أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - خالد يونس خالد - عبد الكريم قاسم في ذاكرة الأيام















المزيد.....

عبد الكريم قاسم في ذاكرة الأيام


خالد يونس خالد

الحوار المتمدن-العدد: 445 - 2003 / 4 / 4 - 03:16
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

إلتقيت به من بعيد وسط حشد جماهيري كبير يهتف بحياته. كنت في الحادية عشر من العمر، ولم أكن أفهم معنى السياسة، ولم أميز بين السياسة وعلم السياسة وفن السياسة، لكنني أتذكر جيدا بأن أحدا لم يلقبه بالرئيس القائد بل كانوا ينادونه قاسم، الزعيم الأوحد الذي إستطاع أن يدخل قلوب الملايين ويسكن فيها، كانت الهتافات تحتضنه، والمحبة تأكله بالإحترام. لم أشعر وأنا في صغر سني بأنني أمام عسكري لا يعرف السياسة مثلي، بل شعرت بأنني في حفلة يحتفل الناس برؤيته كواحد منهم. فلم يكن كأولئك الامراء الذين قال فيهم إيكولو ميكيافيللي، على الناس أن يخافوه حتى يحترموه، بل كان كالذين قالت فيهم المحبة، على الناس أن يحبوه حتى يحترموه. ولكن كيف إستطاع ذلك الثوري أن يكسب محبة الناس قبل أن ينقلب عليه بعض من  أهل العراق فيقتلوه؟
   أهل العراق أنجب "الزعيم الأوحد" الذي لم يستطع أي من رؤساء العراق بعده أن يحصل على ذلك اللقب. كان شابا نحيفا، وكانت البسمة ترتسم على وجههه المهيب، فتزيده ثقة بالنفس، وثقة بالناس، دون أن يفكر أنهم سيعادونه يوما. يكاد المرء لا يصدق أنه رئيس لبساطته وحركاته المتواضعة وكأن كل فرد ينوي أن يلتقي به كما يلتقي بأي زميل وصديق. أتذكر بأنه كان يخطب، وأنه كان يكرر كلمة "إننا نفعل كذا وكذا" وإننا وإننا حتي أنني كنت أردد هذه الكلمة دون أن أعي ماهية المعنى الكبير الذي كانت تحمله. كان يتحدث بعقل الجماهير، ممثلا لهم، بعيدا عن الأنانية. لم أسمعه ولا مرة واحدة يقول "إنني". فلم يقل أبدا كما قال ويقول رؤساء العراق من بعده بأن الرئيس هو الدستور، والدستور هو الرئيس، ولم يلقب نفسه بالزعيم الأوحد إنما لُقِب من قبل الشعب، فلم يمنح لنفسه أوسمة عسكرية وشهادات أكاديمية كما يفعل البعض.
   كان يمشي بين الناس ويلتقي بالعامة، ويتحدث معهم كما يتحدث الأب مع أبناءه والأخ مع إخوانه والصديق مع أقرانه. ومن الغرابة أن يجد المرء وجهه المبتسم دائما دون أن يرتسم أبدا طقاسيم الإنزعاج حتى يخشاه الناس. ربما كان الرجل يحمل هموم شعبه في الخفاء دون أن يُظهرها حتى يعطيهم بسمة الحياة الجميلة. كان كما كان، مدنيا في ثوب عسكري، وعاملا في ثوب الزعيم. ذهب ولم يكن في جيبه إلاّ بضعة دنانير، تلك كانت ثروته المالية مقابل الحب الكبير لشعبه، وحب الشعب الكبير له. لم يفكر بسرقة أموال الشعب ويدعها في البنوك، وكأنه كان يعلم قساوة شعب العراق ممزوجا بالمحبة.
   مرة أخرى يطرح السؤال الكبير نفسه، لماذا قُتِل "الزعيم الأوحد" بعد أن تآمر عليه أصحابه؟ دفنه بعض العامة في مزرعة صغيرة، وما أن علم به جلاديه حتى أخرجوه من مأمنه، وسحلوه في شوارع بغداد حتى بدأت جوارحه كلها تتحدث للشعب، لكل الشعب، المصير الذي ينتظرهم من جلاديه الذين قتلوه ليصبحوا قتلة الشعب.
 تأمروا عليه لأنه لم يتفق مع الذين أرادوا أن يتآمروا على الشعب البائس المسكين الذي بدأ يخرج من المغارة المظلمة إلى النور ليفك قيوده كما عبر عن ذلك الحكيم اليوناني أفلاطون. قام بإنجازات كبيرة لم يستطع زملاءه الذين كانوا معه أن يستوعبوه. جاء بقانون الإصلاح الزراعي، واعترف بالقومية الكردية وأدخل ذلك الإعتراف في الدستور العراقي, وسمح للقائد الكردي العظيم مصطفى البارزاني أن يرجع من منفاه في الإتحاد السوفيتي عام 1958 واستقبله ومعه الشعب إستقبال الأبطال. وسمح لأول مرة في تاريخ العراق بالنشاط العلني للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كان يترأسه الراحل البارزاني، وأصدر جريدته اليومية. وبذلك كسب قاسم ثقة الشعب الكردي كله. وعندما تآمر عبد الوهاب الشواف عليه عام 1959، لم يتردد الكرد في دعمه. وأتذكر كيف أن آلاف المسلحين الكرد هرعوا من كردستان إلى مدينة الموصل بسياراتهم المدنية وبمبادرات شخصية وبدعم من القائد الكردي البارزاني لمؤازرة الزعيم الأوحد، وسحقوا مؤامرة الشواف. وكان الشعب الكردي ككل العراقيين واعيا من أن قدوم حزب البعث إلى العراق يكون كارثة له وللعراق كله.
   عرف حزب البعث مدى إلتفاف الشعب من عرب وكرد وأقليات حول قاسم، وعرف أنه لا يمكن تحطيم جبهة الشعب حوله بسهولة ، فلجأ إلى الإستعمار، وإلى التحايل في خداع قاسم بضرورة تصفية االتعددية المتمثلة بحرية الأحزاب السياسية وخاصة الحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الكردستاني. وازدادت الضغوطات الإستعمارية والبعثية على الزعيم الأوحد للعمل على تجريده من ثقة الشعب والإنقضاض عليه غدرا. تمكن البعث العراقي كسب ود جماعة عبد السلام عارف، وحاولوا معا إضعاف مركز قاسم، فمنعوا التعددية الديمقراطية وضربوا الأحزاب السياسية، وقتلوا ألاف الكوادر منهم، وخاصة من الحزب الشيوعي، كما منعوا نشاطات الحزب الديمقراطي الكردستاني، وضربوا الكرد أيضا، ونصبوا محاكم ، وشكلوا المقاومة الشعبية التي كانت في البداية تؤيد قاسم، فدخلوا فيها وجعلوها أداة لضربه. وحاكت المؤمرات الإستعمارية وخاصة الأنكلو سكسونية.
   هنا وجد الشعب نفسه في مأزق، وكان من الصعب على الناس ، وخاصة العامة أن يستوعبوا الحقائق بتلك السرعة، ونجح الإستعمار والرتل الخامس في تمرير مؤامراتهم. واشتدوا الخناق على الشعب الكردي بأسم قاسم من أجل عزله وقتله. فوجد الشعب الكردي نفسه مهددا، بعد أن لاحقوا قياداته وكوادره، وبدأت الثورة الكردية الوطنية في أيلول1961 للدفاع عن نفسه وحماية المكاسب التي حققوها في بداية الثورة.
   هدف حزب البعث العراقي الذي إستغل الحرية الممنوحة للشعب، كان الإنقضاض على حكم قاسم، بخداع بعض الأطراف العراقية، وإعطائهم وعود كاذبة بعراق أفضل. ومن أجل تمرير مؤامرتهم، أدخلوا العراق في دوامة من التناقضات الداخلية والصراعات الدولية وخاضة مع مصر وعبد الناصر الذي كان يمثل حينذاك رئيس العروبة، من أجل عزل قاسم. ورفعت شعارات لم تكن متوافقة مع طبيعة المجتمع العراقي المسلم مثل "رأس الشهر ماكو مهر" و "سنمضي سنمضي إلى ما نريد ونسحق جمال وأحمد سعيد" وما شابه. ونجح البعث والقوى العربية الشوفينية حوله بضرب القضية الكردية، وإضعاف سلطة قاسم، وجعل الشعب العراقي يتردد عما يجري في الكواليس, والزعيم الأوحد بكل براءته ومحبته للشعب كان يجهل مؤمرات الأعداء حوله، وتعاونهم مع القوى الخارجية. كما لم يكن للشعب الكردي في ثورته الفتية تجارب كبيرة في مواجهة مثل هذه الأحداث، سوى أنه كان يجد نفسه مجبرا لمقاومة العدوان الذي لحق به من جراء قضاء المتآمرين على الإنجازات التي حققها قاسم والشعب. وهكذا كانت إنقلاب 8 شباط الأسود عام 1963 الذي قاده عبد السلام عارف وحزب البعث العربي الإشتراكي. إنه البعث الذي حول بلد الرافدين من بلد الأخوة إلى بلد المشاغبة والعداوات. إنه البعث العربي العراقي الذي لم يؤمن يوما بحرية الشعب، ولم يعمل إلاّ للهدم والتخريب وشرزمة أبناء الشعب والدول العربية.
   أي حياة بعد موت زعيم الشعب؟ والشعب يتذكر ذلك العملاق الذي هزم الإستعمار وحطم قيود الذل والعبودية بقيادته لثورة 14 تموز الجبارة عام 1958 التي أجبرت قوات الإستعمار البريطاني بالجلاء من الأراضي العراقي. وأي موت كموتتة "الزعيم الأوحد" بقطع أوصاله إربا إربا، والشعب العراقي يدفع ضريبة الواقعة في 8 شباط الأسود 1963 بتعرضه إلى حياة القتل والتهجير والظلم والتعذيب. فما اعظمك أيها الشعب العراقي الكريم، وأنت تتعرض لكل هذا الغدر والقساوة من جلاديك من البعث العراقي والإستعمار.
   لا يزال الدم ينزف، والدموع تسكب والأطفال جياع، والنساء ثكالى، وتستمر الإعدامات، وسياسة التعريب والتهجير والعنصرية. ولا زال هناك مغفلين لا يقرؤون التاريخ بوعي فيدافعوا عن سياسات التطهير العرقي وإستخدام السلاح الكيمياوي، والعمل على محاصرة الشعب العراقي بعربه وكرده وأقلياته. وبلغ الحقد الشوفيني عند بعض أشباه الكتاب بدعوة محاصرة الكرد في العراق وضربهم وقطع الكهرباء وإمدادات الطعام والأدوية عنهم بحجة تجريد الميليشيات الكردية من السلاح، ودعوة القوى الخارجية كالترك لتصفية الأحزاب الديمقراطية الكردستانية, وهي نفس الدعوة التي أطلقها البعث لعزل قاسم وقتله. وهؤلاء هم نفس القوى التي عملت ولا تزال لشرزمة العراق وشعبه، وهم أيضا نفس الرتل الخامس الذي لا يعرف معنى الديمقراطية وتخشى من الحرية، ولا تفهم إلا لغة القتل والتصفيات الجسدية, ومحو الشخصية القومية لغير العرب. هذا هو البعث وجلاوزته من أعداء الحرية، بعدم قبول الأخر في عصر العولمة والأنترنت.
   عبد الكريم قاسم، الزعيم الأوحد الذي يتذكره الشعب في ذكرى رحيله الأربعين، في فاجعة أربعينيته، في ذكرى مرور أربعين عاما من الظلام الدامس التي خيمت على العراق الأبي، ذكرى رحيل بسمة قاسم التي طبعت في ذاكرة الإنسان العراقي. وتتحاور الأقلام ، وتكتب عنه الأفكار، وتعيد قراءة التاريخ الآباء والأبناء، وتتحدث عنها الأيام، فأصبح على شفاه الذين ذاقوا طعم الحرية أيام العز، وعايشوا طعم الذل أيام العبودية، وأصبحت الحرية تراود الجميع حين يذكر أسم قاسم في ذاكرة الأيام، وأصبحت العبودية تراود الجميع أيضا مع الأيام. فإلى الحرية نسير حتى نكتسبها لأنها اليوم لاتمنح بل تُكتَسَب، وإنها اليوم لا تُكتَسب بالكسل العقلي إنما بالعلم والمعرفة والنضال. فإلى النضال الديمقراطي من أجل الأخوة الصادقة بين كل شرائح وفصائل وطوائف الشعب العراقي، ومن أجل الحرية والإستقلال والتقدم والسلام بعيدا عن الحقد والكراهية والإرهاب.

    * باحث وكاتب صحفي عراقي- السويد

 



#خالد_يونس_خالد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عداء إيران الشاه والولايات المتحدة الأمريكية لقضية الشعب الك ...
- تردد العقلية العربية بين قوتي جذب العبودية والحرية
- نكران الأمبراطورية العثمانية وتركيا العلمانية لفضل الكرد على ...
- العراق بين الحرب والسلام
- صدام والطبيعة الفاشية لحزب البعث العربي في العراق
- الأحبة أبناء إنتفاضة آذار 1991 شموع لاتنطفئ
- كركوك نقطة إلتقاء الثقافات في العراق
- الأنفال وحلبجة بدايات الصحوة الكردستانية
- عجز تركيا في تحديد هويتها الثقافية في أنظمة العلاقات الداخلي ...


المزيد.....




- السعودية.. تداول فيديو -إعصار قمعي- يضرب مدينة أبها ومسؤول ي ...
- أبرز تصريحات وزير الخارجية الأمريكي حول غزة وهجمات إيران وال ...
- مصرع 42 شخصا بانهيار سد في كينيا (فيديو)
- رئيس الوزراء الإسباني يقرر البقاء في منصبه -رغم التشهير بزوج ...
- -القاهرة الإخبارية-: مباحثات موسعة لـ-حماس- مع وفد أمني مصري ...
- مستشار سابق في البنتاغون: بوتين يحظى بنفوذ أكبر بكثير في الش ...
- الآلاف يحتجون في جورجيا ضد -القانون الروسي- المثير للجدل
- كاميرون يستأجر طائرة بأكثر من 50 مليون دولار للقيام بجولة في ...
- الشجرة التي لم يستطع الإنسان -تدجينها-!
- ساندرز يعبر عن دعمه للاحتجاجات المؤيدة لفلسطين ويدين جميع أش ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - خالد يونس خالد - عبد الكريم قاسم في ذاكرة الأيام