أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد احمد الغريب عبدربه - الاتجاه الفينومينولوجي في فيلم البحث عن سيد مرزوق















المزيد.....

الاتجاه الفينومينولوجي في فيلم البحث عن سيد مرزوق


محمد احمد الغريب عبدربه

الحوار المتمدن-العدد: 7675 - 2023 / 7 / 17 - 22:09
المحور: الادب والفن
    


تميزت سينما جماعة أفلام الصحبة بملامح جديدة عن السينما الكلاسيكية او السينما الواقعية، فكانت الهدف هو تأسيس اتجاه سينمائي جديد، اقتربت ملامحه مع مدرسة الموجة الجديدة الفرنسية في الستينيات، وتكونت هذه الجماعة من المخرج الراحل محمد خان وبشير الديك وسعيد شيمي ونادية شكري وعاطف الطيب وخيري بشارة وداود عبد السيد، ويتعرض المقال إلي ابرز ملامح هذه الجماعة وعلاقتها بالموجة الفرنسية علي أكثر من مستوي، ثم يحاول المقال تطبيق الاتجاه الفلسفي الفمينولوجي علي أحد افلام احد اعضاء هذه الجماعة، وهو المخرج داوود عبد السيد في فيلمه البحث عن سيد مرزوق، وذلك في خط مقارن بين فمينولوجية الفيلم وبين فمينولوجية الموجة الفرنسية الجديدة، وذلك علي مستوي السرد والحبكة في الاحداث، ثم الانتقال إلي ابعاد صناعة الفيلم من تحليل المونتاج والاخراج، وتركيبة الشخصيات والتصوير، بالاضافة الي تفسير الابعاد الواقعية للفيلم من حكاية يوم في حياة مواطن يدعي يوسف وتشريح طبيعة المجتمع وسلوكاتيه في شخصية سيد مرزوق الذي يتحكم في كل خيوط اللعبة، وذلك يتم توضيحه في السياق التالي في ست عناصر.

أولاً : الموجة الجديدة في مصر ونظيرتها الفرنسية
ارتبطت الموجة الجديدة المصرية للسينما التي تسمي بالواقعية الجديدة، التي بدئت منذ منتصف السبعينات وحتي بداية التسعينات، بنظيرتها الموجة الجديدة بفرنسا، حيث كانت هذه الاخيرة مؤثرة في كل سينمات العالم، حيث كانت الظروف مواتية في كلا البلدين، ففي قرنسا ظهرت الموجة الجديدة في الستنيات والسبعينات علي يد مجموعة من كبار المخرجين، وكان اغلبهم نقاد في كراسات السينما، اهتموا بالسينما كصورة ونظرية، وقاموا بنقد الافلام، وليس صنعها فقط، فكانت هناك مدرسة سينمائية جادة، وترسيخ مناهج وقواعد سينمائية جديدة وهدم التقاليد المعتادة في السينما.
وكانت الظروف مواتية ايضا في فرنسا واوربا وذلك بعد الحرب العالمية الثانية، ووجود معاناة في المجتمع الفرنسي يحتاج الي تغيير، فكانت السينما تبحث عن ذلك، ففي مصر كان الظرف الموضوعي بمتغيراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقيمية - التي نجمت عن هزيمة 1967، ثم بداية تطبيق سياسات الانفتاح الاقتصادي 1974 له اثار كبيرة وسلبية علي الوضع السينمائي، فكانت هناك حاجة لظهور سينما جديدة بفكر جديد، بخلاف المدرسة الواقعية علي يد المخرجين الكبار الاوائل في السينما المصرية، حيث ظهر جيل سينمائيين جدد سعوا الي إحياء مدرسة جديدة للسينما المصرية.
وهذا الجيل الجديد تميز بالروح النقدية وسعة الافق، والرغبة السينمائية نحو التحرر من القيود والتقاليد في السينما المصرية، وذلك مثل نظيرتها الفرنسية، حيث كثير منهم كتبوا النقد السينمائي علي اكثر من مستوي علي مدار سنوات كثيرة باحترافية لسنوات. كما اتخذت هذه الموجة المصرية كثير من السمات العامة النظرية والتقنية والبصرية لأفلام وسينما الموجة الجديدة الفرنسية. سواء من حيث انتشار المطبوعات السينمائية، أو نوادي السينما. وارتبط المخرجين لهذه الواقعية الجديدة في الثمانينات امثال خيري بشارة وعاطف الطيب وداوود عبد السيد ومحمد خان بأسماء النقاد مثل يوسف رزق وعلي ابوشادي وهاشم النحاس وسيد سعيد وسمير فريد ومحمد عبد الفتاح ورفيق الصبان، وسامي السلاموني، حيث كان هناك سجال ونقاش بين المخرج والناقد. وذلك مثل ما حدث في الموجة الجديدة الفرنسية، فكان المخرج يتابع الناقد لتطوير أعماله، والناقد يتابع باستمرار تطور اعمال المخرج والسينما بشكل عام ومحاولة ترسيخ اول بأول قواعد منهجية وتنظيرية للسينما حسب ما يظهر من افلام هؤلاء المخرجين.
وتميزت الموجة الجديدة الفرنسية بتكاتف صناعها الشديد، فالمخرج الفرنسي فرانسو تروفو هو من قدم جودار في "كان" في فيلمه الاول، وهو ما ظهر في الموجة الجديدة المصرية، حيث كانت هناك شركة الصحبة التي ضمت عددا من المخرجين منهم داوود عبد السيد ومحمد خان وخيري بشارة، وكلا الموجتين، تحدوا منظومة التمويل التقليدية، ووقفا أمام تحكم المنتج من خلال التحرر من الأستوديو والخروج إلى الشوارع والأماكن الطبيعية للأحداث، مستخدمين التطورات التقنية وظهور الكاميرات المحمولة خفيفة الوزن، واستخدامهم للإضاءة الطبيعية، وكسرهم لأسس المونتاج القديمة من خلال تغيير أسلوب تقطيع المشاهد.


ثانياً : السرد وفينومينولوجية الموجة الجديدة:
تميز فيلم البحث عن سيد مرزوق للمخرج العبقري داوود عبد السيد بالبناء الغير تقليدي، وذلك تماشيا مع الروح الفينومينولوجية للموجة الجديدة الفرنسية، فليس هناك حبكة قصصية يستسلم لها المشاهد، فهناك اتجاه من المخرج الي دفع المشاهد الى تأمل الاحداث والمشاركه فيها، وذلك للوصول الي حقائق الحدث وهي من ركائز المنعرجات الفينومينولوجية، وهذا الفيلم سعي الي الخروج علي المألوف فيما يتعلق بصناعة الأحداث وسردها والانتاج الضخم وتوظيف الابهار البصري عن طريق التقنيات ، ولكنه سعي إلي التوظيف الجمالى للإضاءة والتحرر من الاستوديو والخروج الى الشارع.
ويتضح أن داوود تلاعب بالحبكة والقصة في الفيلم، من خلال أخذ المتفرج من مستوى إلى مستوى آخر، ومن مكان إلى مكان آخر، فهناك تدريج في السرد بهدف تنويع مستويات سرد القصة والتلقي للمشاهد دون تصاعد يقود إلى ذروة ما في الحدث، سرعان ما تذهب الي حل، ونهاية ما محددة، فيكون هناك توقعات في الأحداث والتفاصيل، فهناك مجموعة من المشاهد التي تساهم في تصعيد الإحساس بحالة ذهنية وحالة عامة تفرض نفسها على الأرض، دون أن يكون هناك تفسير جاهز مباشر لكل شيء. وهنا يحفز المشاهد علي اعمال الذهن والاحساس لادراك مقاصد الفيلم بجانب البعد البصري الهائل في الفيلم فيكون هناك جماليات بصرية وفكرية معاً، وكلما ظن المشاهد أنه توصل إلى “المعنى” الذي ينتج عن “تصادم” بين الشخصيات، إلّا أنه ما يكتشف أنه دخل في منحنى آخر، يمكن أن يمنحه معنى مخالف للمعني الذي توصل إليه . وداوود بهذه المستويات واسلوب السرد في الفيلم، يتحكم في الفيلم اخراجيا وتأليفيا، فهو المخرج المؤلف في هذ الفيلم، وبذلك يعبر الفيلم عن ما يريد ان يرصده، وياتي ذلك تماشيا مع شروط الموجة الجديدة المتعلقة بفكرة "نظرية المؤلف" حيث يصبح مخرج العمل هو كاتب السيناريو أيضا، واتخذت تلك النظرية من عبارة "الفيلم يشبه مخرجه" شعارا لها، وأساس نظري لتحليل الفيلم.
وتميز سيناريو الفيلم بعبقرية شديدة وغير تقليدية كما ذكرنا حيث بدأ كما انتهى تماما، وذلك يعني كتابة سردية دائرية للفيلم، حيث تصاعد السيناريو في البداية بلقاء "يوسف" لـ "سليمان الحكيم" في الحديقة ثم لقائه بـ "شابلن" في أحد الشوارع والجلوس معه على المقهى ثم لقائه بـ "منى" ثم "سيد مرزوق" نفسه، وفي نهاية الفيلم، السلم الذي نزله يوسف في بداية الفيلم مهرولا سقط عليه ليستضيفه "سليمان الحكيم" في منزله و يداويه، وبعد هروبه يذهب إلى المقهى الذي جلس به مع "شابلن" ليجده ويساعده على الهرب ليقابل بعدها "مني" ومنه إلى مشهد النهاية مع "سيد مرزوق" وكأنما أراد داوود أن يبدأ دائرة جديدة ولكن يخوضها "يوسف" أخر غير يوسف المهرول الاعتيادي الذي شاهدناه في بداية الفيلم.

ثالثاً: صناعة وتقنيات الفيلم
1)المونتاج
تشابه منهج المونتاج في هذا الفيلم واتجاه المونتاج في الموجة الجديدة والبعد الفينومنيولوجي، حيث كان المونتاج في الفيلم دقيقاً في ضبط حركة الإنتقال بين مشهد وآخر، من إنتقال بالقطع الحاد الى غيره ، كالإظلام التدريجي، هذا إضافة الى خلق إيقاع تراجيدي متناغم بين لقطات الفيلم ومشاهده، وذلك يعني تفرد وعبقرية داوود في مونتاج الفيلم، فليس هناك اسلوب يشابه ذلك في المونتاج لدي المخرجين الاخرين المختلفين عن داوود وفرقة الصحبة، وهم المخرجين الكلاسيكيين قبل داوود او خلال الفترة الذي تواجد فيها داوود، وذلك يتناسب مع قواعد المونتاج في الموجه الجديدة، حيث لم يكن لمخرجى الموجه الجديده اسلوب معين فى المونتاج وان كان اهم ما يميز مخرجى هذه الموجه هو المونتاج القافز والذى تميز به غودار حيث يعكس الاحساس بالتوتر والقلق .
2)الاخراج
تميزت الموجه الجديده الفرنسية باسلوب مختلف في الاخراج، وعملت على تحطيم الشكل القديم واستخدمت اسلوب مختلف فى الاخراج هو "التداعى الحر " وعدم الالتزام بالترتيب الزمنى للاحداث وكذلك تميزت هذه الموجه بالمزج والذى هو عباره عن تداخل تدريجي لنهايه أحدى اللقطات فى بدايه اللقطه التى تعقبها، وفي فيلم البحث عن سيد مرزوق، سعي داوود لتقديم اسلوب خاصة للاخراج يتناسب مع سيناريو الفيلم الخاص، حيث اتبع داوود المنطق السردي اللاواعي للسيناريو ـ مع إصراره على تقديم الأماكن والشخصيات بشكل واقعي.
3)التصوير
استطاع داوود كمخرج أن يختار زوايا خاصة للتصوير، وأحجام خاصة للقطات، تناسب سردية الفيلم الواقعية الفينومينولوجية، بالاضافة الي قدرته علي إيجاد علاقات خاصة بين الصوت والصورة وبين الضوء والظل والألوان ومع كل هذا راعي خصوصية تقوم على التناقض بين الواقعي واللاواقعي . فبالرغم من مراعات الإضاءة لحركة الزمن الطبيعية، إلا أنها تتجاوز الواقع في مشاهد كثيرة، كمشهد المقابر مثلاً، على حافة الكمال لأن أحداث الفيلم تدور في مدى زمني مدته 24 ساعة فقط، بل إن داوود اختار أن تكون أغلب أحداث الفيلم ليلا، فكان هناك حمل ثقيلا يقع على عاتق مدير التصوير طارق التلمساني، الذي أجاد بكل ما تحمله الكلمة من معاني في إضاءة و تصوير كل مشاهد الفيلم بما فيها مشاهد المطاردات بين يوسف والسلطة أي كان نوعها، واستخدام الإضاءة بشكل أقرب إلى الطبيعية، فخرجت المشاهد في أفضل ما يكون.
4) الشخصيات المركبة
فيلم “البحث عن سيد مرزوق” للمخرج داود عبدالسيد ينتمي إلى سينما الشخصيات والمواقف المركبة ومتعددة الأبعاد، التي يمكن أن تحمل أكثر من معنى، ويمكن رؤيتها من أكثر من زاوية. وهي عادة شخصيات مربكة، تقتضي من المخرج -وهو عادة المؤلف- التعامل بدقة مع السيناريو، ثم السيطرة الكاملة على عناصر الإخراج: الميزانسين، الكاميرا، الإضاءة، ترتيب قطع الديكور، المونتاج، وبالطبع، الأداء التمثيلي. كما تقتضي من المتفرج اليقظة وإعمال العقل.ور الشريف حاضر في كل مشاهد الفيلم، يتدرج أداؤه مع التطور الذي يطرأ تدريجيا على الشخصية التي يتقمصّها، شخصية المواطن المصري العادي يوسف كمال، ، نور الشريف يبرع في تطويع أدائه حسب مراحل تطور الشخصية، من البراءة وصولا إلى التحرر والإفاقة.

رابعاً : الفينومينولوجيا وواقعية داوود
سعي داوود عبد السيد في الفيلم الي الاقتراب من الواقع بشكل كبير رغم الابعاد السريالية والفانتازية، وهو بذلك لم يخالف الشروط الفينومنيولوجية للموجة الجديدة، التي تأثرت بشكل كبير بالواقعيه الايطاليه الجديده , التي خلقت لغه جديده فى السينما مستوحاه من تصوير الواقع والطبقه العامله حيث تسعي بمعالجه الواقع فى مجمله (اى مقاربه الواقع دون تحليله ) حيث تحررت الافلام – بحسب بازان – التى تقارب الواقع فى الحركتين من ظروف الزمان والمكان, فالفن ليس انعكاسا للواقع بل هو واقع التفكير حيث عملت الموجة الجديدة الفرنسـية علـى "تحطـيم الشـكل القـديم للفـيلم المفتعل الجيـد الصـنع وتفجيـر أسـلوب أخـر مـن الإخـراج يعتمـد علـى التـداعي الحـر وعـدم الالتـزام بالترتيـب الزمنـي. رغم ان داوود . في كتابته للسيناريو ، إعتمد على منطق اللاوعي ، وعبر عن منطق الحلم أو الكابوس ، في بنائه السردي ، الا ان الخط السردي لم يفقد الصلة بالواقع .
وتعبر حكاية الفيلم عن هذه الواقعية، فيحكي الفيلم عن يوم في حياة مواطن عادي اسمه يوسف كمال يخرج في يوم اجازته ويعتقد انه يوم عمل ، ويلتقي بفتاة كان يحلم بأن يقابلها، لكن في اللحظة التي يتصور أنه وجدها سرعان ما يفقدها، وكلما اعتقد أنه أصبح يعرف اسمها، إلّا واكتشف أن الأمر كذبة كبيرة مستمرة. وسيلتقي بمهرج يرتدي ملابس شبيهة بملابس الصعلوك “شارلو”، ويقلد شابلن في حركاته، وهو يعتقد أنه يقدم فنه للناس من خلال “البيانولا” التي انتهى زمانها، لكنه أيضا يقدم عروضه في شوارع خالية لجمهور لا وجود له. والأهم أن يوسف سيلتقي بسيد مرزوق، إمبراطور المدينة غير المتوج، الذي يسيطر تماما على عالمها وناسها ومنافذها، بعد أن تمكن من العثور على مفاتيحها. سيد مرزوق يتحرك ويتألق ويحتفل بالحياة في الليل، تماما مثل الكائنات الأسطورية، وفي تكوين شخصيته شيء أسطوري غريب كذلك، فهو صاحب جاذبية خاصة، له سحره وتأثيره المنوم على الآخرين، يحاضر يوسف عن الحياة وعن المدينة وعن الشعور بالمتعة، يغويه بالدخول إلى عالمه، يرتاح لسلبية يوسف وكونه مجرّد “مستمع″ فقط، لا يشارك في الحديث.
وهنا مفارقة واقعية اكتشافية صنعها داوود في بداية الفيلم ونهايته، وتعبر عن صراع عالم الخير مع عالم شر، ففي بداية الفيلم، ومنذ اللحظات الأولى ، يكتشف يوسف عالم سيد مرزوق ويقع أسيراً له، بل ويعلن بصراحة وبراءة ويؤكد ذلك بالكلمات الصريحة ويقول "أنا بحب سيد مرزوق"، ويقول أيضا "أنا عايز سيد مرزوق". ولكن مع مرور الاحداث في الفيلم واكتشافه لعالم سيدر مرزوق يدرك ، وعبر رحلة يوم واحد فقط ، مدى زيف هذا العالم الذي إنبهر به واعجب به، ومدى توحشه وكذبه . فسيد مرزوق هو نموذج لعالم السادة المتمحكمين في كل شيء .
وطوال الفيلم تفصح شخصية سيد مرزوق عن نفسها بالتدريج، وتبرز ملامحه علامه المتوحش القذر الذي يحبه يوسف كمال في الاول ويكرهه في النهاية، وذلك يدل علي افصاح أبعادا أكثر واقعية مع تطور احداث الفيلم، وسيد مرزوق هو نموذج حي وقوي للثروة التي تتحكم في السلطة، ولكنه يستشترف النهاية ويسعي لمغادرة البلاد، وينوي محاولة النهاية والموت علي يد يوسف وذلك يرمز لقدرته علي عدم الموت والاستمرار، فيمنح يوسف مسدسه ليصوبه محاولا قتله، إشارة إلى أنه قد انتقل من طبقة البائسين إلى المتمردين، بعد أن أصبح يملك مصيره بيده. ومع ذلك يفشل في قتل سيد مرزوق عندما يكتشف أن المسدس خال من الرصاص، فسيد مرزوق لا يموت.
يحاول الفيلم تفكيك واقعية المجتمع المصري وترسيم ملامحه، وهنا داوود يحاول اتاع الواقعية الفينومينولوجيا، وذلك في فترة التسعينات، ويدور الفيلم حول أربعة عوالم وفئات يتكون منها الواقع الراهن والمجتمع المصري . وهم عالم السادة الذين يملكون كل شيء ويحميهم القانون ، وعالم المطاريد الخارجين على السادة وقوانينهم ، وعالم الغلابة القابعين في منازلهم ، وأخيراً عالم المتمردين المشاغبين الذين يواجهون ويجابهون بقوة وشجاعة . وبهذا التقسيم للمجتمع ، يدين الفيلم ـ وبعنف ـ تلك السلبية التي تكمن في أمثال بطله يوسف كمال ، والذين سمحوا لبعض الطفيليين بأن يتبوؤا مراكزهم في حاضرنا.
خامسًا: العالم اللامرئي للفينومينولوجيا وسريالية الفيلم
سعي داوود في توضيح عالم سعيد مرزوق الغير مرئي عن طريق البعد الدرامي السريالي وتوضيح قدرته علي السلطة وتملكه للنفوذ والسيطرة وهذا العالم السريالي وهو تعبير اسلوبي عن العالم الواقعي لسيد مرزوق، يعني هناك صلية بين الفينومينولوجي الجديدة التي تسعي الي تحديد الظواهر من داخلها بدقة قبل دخولها حيز العالم المرئي الواقعي، فهي تسعي لابراز الحقائق بعوالم غير مرئية وهو ما اتبعه داوود كما ذكرنا عن طريق البعد السريالي، وداوود في الفيلم وفق في تطبيق الفينومينولوجيا الجديده التي تكتشف الصفات السلبيه فى الظاهره المستحيله / اللانهائيه /الغير مرئيه لاتخاذ الخطوات لاخراجها خارج حدود الفينومينولوجيا التقليديه. واهم ما يميز الحركه الفينومينولوجيه الجديده هو تحليلها للكيفيه الغير مرئيه للصوره السينمائيه وما ينتج عن ذلك من ارتفاع خيال المشاهد نتيجه التشبع فى الصوره.
ويقترب الفيلم من عالم كافكا الذي يتيمز بالغرائبية واللامرئية والاسلوب التعبيري، حيث يتدفق السرد بشكل طبيعي عبر يوم وليلة، من خلال إيقاع سريع ومشاهد متنوعة في المكان، تتراكم لتمنحنا شعورا كابوسيا، ومع التقدم في السرد يغلب الليل النهار، وتبدأ مطاردة يوسف وكأنه شخصية من عالم كافكا.

سادساً: رموز ودلالات في الفيلم
فيلم داود عبدالسيد يمتلئ بالرموز والدلالات السردية التي تعبر عن حقائق واقعية في المجتمع المصري، ومن هذه الرموز مشاهد فيلمية ترتبط بفكرة القمع الإنساني والاضطهاد الطبقي والسلطوي، والتعاون بين السلطة والثروة، ومن المشاهد التفصيلية الرمزية لفكرة صراع الخير والشر الذي سعي داوود لابرازها استمرار طوال الفيلم، تعرض يوسف كمال بطل الفيلم لانتهاك البراءة على يد فتاة ليل تصطحبه إلى مسكنها، ثم تبلغ عنه الشرطة. ويدل هذا الحدث علي صراع الشر مع البراءة.
والفيلم في مجمله يرمز إلي عمل فني احتجاجي ضد القمع والاضطهاد رغم انتقاله بين الواقع وما هو خارج الواقع. بالاضافة الي رمزياته المكثفة حول شخصية سيد مرزوق الذي يظهر عالمه علي نحو غامض، ويخلع عنه صفات ميتافيريقية كما لو كان يجمع بين الله والشيطان، بين السلطة والمال، الرقة والقسوة، وذلك يعني ان الفيلم يكشف عن عوالم اخري محسوسة، يدركها المشاهد، وبالتالي يمتلك الفيلم خاصية وهي الجمع بين الدلالة والإحساس، المدلول والمحسوس. وبالرغم من إيغاله في الواقعية.
وقد وفق داوود في صنع فيلم عظيم، يحقق ابعاد كثيرة من السينما المهمة والجادة، وذلك بالاستعانة العوالم المحسوسة والترميزية، ومما ييتح للمشاهد طوال الفيلم ادراك هذه المحسوسات، فالافكار التي يريدها الفيلم ليست مباشرة، وانما هي محسوسة لدي المشاهد وذلك حقق مقولة ميرلوبونتي «لا يمكن فهم دلالة السينما إلا عبر الإدراك، فالفيلم لا يفكر فيه بل يدرك… والسينما لا تقدم لنا أفكار الإنسان، كما فعلت الرواية منذ مدة طويلة، بل تقدم لنا تصرفه وسلوكه، وتمنحنا هذه الطريقة الخاصة للوجود في العالم».



#محمد_احمد_الغريب_عبدربه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المدرك الحسي والمجاز في السينما
- -قرن الماعز- البلغاري بين الصورة الواقعية الاشتراكية والروح ...
- جاك دريدا يقابل السيد نمش واشرف يوسف ويمنحهما قبلة - رؤية مت ...
- الوجودية
- إمكانات النقد في فلسفة ميشيل فوكو الكاتب: محمد الغريب
- مهاب ناجي ينتظر موتاه عند الترزي الاخير
- ثلاثة إضاءات فلسفية في سينما لوك جودار الفرنسي
- في فلسفة جماليات السينما: دلالات وملامح
- ملاحظات تشكيلية وجمالية حول لوحات عصام معروف
- اعترافات الجسد وكوابيس الكلمة عند -أن سكستون-
- جماليات الصورة التشكيلية والنقد الاقتحامي في نصوص الزعيم احم ...
- شربل داغر يقابل شارلي شابلن المريوطية ويفرض عليه طفولته وحبا ...
- الديناصوري يحاور عاملون الليل الظالم ويمنحهم رسائله المشفرة ...
- ماركس وفوكو في جدليات الذات المتفردة ودورها في الصراع
- رمزية السلطة والخوف.. -في غرفة العنكبوت-
- الوعي والاستعمالية بين فوكو وكانط وماركس ومدرسة فرانكفورت
- مقهي ماركس : شاعرية حكي أنثي الخفة الباحثة عن عزلة البهجة ال ...
- عوالم نفسية وثقافية تخيلية تحلق في روح الكاتبة اريج جمال
- في كنائس لا تسقط في الحرب بحث دائم عن أطياف الموت والحياة بأ ...
- علامات سردية وجمالية في فيلم الاب الروحي


المزيد.....




- فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي ...
- ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ ...
- بعد مسرحية -مذكرات- صدام.. من الذي يحرك إبنة الطاغية؟
- -أربعة الآف عام من التربية والتعليم-.. فلسطين إرث تربوي وتعل ...
- طنجة تستضيف الاحتفال العالمي باليوم الدولي لموسيقى الجاز 20 ...
- -لم أقتل زوجي-.. مسرحية مستوحاة من الأساطير الصينية تعرض في ...
- المؤسس عثمان الموسم 5.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 باللغة ...
- تردد قناة تنة ورنة الجديد 2024 على النايل سات وتابع أفلام ال ...
- وفاة الكاتب والمخرج الأميركي بول أوستر صاحب -ثلاثية نيويورك- ...
- “عيد الرّعاة” بجبل سمامة: الثقافة آليّة فعّالة في مواجهة الإ ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد احمد الغريب عبدربه - الاتجاه الفينومينولوجي في فيلم البحث عن سيد مرزوق