما أرادوا ان يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق – ان الله يدخل الذين امنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ{18} هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ{19} يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ{20} وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ{21} كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ{22} إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ{23}

#طلعت_خيري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات