(بمناسبة الذكرى 36 لنكبة 5 يونيو)
شاعر عراقي مقيم في السويد
الشجرة تحترق
وينبعث من أوراقها نور المحبة
وطفل فلسطيني
حافي القدمين
يحمل في عينيه شرارة قدسية
ينظر إلى الشجرة المحترقة
نظرة الفيلسوف المتأمل
وجسد أبيه تحت التراب
في ظل شجرة الزيتزن المقدسة
أيها الصبي الذي لازال طعم الحليب ماثلا بين شفتيك
حليب الأم الفلسطينية
يجعل الصاروخ ينهزم من برائتك
وينتحر الجبروت من نظرتك
ويهرب من إيمانك
وتبكي الطبيعة المتعطشة لحبك
وتلتقي الأرواح المقدسة لتشرب من كأسك
وفلاسفة العالم يتأملون في قضيتك
والسلاطين في القصور الفخمة يتآمرون على قتلك
وأنت لا زلت كما أنت
وستبقى كما أنت
تنشد للقضية كما أنت
مع الحرية بلبلا
لا ترضى عشا
إلاّ على شجرة أرضك
والذئاب تحتها تئن من تغريد قلبك
آه يا وطني!
أرضي وينابيع الدماء ترويها
آه يا أبي!
قريتي وألسنة النيران تحرقها
آه يا أُماه!
أهلي وعقلي وساقية مزرعتي والحراب تحصدها
آه يابلدي!
أكواخي وجرارات المدنية تهدمها
آه يا عالمي!
والظلام الدامس يغمره
ووطني وشلالات الدموع تسقيه
وعصفورتي تبكي
وتسأل عن قيثارتها المسروقة
وتبحث عن أعشاشها المحروقة
وتبكي على الفراخ المفقودة
ما لي أرى النور ينبعث من ذاتك؟
أيها الصوت الحزين
أيها الصبي الفيلسوف
في ثنايا التاريخ
أحب السلام
والسلام يُصلَبُ في وسط جنينتي المحروقة
والسلام يبكي بين الدماء المسكوبة
والسلام ينشد السلام ويقتل السلام
في أرض السلام
في بلد السكينة والأمان
وصبايا وجمالات يفقدن السلام
ويبحثن عن الأمان
صوت يأتيني من أعماق قلب جرحه عميق
ويحملني إلى الأقصى الحزين
أسمع أنين الطفل الجريح
يتحدث مع الشجرة التي تلتهمها نيران
أشعلها جنود إسرائليون
بالأمس أُستُشهد أبي
تحت هذه الشجرة التي غرسها
في طفولته
ورواها بعرقه في شبابه
وسكب دماءه على جذورها
عشقا لها
فقُتِل تحت ظلالها
لينام قرير العين
في مرقده الطاهر
ولينهض من براءته
ويمسك بيد القاتل
ويسأل رب العزة
"يارب إسأله لِمَ قتلني؟" (1)
أرى أنوارا من فوق أوراق الشجرة المحترقة
أنوار المحبة
وهي تهزم الظلام والخوف يمزق جدران ذاته بين الآلام
والحرية تتقدم لتُرهب القيادات الإنهزامية
وقد تلمذت على مائدة الإستعمار
والصبي الفيلسوف يغني
"بئس ما تاج فوق رأس خانع ذليل". (2)
5 يونيو 2003
(1) يسأل العبد المظلوم خالقه يوم الحساب، حيث محكمة السماء، أمام ملك الملوك، العادل العدل، ليسأل: يارب! إسأل الظالم لِمَ قتلني. هذا طِبقا لما ورد في الشرائع السماوية، بعدم جواز قتل المظلوم البرئ.
(2) شطر بيت شعر قالته بلقيس ملكة سبأ، حين دعاها سلطان أن يختار بين الإستسلام أو الحرب فأنشدت
"بئس ما تاج فوق رأس خانع ذليل
ونِعمَ ما قيد في ساعد حر أبي".