أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - خالد يونس خالد - وحيث لايفقد جدول العقل مجراه في صحراء التقاليد الميتة















المزيد.....


وحيث لايفقد جدول العقل مجراه في صحراء التقاليد الميتة


خالد يونس خالد

الحوار المتمدن-العدد: 489 - 2003 / 5 / 16 - 07:22
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


                "وحيث لايفقد جدول العقل مجراه
                   في صحراء التقاليد الميتة"
 
د. خالد يونس خالد *
 
"حيث العقل لايخاف ، والرأس مرفوع عال
وحيث المعرفة حرة
وحيث العالم لم يمزق التعصب جدرانه
وحيث تخرج الكلمات من أعماق الحقيقة
وحيث الكفاح المستمر يمد ذراعيه نحو الكمال
                                   طاغور

كلما سنحت فرصة ذهبية للشعب العراقي في تحقيق أهدافه المشروعة في الحرية والتقدم، والتفاهم مع الشعوب، تتدحرج الآمال من أعلى إلى أسفل. أتأسف أن أقول بأن العقل العراقي بكل شرائحه لازال يتردد في التعامل مع الأحداث في غمرة المظاهرات والهجمات الشرسة لبعض الفضائيات التي كانت ممولة من قبل النظام العراقي البائد في أجواء هزيمة العقل الشرق أوسطي برمته. فالإرتفاع ليس مخيفا إنما السقطة هي المخيفة. فكم مرة تساءل الباحثون عن التاريخ الذي لايُقرأ، وإذا قُرأ فلا يُقرأ عن وعي، وعدم الوعي بالتاريخ يجعل التاريخ عديم الجدوى، ولا يمكن حينذاك الإستفادة من تجارب النجاح والفشل، فيصيب العقل بالكسل أيام الحصاد،. فكلما إقترب العراقيون من الساحل، تهب عليهم رياح الغرور والتسرع، فيبتعد عنهم الساحل، على عكس ذلك الإنسان الذي عبر البحر بين الأمواج العاتية، وهو ينتظر إلى الساحل كيف يتقدم نحوه، أسرع مما يتقدم هو نحو الساحل.
   إننا نعلم بأن العقلية الشرق أوسطية توجه جام غضبها على كل الذين ينقدونها، سواء كان النقد بناءا وعقلانيا أو هداما. العقلية التي تحكم المنطقة تقول دائما نفذ ثم ناقش. ولكن هذه المقولة المتحزبة الإستسلامية يشمل الحزبيين، فالاحزاب "الجماهيرية" كما إعتاد العرب والكرد أن يقولوها، تجعل من الناس رعايا وليس مواطنين. أما المستقلين أي الغير متحزبين الذين يصرون على مواطنتهم ويرفضون أن يكونوا أقل من أولئك القادة الذين يحتكرون المواطنة لأنفسهم في حكم الرعايا، فلا ينقذوا قبل أن يحاوروا بتعقل واحترام. نحن العراقيون نعتز بوطنيتنا قبل تحزب المتحزبين من القادة والقواعد، ونفكر بمصلحة العراق وشعب العراق بعربه وكرده وأقلياته قبل الإجتماعات الحزبية العديدة التي جعلت بالأمس من الإتحاد السوفيتي ملاكما ينهار وعلى رأسه أقوى تنظيم حزبي، لأن التحزب الذي يجعل من المواطنين رعايا للقادة، يسلب منهم وطنيتهم، فمثل هؤلاء المتحزبين لا يجيدون حمل الفكر ليحاربوا الأعداء مهما حملوا من سلاح.
     فالذين يريدون خيرا للشعوب المظلومة من الكرد والفلسطينيين والشعوب الأخرى ومنهم العرب  يعطون لأنفسهم الحق في الدفاع عن الخير ونقد ما يهدد هذا الخير بعيدين عن المهاترات والتملق لهذا الحزب وهذا القائد أو ذاك، إنما يكتبون لأنههم يشعرون بأن ما يكتبونه هو ما يملي عليهم ضمائر شعوبهم، وليس مصالح قادتهم، وهم في ذلك غاية بحد ذاتها وليسوا وسيلة، ومن هذا المنطلق نقول سُحقا لولاء يُباع ويُشتَرى.

لماذا هذه الأعلام التي تتخاصم في الهواء؟
شعرت بالإستياء حين سألني كاتب سويدي في فترة إستراحة لقاء الكتاب في نادي القلم، عن هزيمة العقل أثناء إستقبال الكرد للمسؤول الأمريكي غارنر في كردستان، قبلات وإحتضان وورود وبسمات وحب وعشق بلا نهاية. الشباب يحملون الأعلام الأمريكية، وأعلام الأحزاب الكردستانية وعلم كردي ذات الألوان الأربعة وموسيقى وأغاني ورقصات شعبية. سألني صاحبي وهو يحاورني قائلا: كم دولة تعيش في أحضان كردستان؟ لم أفهم مغزى كلامه، وقلت له كردستان هي موطن الحب والحرية، وعانت الكثير من الظلم على يد النظام الدكتاتوري العراقي المنهار. جاوبته بعفوية وبلا تحديد عن سؤال عجزت عن فهمه. فقال، الراقصون أمام المسؤول الأمريكي غارنر، يحملون خمسة أعلام متباينة، وأنا لا أفهم معنى هذه الأعلام فهل لك أن تساعدني في قراءتها ايها العراقي المنفي؟ قلت نعم الآن فهمت ماذا تعني؟ إنها العفوية، إنها الأفراح والآلام ووحدة التناقضات. العلم الأصفر يمثل الحزب الديمقراطي الكردستاني، والعلم الأخضر يمثل الإتحاد الوطني الكردستاني، والعلم الذي أعلاه أحمر، وأوسطه أبيض فيه قرص الشمس الصفراء ، وأسفه أخضر فإنه يمثل كردستان، والعلم الأمريكي يمثل أمريكا في كردستان، أما العلم الخامس فيمثل العجز في مواجهة الأحداث من أفراح وأحزان بزيارة المسؤول الأمريكي لإعادة بناء العراق. فقال مترددا وهو يحدق في وجهي الغريب القريب:  ولكنكم لاتدرون ما ذا يعني الأمريكيون بالبناء؟ فالكرد لا يعرفون ما تختبئ لهم الأيام؟ 
   تابع صاحبي، الكاتب السويدي العجوز: ولكن متابعتي للأحداث في العراق، لم أجد  بأن الأعلام الأمريكية تُرفع في الوسط والجنوب بهذه الصورة، ولكن رُفعت أعلام سوداء وخضراء وبيضاء. لا أعلم يا صديقي الغريب من العراق البعيد ، وأنت في المملكة السويدية التي لم تدخل الحرب منذ أكثر من مائة وثمانين عاما، حتى في الحربين العالميتين، لا أعلم كم دولة تعيش في مخيلة العراق قبل أمريكا التي تخطط للعراق. إنكم جميعا ضد نظام صدام والبعث هذا ما أعرفه، ولكم الحق كل الحق في ذلك، فقد ترك الدكتاتور العراقي المهزوم شعبا بائسا يجيد الحقد على صدام, أما أن يرفع الشعب هذه الأعلام الكثيرة والمتناقضة، فيعطيني أملا ويأسا في آن واحد، وكأن الشعب في طريقه لتقسيم البلد إلى دويلات وأقاليم، وكأنه يستعد للرحيل أو للحرب، وكأنه يبحث عن الظمأ بدلا من الماء، وكأنه بأفراحه متشتت ومتبعثر، وكأنه بحاجة إلى شئ فقده بعد أن تحرر من الطاغوت، وكأنه يفهم ما يريد، ولا يعلم ما يفعل، وكأنه يشتاق للحرية، وهو يهرب منها. فأين أنتم يا صاحبي من حرية عنها تكتبون، وفي أحلامها تعيشون، وأنتم تتقاتلون؟

الضياع بين الدعوات المتناقضة
1. دعوة تشكيل دولة إسلامية:
الجماعات الإسلامية والإسلاموية تطالب بتشكيل دولة إسلامية. فالحزب الإسلامي العراقي الذي يمثل السنة يريد عراقا إسلاميا تحكمه العقلية الدينية على غرار السعودية أو على هدى فكر الإخوان المسلمين. وأحزاب الدعوة والمجلس الإسلامي الأعلى تريد دولة على فكر الإثنى عشرية. وهذه الدولة تحكمها الحوزة العلمية. والخلاف ظاهر فيما إذا كان العراق مركز الحوزة العلمية أو إيران.
   السعودية ترفض دولة شيعية في العراق، وتركيا تخشى أن تصبح محصورة بين الكماشة الإيرانية والعراقية الشيعية. وإيران ترفض دولة إسلامية سنية تضعف الفكر الشيعي في الجنوب. أما في الداخل فالأمر أكثر تشتتا. فالسنة يخافون من سيطرة مذهب ديني واحد على العراق، وهكذا بالنسبة للشيعة من السنة. والعلمانيون يخافون من جعل الدين سياسة ، والسياسة دينا، فيفقدون الحركة في العمل السياسي. والمسيحيون والأيزيديون يخافون من حكم دين واحد دون آخر. فكيف السبيل إلى إيجاد حل للقضايا الأثنية والطائفية في عراق الغد؟
   لسنا هنا بصدد العداء لأي حزب سياسي أو دولة جارة، لكن لابد من تحليل الأوضاع من باب مصلحة شعبنا العراقي حتى لا نقع في نماذج مستوردة قد لا تصلح للعراق. نتساءل هل نجحت السعودية في حل مشاكلها الإجتماعية في ظل دولة "مسلمة"؟ والأهم من ذلك هو التسائل الخطير الآخر في دولة متعددة الأعراق والألوان كالعراق وإيران. لنأخذ إيران على سبيل المثال، الدولة المسلمة التي حطمت نظام شاه المقبورعبر ثورة الشعوب الإيرانية، الثورة التي ساهم فيها الشعب الإيراني كله ، من ليبراليين وراديكاليين وإسلاميين متحزبين بزعامة سماحة آية الله الخميني. ولكن أين هؤلاء الليبراليون الذين حكموا إيران في الحكومة الإيرانية الأولى؟ أين ذهبوا مع التيار الديمقراطي الإسلامي؟ قطب زادة وزير الخارجية الإيراني الأول، وبازركان رئيس الوزراء الأول، وابو الحسن بني صدر الرئيس الأول للجمهورية الإسلامية، والذي حصل على إثنا عشر مليون صوت وغيرهم من اللبراليين.   وبالنسبة للكرد، نتساءل أيضا أين ذهب الزعيم الكردي عبد الرحمن قاسملو الذي كان عضوا في لجنة وضع الدستور الإيراني بعد الثورة؟ وأين خليفته شرف الدين كندي الذي قاد "حزبي ديموقراطي كوردستاني إيران؟ نعم كلاهما قتلا خارج إيران؟ ولكن أين حق الشعب الكردي في كردستان الشرقية (كردستان إيران) وأين حقوق الأقليات الأخرى كالعرب والتركمان والبلوش والأذريين؟ 
   نحن مع الإسلام ومع حكم الإسلام، ولكننا نعرف الإسلام بالقرآن والسنة، وبحكم العدل والمساواة وحق الشعوب في تقرير مصيرها. ولكن هل توجد دولة إسلامية على هذا الطراز في عالما الإسلامي؟ الجواب عندك أيها القارئ اللبيب.

2- دعوة تشكيل دولة علمانية:
هناك مجموعات أخرى تطالب بعراق علماني. لكن الإشكالية بالنسبة لكثير منا هي عدم التمييز بين العلمانية الديمقراطية والعلمانية الإستبدادية. فالعلمانية الديمقراطية التي تؤمن بحق الأفراد في الحرية، وحق الشعوب في التحرر وتقرير المصير كسويسرا التي تقر مثلا بوجود أربع قوميات لها حقوقها، وتعتبر اللغات الأربعة رسمية، وتدرس في المدارس حتى أن الشخص الألماني أوالفرنسي أوالإيطالي في سويسرا مع  يشعر بأنه يتمتع بحقوقه أكثر مما لو كان في ألمنيا أو فرنسا أو إيطاليا، فيحب وطنه سويسرا أكثر من حبه لألمانيا وفرنسا وإيطاليا.
   أما العلمانية الإستبدادية على غرار تركيا فبعيدة كل البعد عن الحياة الحرة الكريمة. وديمقراطيتها هي القهر والعداء للحرية والدين معا، إنها ديمقراطية التصويت التي عبر عنها المفكر الفنسي جان جاك روسو: "الفرد حر لحظة إدلائه بصوته، ومتى ما وضع ورقة التصويت في صندوق الإقتراع يرجع عبدا" .

النموذج العلماني التركي نموذج عدواني لا يصلح للعراق ياسادة
صرح المسؤولون في الإتحاد الوطني بأن النموذج التركي للعلمانية يصلح للعراق. وفي اليوم الثاني صرح وزير الخارجية الأمريكي باول بنفس التصريح.
     نقول بصراحة، وبمسؤولية مفعمة بالمحبة بأن النموذج التركي للعلمانية الإستبدادية نموذج بعيد عن الديمقراطية لأنه نموذج يسلب من الشعب حريته. فهناك فرق بين هذه العلمانية الإستبدادية وبين العلمانية الديمقراطية التي تؤمن بحق الشعوب في الحرية.
  بعض المسؤولين في أقليم كردستان مركز السليمانية ومعه الوزير الأمريكي يحجبان الغابة وراء أصبع واحد وهما ينظران إلى الغابة بعين واحدة. العلمانية التركية لاتؤمن بحق الشعب الكردي في كردستان الشمالية (كردستان تركيا) في الحرية، لا بل لا تعترف حتى بوجود الكرد في كردستان. والأنكى من ذلك أن العلمانية التركية الإستبدادية ترفض أي حقوق للكرد في كردستان العراق أيضا، بل ترفض الفيدرالية للعراق، وتود تجريد الكرد من سلاحهم، وترغب في ضم أقليم كردستان العراق  وولاية الموصل إلى تركيا. أي ضياع هذا الذي تصرح به القادة الكرد مع الوزير الأمريكي؟ لماذا هذه الهزيمة أمام الغول التركي؟ مَن يقرر حكم العراق؟ أليس الشعب العراقي يقرر مصير العراق؟ وهل هناك حزب كردستاني أو عراقي واحد يمثل عموم العراق؟ لماذا هذا التسرع في التصريحات اللامسؤولة بحق الشعب العراقي عامة والشعب الكردي خاصة؟
   لقد إتخذت قيادة الإتحاد الوطني الكردستاني هذا الموقف من العلمانية بسبب عدائه للتنظيمات الإسلاموية الكردية، لكن العداء للإسلامويين يجب أن لا يؤدي إلى وقوع الإتحاد الوطني في الفخ، والدخول في ظلام نموذج العلمنة التركية الإستبدادية.
  نحن نريد نموذجا يلائم العراق وشعب العراق، لا نموذجا فاسدا مستوردا من بلد تكُم الأفواه وتقتل شعوبها. وهنا يجب توعية الشعب والعمل على تعاون كافة القوى الديمقراطية العراقية من أجل عراق ديمقراطي تعددي برلماني فدرالي، ومحاربة االإرهاب، وسد الأبواب أمام العلمانية الإستبدادية التركية، والعمل على الإعتراف بحقوق كافة الأقليات القومية في العراق بدون إستثناء. نريد عراقا تسوده الحرية والأخوة والمساواة والمحبة بعيدا عن الطائفية والمذهبية والقومية الشوفينية والتمييز بين أبناء الشعب بسبب الدين والعرق والمذهب. صحيح أنه تحدث تجاوزات في البداية، ولكن بالممارسة الأخوية، وقبول الآخر، والتربية الديمقراطية المفعمة بالكرامة الوطنية ورفض الخضوع للأجنبي نبني عراق المجد والحضارة والأخوة والوفاء.

مجاهدي خلق عنصر إضطراب في العراق 
صرح مصادر مسؤولة في قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بإمكانية بقاء مجاهدي خلق في العراق بشرط أن لا يشنوا أي هجوم على إيران. تصريح بعيد عن الواقعية السياسية. فالسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ما هي الفائدة من بقاء مجاهدي خلق في العراق؟ الشيعة في الجنوب يرفضون مجاهدي خلق، وبقاءهم في كردستان عامل قلق وإضطراب. ومجاهدي خلق مجموعة ضمن قائمة الإرهاب الدولي، لأنها تمارس العنف. أنا هنا لست بصدد الدفاع عن النظام الإيراني ولكني بصدد حبي لعراقنا بالمعنى الكبير للكلمة. إننا نعلم جيدا بأنه لا مجاهدي خلق ولا النظام الإيراني يعترفان بحقوق القوميات والأقليات القومية في إيران، ومنهم الكرد. 

دور الفضائيات العربية في تقوية النعرة القومية الكردية
لا شك أن الدور السلبي لبعض القنوات الفضائية العربية كقناة الجزيرة وقناة العربية في إظهار العداء المكشوف للكرد جعل من الكرد أن يفكر بإستحالة العيش مع العرب، والعرب شعب عظيم مغلوب على أمره من ظلم حكامه يظلم نفسه أكثر مما يظلمه الآخرون، ويظلم غيره أكثر مما يقول. فالإعلام وسيلة للتفاهم وعرض الأحداث لمصلحة الشعب، لكن بعض الفضائيات العربية تحولت إلى أبواق للدفاع عن الفكر الإستبدادي، وحماية العدوان، والعداء للشعب العراقي البائس الذي هو بأمس الحاجة إلى التعاون والتكاتف، وإلى إعلام نزيه يحميه من الظلم والعذاب الذي لحق به طوال سنين حكم الطاغية صدام وجلاوزته. فهذه الفضائيات جعلت من الكرد أن يبلور وعيه القومي بشكل لم يسبق له مثيل، مما جعل بعض المتحمسين أن ينظروا إلى الأحداث بمنظار هذه القنوات التي تزرع الكراهية بين أبناء الشعب العراقي من طائفية وعرقية ومذهبية. إنها الهروب من الحرية كما قال السوسيولوجي الكلاسيكي المعاصر (أريك فروم) ، بهروب الإنسان من الحرية حين تسلب هذه الحرية منه الطمأنينة. فلماذا هذا السقوط للعقل العربي في قيادة هذه الفضائيات؟ ولماذا هذه الهزيمة النفسية لهذه القنوات المريضة في العمل على تشتت وتشرزم أبناء الشعب الواحد؟ دعوا العراقيين يبنون بلادهم، وهم بحاجة إلى دعمكم وتعاونكم ومحبتكم.
   يشعر الإنسان بالإستياء حين ينظر إلى بعض الفضائيات التي تقول كل يوم ألف مرة بأنهم يحترمون الرأي والرأي الآخر، وهم يقتلون الرأي بتوجيه الناس إلى تخدير العقل بالدفاع عن الظلم والإستبداد الذي كان النظام العراقي المقبور يمارسه ضد الشعب العراقي. فلا زالت هذه الفضائيات تخفي مئات السجون تحت الأنفاق، وآلاف الناس المتعفنين أجسادهم في الزنزانات، وقد صعدت أرواحهم الطاهرة الذكية إلى السماء العلى بجوار البارئ الذي هو حي  لا يموت. وإعلاميونا يستمرون في إعدام العقل، وقتل الفكر بأسم حرية الصحافة، وهم يسيئون إلى الصحافة مثلما يسئون للشعب العراقي. لا نريد منكم شيئا سوى أن تقولوا الحقيقة يا سادة، فلا تظلموا شعبنا العراقي، ولا تظلموا أنفسكم فالتاريخ يسجل مواقفكم، والله جل جلاله في السماء العلى لا يرحمكم.

دور بعض أشباه الكتاب في زرع الحقد في النفوس
ظهر مع الأسف أشباه الكتاب يكتبون أكثر من مقال كل يوم، كل يوم، كل يوم،  وهم عاطلون عن العمل، ويعيشون عالة على المجتمع الذي يعيشون فيه، يكتبون المهاترات والمسبات والشتائم، تارة ضد الكرد، وتارة ضد التركمان، وتارة ضد العرب والآشوريين والكلدان. ياإخوتي ما هكذا نكتسب الحرية، فالحرية لا تُمنح ولا تُشترى إنما تُكتسب بالعلم والمعرفة والنضال. ولا يمكن ممارسة الديمقراطية بلا عقل، فالديمقراطية شئ عقلاني في النهاية كما قال نهرو، والحرية هي غياب العنف النفسي والجسدي، ولا يمكن ممارستها بالإهانة والشتم والإستسلام. فالذين يستطيعون ممارسة الحرية يجب أن يكونوا واعين لفهمها وممارستها، وقبول الآخر بغض النظر عن الدين والعرق واللون. ماذا يستفيد الشعب العراقي من الشتائم؟ وماذا يستطيع العربي في الدول العربية الأخرى أن يعطي للعراق ولشعب العراق إذا دافع عن الظالم الذي حكم العراق خمسة وثلاثين عاما بالحديد والنار وزنزانات تحت الأرض، وقتل وتهجير وعدوان؟ أليس من الحكمة أن تنقد وتنصح الناس بدلا من أن تشتم وتسب وتهين، وأنت في كل ذلك تعتدي على ذاتك قبل غيرك. وتذكر قول الشاعر:
لسانك لاتذكر به عورة أمرئ
فكلك عورات وللناس ألسن
وعينيك إن أبدت لك معايبا
فصنها وقل يا عين للناس أعين
    نحن العراقيون نريد الحرية، ولن نرضى بحكم أي طاغوت، ونرفض حكم أي أجنبي على العراق، ولا حكم مذهبي أو طائفي أو عرقي ولا حاكم عسكري أو دكتاتور أوحزب واحد. نريد حكم الشعب، كل الشعب بكل طوائفه وألوانه المفعمة بالمسؤولية الفردية والجماعية والإجتماعية في ظل حكم القانون والفصل بين السلطات. أتركوا العراق للعراقيين، وساعدونا خيرا لا عداءا وحقدا. نحن في المرحلة الإنتقالية، ونتفهم بحدوث تجاوزات، لكننا بحاجة أن نلملم جراحنا ونداويها حتى نستطيع أن نتحرك للبناء، ونقول للأجنبي، ها نحن مؤهلين لحكم أنفسنا بحرية فارحلوا إلى بلدكم. لذلك فإننا نفتح آلاف الأبواب للمساعدة، ولعل الشعوب العربية والإسلامية والكتاب والمفكرين والصحافيين يتحملون المسؤولية الأخلاقية والأدبية قبل المسؤولية السياسية في مساعدة الشعب العراقي، لا بعقلية الشتائم والطائفية والتخلف واللامبالاة. 
   ولكن من المهم أن نفكر بعقولنا لا بعواطفنا، وأن نفكر مليا وبصبر وأناة، ونفهم بجلاء بأن الحرية ليست سلعة إستيراد وتصدير، ولا طبخة شهية طُبخت في واشنطن أو لندن أو دمشق أو أنقرة أو طهران. الحرية عروسة تُخطب من وراء أسوار السجون، وبالأنفس الذكية والدماء الطاهرة التي سكبت وتسكب حتى تروي هذا البرعم ليتفتح إلى زهرة تفوح بعطرها على الشهداء والأحياء. لذلك لابد أن نفهم بأن السرعة تؤدي إلى الندامة، وإن فقدان القانون، والنظام، وقوة الإلزام تؤدي إلى حرب أهلية، إذا لم نتعاون مع بعضنا البعض، وننسى أحقاد الماضي، ونغسل أرواحنا من الحقد والكراهية، ونعمل من أجل أمنا الجميلة ، العراق الحبيب. لذلك أيضا فإن إنسحاب القوات الأمريكية التي نرفضها قد تؤدي إلى كارثة في الوقت الحاضر. لابد من إنتخاب حكومة شرعية، من الشعب، ولابد أن يقبض الشعب على السلطة أولا، ولابد أيضا من وجود قوة شعبية منظمة في جيش عراقي مخلص لحماية الشعب والوطن، ثم لابد من إنسحاب القوات الأجنبية من عراقنا، لتكون الحبيبة العراقية للحبيب العراقي.

 إعطاء كل ذي حق حقه في حكم القانون بعيدا عن العنف
تعرضت المدن العراقية الكبيرة شمالا وجنوبا للسلب والنهب والإعتداءات من قبل العصابات وحثالة البرليتاريا. وهذه الممارسات أدت إلى تشويه سمعة العراقيين في الوقت الذي نشعر بشئ من القناعة بأن أغلب عصابات اللصوص كانوا من الأجانب ومن البعثيين المنظمين الذين تم تدريبهم على الإجرام عربا كانوا أم كردا وتركمانا وآشوريين، لكن ذلك لايبرئ ذمتنا جميعا داخل العراق وخارجه. فالحقد الدفين في نفوس الكثير من العراقيين من عرب وكرد وأقليات إزاء النظام الصدامي البعثي المنهار جعلهم يفقدون القدرة على التفكير الصحيح، معتبرين أن كل الممتلكات تعود للبعث وصدام، مما جعلهم يسمحون لأنفسهم بعمليات السلب والسطو والإعتداء. ولكن لايمكن على أي حال قبول الجريمة مهما كانت شكلها. الإشكالية هنا هي أن بعض القنوات الفضائية سلطت الأضواء على بعض المجموعات العرقية المحددة لتشويه سمعة البعض، ولأجل زرع الحقد والعداء بين الألوان المختلفة من الشرائح العراقية، لكن العراقيين هم أرفع من هذه الممارسات العفوية التي هي نتيجة الحالة الفوضوية التي نتجت من الحرب.  
   من الضروري أن نتصف جميعا عربا وكردا وأقليات بممارسات عقلانية في الداخل والمنفى. وكلنا نشعر بأننا مفعمون بالكرامة الوطنية، ومسؤولياتنا تتطلب منا، بضرورة التسامح والمحبة والصبر, والعفو عند المقدرة، وترسيخ السلام والأمن. لذلك فإننا جميعا بحاجة إلى حكومة وطنية وإلى ترسيخ حكم القانون لإعطاء كل ذي حق حقه. فهناك مئات الآلاف من أبناء الشعب العراقي في الوسط والجنوب وكردستان العراق، قد فقدوا ممتلكاتهم بسبب السياسات التعسفية، والتعريب والتهجير، وسيطرة أناس آخرين على تلك الممتلكات. لكن هذه الحالة الغير عادلة يجب أن لا تقود إلى ممارسة العنف والتهديد والقتل والنهب. إنه من الخطأ أن يعتدي الناس على الفلسطينيين في بغداد وتهديدهم بالرحيل، أو الإعتداء على العرب الساكنين في كركوك ومندلي وزمار والموصل والبصرة والنجف وكربلاء وغيرها من المدن العراقية. ليس من العدالة أن يحمل كل فرد سلاحه ويهدد غيره بالرحيل. القانون يجب أن يحكم بشكل يرجع الحق إلى نصابه، لأنه ليس من العدل أن يسيطر شخص على ممتلكات شخص آخر في هذه المدن، إنما يجب على القانون أن يعيدها لأصحابها الأصليين. وعليه فإن الفرد الذي يسكن مسكن فرد آخر أو سيطر على ممتلكاته يجب إرجاعها حسب القوانين التي تنظم هذه القضايا الحساسة وغيرها بعد إستتباب الأمن والإستقرار، فبناء البيت العراقي لا يتم في بضعة أيام. لقد تعرضت هذه المدن وسكانها لممارسات عدوانية من قبل نظام العهد الظالم البائد. فكل فرد له الحق أن يرجع لبيته، ويستلم ماله من حق، كما ينبغي بل يجب إيجاد حل لأولئك الذين يتركون الحق لأصحابه، وتساعدهم السلطات في إيجاد مأوى لهم. فالعراق عراق جميع العراقيين. فمثلما يحق للكردي أن يسكن بغداد والبصرة فإنه يحق للعربي والتركماني والآشوري أن يسكن مدن كردستان في ظل إحترام القانون. يجب أن لا تؤدي عملية التحرير إلى حرمان فرد من حقوقه، ويجب أن يشعر كل مواطن بأنه فرد كامل النمو في المجتمع، له حقوق وواجبات على قدم المساواة أمام القانون. نعم نعتز أن ننتمي إلى العراق لأننا عراقيون، فلندع ألف زهرة تتفتح في حديقة مزهوة بالورود والزنابق، تفوح منها رائحة القرنفل والياسمين. ونردد مع "طاغور"  بثقة متناهية بعيدين عن التعصب القومي المدمر، والتطرف الديني الأعمى، ومتحررين من  الكسل العقلي، وعاقدين الصلح مع الذات:
"وحيث لا يفقد جدول العقل مجراه في صحراء التقاليد الميتة
وحيث يقود العقل نحو ساحات أفسح من الفكر والعمل
تحت سماء الحرية تلك .. ياإلهي .. أيقظ وطني"
 
• باحث وكاتب صحفي عراقي مستقل
.



#خالد_يونس_خالد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نموذج عدواني للإعلام العربي
- كردستان العراق أقليم التآخي والحرية والسلام
- وحدة الأضداد: الحرية والحرب والعبودية في ظل مشاريع الهيمنة ...
- إستراحة العقل العربي
- موقف بعض القوى الحزبية الإسلاموية والإسلامية من حقوق الكرد
- ثلاث قضايا ملحة في مواجهة العقل العربي: العراق وفلسطين وكرد ...
- عبد الكريم قاسم في ذاكرة الأيام
- عداء إيران الشاه والولايات المتحدة الأمريكية لقضية الشعب الك ...
- تردد العقلية العربية بين قوتي جذب العبودية والحرية
- نكران الأمبراطورية العثمانية وتركيا العلمانية لفضل الكرد على ...
- العراق بين الحرب والسلام
- صدام والطبيعة الفاشية لحزب البعث العربي في العراق
- الأحبة أبناء إنتفاضة آذار 1991 شموع لاتنطفئ
- كركوك نقطة إلتقاء الثقافات في العراق
- الأنفال وحلبجة بدايات الصحوة الكردستانية
- عجز تركيا في تحديد هويتها الثقافية في أنظمة العلاقات الداخلي ...


المزيد.....




- ما علاقته بمرض الجذام؟ الكشف عن سر داخل منتزه وطني في هاواي ...
- الدفاع المدني في غزة: مقتل 7 فلسطينيين وإصابة العشرات بقصف إ ...
- بلينكن يبحث في السعودية اتفاق إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق ...
- مراسل بي بي سي في غزة يوثق أصعب لحظات تغطيته للحرب
- الجهود تتكثف من أجل هدنة في غزة وترقب لرد حماس على مقترح مصر ...
- باريس تعلن عن زيارة رسمية سيقوم بها الرئيس الصيني إلى فرنسا ...
- قبل تصويت حجب الثقة.. رئيس وزراء اسكتلندا يبحث استقالته
- اتساع رقعة الاحتجاجات المناصرة لغزة في الجامعات الأمريكية.. ...
- ماسك: مباحثات زيلينسكي وبايدن حول استمرار دعم كييف -ضرب من ا ...
- -شهداء الأقصى- تنشر مشاهد لقصف قاعدة -زيكيم- العسكرية


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - خالد يونس خالد - وحيث لايفقد جدول العقل مجراه في صحراء التقاليد الميتة