أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - خالد يونس خالد - حقائق الأمس أساطير اليوم وحقائق اليوم أساطير الغد















المزيد.....


حقائق الأمس أساطير اليوم وحقائق اليوم أساطير الغد


خالد يونس خالد

الحوار المتمدن-العدد: 504 - 2003 / 5 / 31 - 05:19
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


        
حقائق الأمس أساطير اليوم، وحقائق اليوم أساطير الغد، فكيف كان التاريخ لأهل العراق بالأمس؟ وكيف يسير التاريخ بأهل العراق اليوم؟ وهل إتجاه التاريخ مستقيم أو حلزوني؟ كيف ندرس التاريخ ونعي قراءته، ونتعلم من وقائعه، وهو كما يُقال "علم المستقبل"؟
    في آخر الزمان الذي نعيش فيه تظهر مخلوقات في هيئة بشر، تأكل لحوم الناس. في آخر الزمان يستعبد بعض المخلوقات في صورة إنسان، بني الإنسان، لتهيئة النفوس الضعيفة بتأييد ممارساتهم نفسيا قبل ظهور الدجال. ويُقال بأن الدجال يظهر من الشام، مثلما يُقال بأن صدام موجود اليوم في الشام، والذي وصل إليه ضمن موكب السفير الروسي الذي تعرض للقصف الأمريكي، أو أنه في طريه إلى الشام. ويبدو أن الحنين يراود صدام حين حاول إغتيال الزعيم الأوحد عبد الكريم قاسم عام 1959 من شرفة قصر بشارع الرشيد ببغداد حين كان موكب الزعيم قاسم يمر فيه. وهرب صدام حينذاك إلى سوريا، وكان يعيش في مدينة قامشلي الكردستانية. وشاءت الصدف أن ألتقي بشاب سرياني من قامشلي، يدرس معي في مدرسة سويدية، ليتحدث لي عن حياة صدام في تلك المدينة. فقد كان يلتقي بصدام حسين في نهاية الخمسينات وأوائل الستينات قبل أن يرجع إلى العراق عام 1963. قال بأن صدام كان مخلوقا أشقيا يتسكع في الشوارع، ويحب الخصام. وكان يقول للشباب باللهجة العراقية "مَن يجرأ أن يتعارك معي، أشتهي العركة؟" وشاءت الأقدار أن يصل صدام إلى دفة الحكم بإنقلاب البعث عام 1968. وشاءت الأقدار أيضا أن أجد شخصيا صدام يجلس بجانبي على نفس الطاولة في كلية القانون والسياسة بجامعة بغداد عام 1973، وهو يقدم إمتحان السنة النهائية في مادة القانون. ورغم أنه كان مسجلا كطالب بجامعة المسنتصرية إلاّ أنه أحب الحصول على شهادة جامعة بغداد لسمعتها الحسنة. لم يكن صدام الملقب حينذاك  ب "السيد النائب" أي نائب الرئيس السابق أحمد حسن البكر، معروفا في الأوساط الأكاديمية. تصورنا بأن إنقلابا عسكريا قد حدث، حين أحاطت مدرعات مبنى الكلية، وصعد عشرات الجنود المبنى في منطقة راغبة خاتون ببغداد العاصمة. لم يمكث " السيد النائب" في قاعة الإمتحان سوى بضعة دقائق ثم خرج، ولم نجده بعد ذلك. وبعد ظهور النتائج، تبين بأن "السيد النائب" قد رسب بدرس واحد وهو "القانون الدولي". وكان أستاذ القانون جريئا حين قرر عدم إعطائه درجة النجاح، قائلا إنه لم يجاوب. نصحه زملاءه أن ينجحه لينجو بعنه، لنه رفض وهرب الأستاذ الدكتور من العراق إلى مصر، فقد صدر بحقه حكم الإعدام بتهمة "الخيانة العظمى".

 كيف اصبح "السيد النائب" رئيسا؟ 
أراد صدام أن يتزوج من إبنة خاله، واشترط عليه الخال بدفع مهر إبنته، وذلك بقتل عمه. ذهب الشاب الشرس ليحصل على ثمن المهر، والتقى بعمه وهو يحاول أن يسد متجره، فسلم عليه وقال: جئت لأقتلك يا عماه، فابتسم العم ببساطة دون أن يصدق، وإبن أخيه سحب مسدسه وأرداه قتيلا.
   تآمر "السيد النائب" صدام على الرئيس أحمد حسن البكر، وعزله، ونصب نفسه رئيسا عام 1979. ونجح قبل ذلك وبعد ذلك بقتل أو عزل كثير من معارضيه الأقوياء من داخل حزب البعث قبل أن يتفرغ لأكل لحوم أبناء الشعب الأبرياء. فأكل ناظم كزار مدير الأمن العام، وعبد الخالق السامرائي وصالح مهدي عماش وعشرات غيرهم من زملائهم الذين كانوا أعلى درجة منه في المناصب الحكومية والحزبية. كما نجح في إغتيال كثير من أصدقائه المقربين مثل وزير الدفاع في عهد الرئيس البكر حردان التكريتي في الكويت، والذي سبق أن كتب مذكراته بعنوان "كنا عصابة من اللصوص والقتلة خلف مليشيات صدام للإعدام" والتي كانت سببا لإغتياله.

حقيقة الأمس أسطورة اليوم
  قبل أن نتحدث عن سادية صدام وعشقه لأكل لحوم البشر نورد قصة تعتبر واقعية في العقل الكردي إلى درجة أن الكرد يحتفلون بذكرى إنتصارهم على الطاغية الضحاك، في حين يعتبرها الكثير من غير الكرد أسطورة. فبينما تعتبر حقائق الأمس أساطير اليوم عند البعض فإن حقائق صدام بأكله لحوم البشر اليوم قد تعتبر أساطير الغد.    
   يُقال بأنه كان في قديم الزمان ملك طاغية إسمه "الضحاك" حكم أمبراطورية مترامية الأطراف في بلاد ما بين النهرين وكردستان وإيران. تسلط هذا الملك على شعب آمن سكن المنطقة إسمه الكرد. أصاب الملك العجوز بداء نصحه الطبيب بالدواء، وكان دواءه أكل دماغ شابين من الكرد كل يوم. وكان خادمه يأخذ شابين، فيذبح أحدهما ويتخلى عن الثاني على أن يهرب إلى جبال كردستان، ويعوض عن دماغه بدماغ خروف. وخلال أعوام طويلة فقد الكثير من الرجال أطفالهم، وكان رجل كردي يعمل حدادا إسمه "كاوه" له سبعة أطفال، وفقد ستة من أطفاله، وجاء دور السابع، فأخذه الجنود لذبحه، فلم يكن من الأب الحداد إلاّ أن أخذ سندانه، وتوجه إلى قصر الطاغية الضحاك وضرب على رأسه بسندانه وأرداه قتيلا. وحدث ذلك في عام 612 قبل الميلاد، وهي المناسبة الوطنية عند الكرد والفرس بالإحتفال بعيد يسمى "عيد نوروز" الذي يصادف 21 آذار من كل عام، حيث تُشعل النيران على قمم الجبال إحتفالا بالنصر، ويسمى اليوم الأول من الربيع، والحرية. ويُقال بأن الناس المسالمين الذين هربوا إلى الجبال من بطش الملك الطاغية "الضحاك" هم من الكرد الذين تعودوا على الحياة القاسية والعنف والقتال والفروسية، وأخذ الإبن عن الأب، والأب عن الجد. هؤلاء هم الكرد الذين أصبحوا تواقين للحرية، بحكم الحياة الحرة والقاسية التي عاشها الأجداد في سفح جبال كردستان التي يعتبرها الكرد موطنهم الأصلي.  
   تلك الحقيقة الكردية التي تُقرأ اليوم في الكتب كأساطير، تعطينا واقعة جديدة في عالم اليوم وفي نفس منطقة الشرق الاوسط نسبيا، حيث صدام حسين، الطاغية الذي سلط على رقاب الشعب العراقي بعربه وكرده وأقلياته من تركمان وكلدو آشوريين وغيرهم. حقيقة صدام وكيف أنه يأكل لحوم البشر كما كان الضحاك يأكل دماغ الكرد، قد تصبح غدا أسطورة يقرؤها الأطفال في الكتب.
 
الطاغية آكل لحوم البشر
 رئيس دولة غنية إسمها العراق، مخلوق يتزوج، وينجب أطفالا، يأكل لحوم البشر، ويربي طفليه عدي وقصي بممارسة الجريمة والتلذذ على فعل الجريمة. لقد كشف الدكتاتور صدام عن ساديته بتصفية منافسيه أولا قبل معارضيه. ومن أجل أن يشبع ذاته المريضة بدأ بشن الحرب على إيران عام 1980، أي بعد أن نصب نفسه دكتاتورا بحوالي عام واحد. ودامت الحرب ثماني سنين، أكل خلالها لحوم مليون إنسان شواها في فرن الحرب العراقية الإيرانية. وكان يعتبر الأخوة المسلمين الشيعة بأنهم "مجوس" . وبعد الحرب مباشرة بدأ بحملات الإبادة الجماعية بحق الكرد في كردستان. وقتل في حملات الانفال الظالمة 180 ألفا واستخدم السلاح الكيماوي وأكل في يوم واحد لحوم خمسة آلاف كردي في حلبجة. وسفر ما يقارب نصف مليون كردي فيلي إلى إيران، بعد أن جردهم من ممتلكاتهم وأموالهم. ثم بدأ الغزو البعثي الصدامي للكويت عام 1990، فذبح ما ذبح من الكويتيين، وأكل لحوم كثير من الأبرياء، وقتل اسراهم الستمائة دون أن يكونوا قد إقترفوا أي ذنب، إلاّ أن الطاغية آكل لحوم البشر كان يريد أن يشبع شهوته اللاإنسانية بسكب دماء الأبرياء من العراقيين والكويتيين. كان الولد يريد أن يشبع ذاته المجنونه، وعقله المريض، وكان يشعر بالسعادة في قتل البشر، كما كان الذئب يفترس ضحيته ويشبع بطنه، ويبحث عن فريسة أخرى من جديد.

قصة أم عراقية بصقت بوجه صدام
قصة مروعة حدثت على أرض الرافدين، أرض الخيرات التي سُلبت منها الخيرات، وارض الرجولة التي أُعدمت فيها الرجولة، وأرض الكرم والعطاء والحضارة، وقد أصبحت يتيمة، هجرتها الأنظمة العربية، وودعتها العقلية العربية، وهرب منها أربعة ملايين عراقي إلى المهجر، وتركها الضمير العالمي سنين طوال من حكم البعث الصدامي فريسة للعدوان والإغتصاب والمذابح.
    إسمعوا هذه الحقيقة، إبان الحرب العراقية الإيرانية، حيث إلتقى صدام حسين، الذي جمع حوله ألقابا لا تعد ولا تحصى، حتى أن أستاذي الذي كان يُدرسني مادة "العلاقات الدولية" الدكتور عدنان البكري" كان يقول مستهترا، بأن "السيد النائب، المهيب والعالم والفيلسوف والفيزيائي والكيميائي والفقيه والمفكر والمعلم" ، فكنا نضحك حتى إشتكت عليه زوجة وزير النفط العراقي الأسبق، وكانت طالبة معنا. فهرب الأستاذ الدكتور لينجو برقبته. نعم، صدام حسين، إلتقى بسيدة عراقية نبيلة، وأم لثلاثة شباب كانوا قد سيقوا عنوة إلى الجبهة،. إلتقت بهذه السيدة الفقيرة، البائسة، الأسيرة، ولكن أيضا العظيمة والأبية والعزيزة. وسألها صدام وهو في زيارة إلى بيتها، والتلفاز يبث اللقطة مباشرة: ماذا سيكون موقفك لو جاء أحد واخبرك بأن إبنا لك قد إستشهد في جبهة قادسية صدام ضد الإيرانيين؟ فجاوبت الأم بعفوية: ليكن فداءا للسيد الرئيس صدام . فقال صدام: وإذا جاءك خبر بأن إثنين من أبنائك الثلاثة قد إستشهدا، فماذا تقولين؟ فقالت الأم: ليكونا فداءا للسيد صدام. (هنا حذفت الأم بعفوية كلمة "الرئيس"). فقال صدام بتحمس والبسمة تعلو على شفتيه: وإذا أخبرك أحد بأن أولادك الثلاثة إستشهدوا في المعركة فماذا سيكون رد فعلك؟ فأجابت السيدة العظيمة التي كانت تحمل أسمى أيات العظمة الإنسانية في محبتها لأطفالها، وهي لا تفكر بمرارة الحقيقة لأن الحب الكبير في قلبها يمنعها أن تفكر، حتى مجرد تفكير أنها ستخسر فلذات كبدها وأطفالها الثلاثة، فجاوبت: ليكونوا فداءا لك. فقال الطاغية المستبد: أحملوا نعوشهم، لقد قُتلوا ثلاثتهم. فما كانت من المرأة التي واجهت الحقيقة المرة، إلاّ أن بصقت بوجه صدام وهي تصرخ، ياظالم، يا دجال. وما كان من الظالم الذي أكل "تفلة" كما يُقال باللهجة العراقية، إلاّ وسحب مسدسه وفرغه في رأس الإمرأة التي تستحق أت تُصنع لها تمثالا ذهبيا تعوض كل تماثيل آكل لحوم البشر. ولكن، وكم أشعر بالمرارة من كلمة "ولكن" هنا، حين أقول أين رمس هذه الإمرأة؟ وكيف يمكن أن يزورها حبيبها وزوجها، وأب الشباب الثلاثة الذين أُقتيدوا عنوة إلى الجبهة بدون إرادتهم؟ هل من سبيل لهذا الرجل الأب أن يزور قبر أم أطفاله أو أنه خائف من الزيارة؟ نعم ولسان حاله يردد قول الشاعر الأموي جرير:
لولا الحياء لعادني استعبار    ولزرتُ قبرك والحبيب يُزار
ولكن، مرة أخرى "ولكن" ، لابد من تبديل كلمة "الحياء" في البيت الشعري إلى كلمة "الخشية". فالرجل لا يعلم قبرها إن كان لها قبر، إلاُ أننا جميعا نعلم بأن روحها تسكن بجوار ربها. ربما نتجرأ أن نقول بأن الأب أيضا قد قُتل كما قُتلت الأم، فكم من أبرياء أُخِذوا بأعمال الآخرين؟

المقابر الجماعية:
أين كان ألاف العراقيين ومئات الكويتيين الذين غابوا عن الأنظار في العراق؟ كان الأهالي يبحثون عن ذويهم دون أن يعلموا أنهم دُفنوا أحياءا في حفر تحت الأرض. لقد تجلت الحقيقة، وكشف الطاغوت الذي كان يتاجر بالقرآن والسجاد، ويخدع الناس في إقامة الصلاة. صدام الذي إعتبره الجهلة من الناس رجلا ورعا يخاف الله، يدفن الآلاف من المدنيين العزل والأطفال والنساء دون ذنب إرتكبوها سوى أنهم كانوا يريدون أن يعيشوا أحرارا. فإكتشاف المقابر الجماعية في المدن العراقية في البصرة وبغداد وكربلاء والموصل والحلة وكركوك شواهد ثابتة ودامغة على العقلية السادية التي كانت في جوف النظام العراقي المنهار. كيف كان الطاغية يأكل لحوم كل هؤلاء الآدميين من الأبرياء دون أن يشبع؟ أي أحشاء هذه التي لا تتمزق؟ وأي قلب لا يموت من هذه الممارسات التي تقشعر لها الأبدان؟

قصة الرجل الذي عاش في قبو لمدة 21 عاما
مَن يصدق أسطورة الغد وحقيقة اليوم، بأن رجلا عراقيا مسلما شيعيا إختفى عن الأنظار وعاش في قبو لا يتجاوز عرضه مترا واحدا وطوله كطول الرجل لمدة 21 عاما. أبى الرجل أن يخدم الخدمة العسكرية وخبأ نفسه في القبو، وكانت والدته العجوز تمده بالطعام. وكان الرجل يتابع الأحداث من خلال سماعة الأذن وهو يسمع راديو ترانسيستر. إنقطع عن العالم وحرم على نفسه ضوء الشمس، والجمال الإنساني، والخضر وسحر الطبيعة والوجه الحسن، متمسكا بمبادئه وإعتقاداته، رافضا أن يخدم في جيش الطاغية، ومعاندا لمجتمع العسكرة، ونظام الإرهاب البعثي الصدامي. إنه أبى أن يحارب الشعب الإيراني، وأبى أن يغزو وطن الشعب الكويتي، ولم يوافق أن يساهم في المجاذر الوحشية التي قام بها صدام ضد الشعب . كان مرتاح الضمير رغم كل المعاناة التي كان يعانيها في ذلك القبو المظلم، وهو يقتاد قوت يومه راضيا بما هو فيه، على أن لا يعمل في خدمة الدجال. هكذا كان، إلى أن خرج بعد أن عرف بتحرير العراق من ظلم الظالم صدام. خرج وهو يرى الجنود الأمريكيين في كل مكان. لكنهم سيرحلوا، لأن الغريب سيرحل يوما، والشعب سيتحرر كاملا، والوطن العراقي التي يحب الشمس ستحتضنها غدا.

إنهم ليسوا عراقيين أبرياء ياسادة
كيف يمكننا أن نعتبر هؤلاء الذين قتلوا فينا، وذبحوا أعزائنا أبرياء؟ إنهم ليسوا عراقيين شرفاء، أولئك الذين حكمونا بالإرهاب، واستغلونا بالأنحطاط الفكري، وأخذوا منا أحباءنا، ثم جندوا بعض السوقيين وحثالة البروليتاريا ليدافعوا عنهم، ويظهروهم بمظهر البشر. كيف تدافعون عن الرذيلة، وتحكمون بالموت على الفضيلة، وتتهموننا بالخيانة لأننا نرفض الذل والخنوع والإستعباد. تريدون أن ندخل في حروب أهلية حتى يأتينا جلاوزة البعث الصدامي من جديد. نرفض الحكم البعثي، ونرفض صدام، ونطالب بالقبض عليه في أي مكان كان، لمحاكمته، ومعه أبناءه وحاشيته. لا تدعوا ذئبا يفلت من العدالة، ولا تعتدوا على أحد، واتركوا الحكم للعدل، بعيدا عن العواطف والمشاعر، حتى تستأنس أرواح شهدائنا، وتنام في مراقدها قريرة الأعين إلى يوم يُبعثون.

جنون العظمة والنفس المنحطة
جنون العظمة عند صدام حسين، ونفسيته المنحطة جعلته أن يختفي حقيقته وراء الواجهات، وهو عاجز أن يعيش حياة إعتيادية. بنى له عشرات القصور الفخمة من جماجم أبناء الشعب العراقي، وأنهار الدماء الذكية تسير من تحت تلك القصور التي كانت تنبعث منها رائحة جرائم صدام العفنة، وهو يخاف أن ينام  براحة بال في قصر واحد من هذه القصور. إنه كان يخاف من نفسه ومن أقرب المقربين إليه، ويبدل مكان مبيته كل ليلة، ويخشى أن يأكل قبل أن يأكل سيده الذي كان يقوده نفسيا، حيث يأكل قبله ليطمئن الجبان أن يأكل.
   صنع له مئات الأصنام، والقزم يقلد صور الرجال العظام، مثل صنم له وهو يلبس خوزة صلاح الدين الأيوبي على صهوة جواده وهو لا يصلح أن يكون أبسط جندي في مؤخرة قافلة صلاح الدين. فصلاح الدين الذي كان معروفا بتسامحه وكرمه وعفوه إلى درجة أنه بعث بطبيبه الخاص ليعالج خصمه المريض (ريكاردو قلب الأسد). وهو الشهم الشجاع الذي أخبره أصحابه بقولهم: "أيها الناصر صلاح الدين، ما لنا نراك متجهم الوجه عابسا ورسول الله كان لا يُرى إلاّ باسم الثغر. قال صلاح الدين: أتريدونني أن أبتسم ومسجد الأقصى يحتله أعداء الله؟ لا والله لا أبتسم إلاّ أن أحرره أو أهلك دونه". فأين أنت أيها المهزوم صدام من ذلك العملاق الكردي المسلم؟
  ومن علامات جنون صدام أن إفتعل له كنية وقرابة من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ومن الإمام علي عليه السلام، فكيف السفاح الذي كان يغتصب النساء من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن إبن عم رسول الله عليه السلام؟ أي مرض هذا الذي كان يعانيه وهو يتلذذ بقتل الناس الأبرياء ، ويربي ولديه على القتل والإرهاب وسرقة أموال الشعب، حتى أصبحا على سر أبيهما؟

هل يخجل صدام وينتحر؟
هل ينتحر صدام البعث العربي الإشتراكي في العراق مثلما إنتحر هتلر النازية في ألمانيا؟ لاأعتقد أنه شريف بذلك القدر القليل القليل جدا كهتلر النازية حتى ينتحر. فحزب البعث ليس أفضل من النازية في ممارساته. النازية في ألمانيا شهدت هزيمة واحدة في تاريخها إبان الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك لم يتقبل زعيمها على نفسه تلك الهزيمة الوحيدة في حياته فانتحر. أما صدام فعايش هزيمة تلو هزيمة، وكان يحتفل بذكرى هزائمه بلا ضمير ولا خجل. فأي صنف من البشر كان يأكل لحوم الناس وهو يدعي بالنصر في الهزيمة، وبالإسلام في الكفر، وبالطهارة في الإغتصاب؟ كيف يمكن للطاغوت أن يخجل، كما يقول الحديث النبوي الشريف: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت". فالمكروه لا يعرف إلا الكره، والبغيض لا يفهم الرحمة، ويعتبر العفو إستسلاما. وعرف عنه أنه يتنازل حتى للشيطان من أجل أن لا يتنازل للشعب العراقي، ومن أجل أن يحتفظ بكرسي الرئاسة، لكن الله لا يهدي القوم الظالمين. فستأتي الساعة وملايين القتلى يأخذون بيد القاتل الذي هرب، ليسألوا رب العزة: اللهم يا ملك الملوك والعادل العدل، إسأله لِمَ قتلني؟ فمثلما لم تنفعه وأهله المليارات المسروقة، والرؤوس المقطوعة، والقصور الفخمة، وستة ملايين جندي مسلح في العراق، فلن تنفعه في الآخرة.
  الحب أقوى من الكره، والإيمان أقوى من المنكر، والديمقراطية أقوى من الدكتاتورية، والإنسان السوي الحر أقوى من الهزيمة، إنه كما قال الكاتب الفذ همنغواي بأن الإنسان لا ينهزم ولكن يمكن أن يدمر. لكن الشعب العراقي لن ينهزم، ولن يدمر، لأنه أقوى من الهزيمة، ليدمر أعداءه. وقد هزم صدام وهزم نظامه، وسوف ينتصر ويهزم المحتلين، ويرفع راية الحرية عالية تحت الشمس في عاصمة الرشيد، قلعة الصمود والحضارة. 

ملاحظة: قد يعتقد بعض القراء بأنني أنتقد صدام بعد هزيمته، لكنني أقول للحقيقة بأنني إنتقدت صدام ونظامه منذ السبعينات ولحد اليوم. وكل مَن يقرأ مؤلفاتي والصحف والمجلات التي ترأست تحريرها يعرف هذه الحقيقة. أما الذين كانوا يخدمون صداما ويمدحونه بالأمس فإن نقدهم اليوم كلمات بلا معنى. وقد يتجاوز بعض هؤلاء حدود النقد إلى الشتائم، فيشوهوا بالشتائم جمال كلماتهم.

• باحث وكاتب صحفي عراقي مستقل

 

 



#خالد_يونس_خالد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجديد وإبداع في الحوار المتمدن
- الخوف من الذات والخوف من الآخر
- وحيث لايفقد جدول العقل مجراه في صحراء التقاليد الميتة
- نموذج عدواني للإعلام العربي
- كردستان العراق أقليم التآخي والحرية والسلام
- وحدة الأضداد: الحرية والحرب والعبودية في ظل مشاريع الهيمنة ...
- إستراحة العقل العربي
- موقف بعض القوى الحزبية الإسلاموية والإسلامية من حقوق الكرد
- ثلاث قضايا ملحة في مواجهة العقل العربي: العراق وفلسطين وكرد ...
- عبد الكريم قاسم في ذاكرة الأيام
- عداء إيران الشاه والولايات المتحدة الأمريكية لقضية الشعب الك ...
- تردد العقلية العربية بين قوتي جذب العبودية والحرية
- نكران الأمبراطورية العثمانية وتركيا العلمانية لفضل الكرد على ...
- العراق بين الحرب والسلام
- صدام والطبيعة الفاشية لحزب البعث العربي في العراق
- الأحبة أبناء إنتفاضة آذار 1991 شموع لاتنطفئ
- كركوك نقطة إلتقاء الثقافات في العراق
- الأنفال وحلبجة بدايات الصحوة الكردستانية
- عجز تركيا في تحديد هويتها الثقافية في أنظمة العلاقات الداخلي ...


المزيد.....




- حمزة يوسف.. الوزير الأول بإسكتلندا يعلن أنه سيستقيل من منصبه ...
- مصادر لـCNN: حماس تناقش مقترحًا مصريًا جديدًا لإطلاق سراح ال ...
- رهينة إسرائيلية أطلق سراحها: -لن أسكت بعد الآن-
- لا يحق للسياسيين الضغط على الجامعات لقمع الاحتجاجات المناصرة ...
- باسم خندقجي: الروائي الذي فاز بالجائزة العالمية للرواية العر ...
- بلينكن يصل إلى السعودية لبحث التطبيع مع إسرائيل ومستقبل غزة ...
- ظاهرة غريبة تثير الذعر في تايوان.. رصد أسراب من حشرات -أم أر ...
- مصري ينتقم من مقر عمله بعد فصله منه
- لردع الهجمات الإلكترونية.. حكومة المملكة المتحدة تحظر استخدا ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة في دونيتسك والقضاء على 975 جن ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - خالد يونس خالد - حقائق الأمس أساطير اليوم وحقائق اليوم أساطير الغد