أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - مفقودون بلا أثر















المزيد.....

مفقودون بلا أثر


محمد الدرقاوي
كاتب وباحث

(Derkaoui Mohamed)


الحوار المتمدن-العدد: 7651 - 2023 / 6 / 23 - 14:17
المحور: الادب والفن
    


مذ خرجت زوجته ولم تعد وهو لايغادر البيت ،بسمة ارتياح لاتغادر وجهه مرتخيا على كرسي هزاز في هدوء وسكينة نفس الى نافذة البهو المطلة على الشارع ،يدقق النظر في الرائح والجاي كأنه يتلمس عودتها وقد تقمصت روحها أحد وجوه المارة الكذبة النرجسيين ،أو ربما حلت في قطة وشق بأقدام سوداء ، تقفز و تموء بلا انقطاع ،أو كلبة بوكسير تلاكم بلاتوقف وتنبح بشراسة .. يضحك في أعماقه ساخرا من إيمان زوجته الشديد بتناسخ الأرواح كانت تعانده بحجج تتوهمها حقيقة لمعتقد لديها راسخ ..
" ميلادي بعودتي سيتجدد ، فخلود روحي ثابت، لاينكره الا دهري مثلك لا يعي غائية عودة الروح الى أجسادها يوم القيامة .. يموت جسدي لامحالة ، لكن روحي راجعة لإتمام رسالتها على الأرض "..
يقهقه وهو بكامل ثقته بما يدور في رأسه أن رسالتها لم تكن غير روحها ، أن تسكنه وفيه تتحكم وبرايها يحيا ، انتقامية، لذتها أن تذيقه مما أذاقها أجيالا.. كان يدرك هذا منها فغاية معتقدها أن تطمس له شمسا ..
ـ "عنك لن أغيب يازوجي العزيز ومني لن تهنأ أو ترتاح ، أولك يهدأ بال ، قد تغيب عنك صورتي ، لكن روحي ستظل تحاصرك وحولك تحوم ليل نهار.."
يحرك راسه بايجاب وهو يوازن بسخرية بين نقائضها ويقظته ..
كان مصباح صغير ضئيل الضوء هو ما يشير الى وجوده الليلي ساهرا يدخن أو يكلم نفسه ، حتى أن أحد الجيران قد استبعد ألا تكون زوجته موجودة فعلا ، بل هي من يرد عليه الصدى بنفس تسرعها وثرثرتها التي لايتوقف لها لسان وهي تستميت في الدفاع عن معتقدها ، أو تفشي ما توصلت اليه ببحث ونبش عن أسرار من يشاركها العمل ،إذ لا معنى أن تخرج سيدة معروفة بين سكان الحي من البيت بهدير يومي كإثارة ،بها تلفت عيون المارة ومن يترقبون طلعتها البهية قبل أن تطل عليهم مساء عبر شاشات التلفزة فتثير الكبير والصغير بإلتفات ، فكيف تخرج من البيت ولا ينتبه اليها أحد؟..لا الشرطة قد وجدت لها امارة تدل عليها ولاعيون المخابرات قد اهتدت لأثر..
بعد ثلاثة اشهر تعانقت أبواب نوافذ البيت عناقا طال وامتد وما عاد البيت يتنفس من الأبواب هواء ،ولا الأبواب تسمح بنور من ذؤابة مصباح فتعكس إشارة بوجود ..
أين رحل الزوج؟ لا أحد يدري !! .. فكما غابت زوجته خفية بلا علامة تدل عليها ،فقد تبعها الزوج خفية كذلك بعد حزن شديد، وكأن أرضية البيت مطمورة تبتلع ما فوققها ثم تلتحم بلا اثر يدل عليها ؛وحين أثار الشك سكان المنطقة في أن يكون الزوج قد مات كمدا بعد أن فارقته زوجة كانت تبهر العين ولها تتناغر الأحاسيس برغبة ، رغم ماكان يتبدى عليها من شراسة والتي كان يؤولها البعض في رغبة شبقية هي مامات في الزوج ،وظلت عليها تستحوذ وبها تثير عشاقها إذ كل ما فيها يغري بالقبل والعناق. فتح أحدهم البيت بعد إذن من السلطات لكن لم يكن في البيت غيرالصراصير ، وبعض الجرذان وقبائل النمل التي فتحت ثلمات بين الشقوق وتسعى جادة لبناء مدنها ..
ثلاث سنوات وزيادة وجميع أبواب البيت تطبق على ما في داخلها،هي كما هي لم يتغير فيها الا لون الخشب الذي التهمته الشمس وشققه المطر فصار كألواح مراكب الصيادين المتلاشية الباهتة والمهملة على ضفاف الأنهار المنسية ..
ذات ليلة عاصفة أرعدت وابرقت ورمت السماء رجومها مياها أغرقت بيوتا وقلبت أخرى عاليها على سافلها .ارتعب الناس وأفزعتهم الكارثة بذعر فتركوا مساكنهم وفروا صعودا بعناء وصبر الى صخرة عالية فوق نهر يخترق المدينة خوفا من تدمير آت لا محالة يسألون الله الرحمة و التخفيف عنهم ..
الأقوياء منهم تمكنوا من النجاة بوضع قدم فوق الصخرة لكن غيرهم :منهم من غابوا نهائيا ،ومنهم من قذفتهم التيارات المائية قلب بيوت أخرى لا يعرف أحد هل ماتوا ام لازالوا يعانون ويقاومون داخلها ...
كان الفارون يطلون من أعلى الصخرة ،متحسرين تدمع عيونهم وترجف قلوبهم على أمتعة الناس طافية أو متقافزة تندفع من النوافذ وأبواب المساكن فتجرفها السيول ..
صاحب مقهى مشاكس يعارض كل شيء قال:
ـ هذا عقاب تنبيهي من الله لحكومة تعمى لها العيون عن الأثرياء وأصحاب المشاريع المقربين من يستغلون فضاءات عمومية فتنساهم بلا ضرائب، لكنها تحاصر المقاهي الصغيرة بإتاوات تدعيها حقوقا حول ما يسمعه روادها من مقاطع غنائية ويشاهدونه من برامج تلفزية ،أنظروا الى المقاهي عوامة بأثاثها ،كؤوسها وأكوابها وأباريقها كصيبات بلورية راجمة من سماء ..
عويل ، بكاء وصياح الفارين وهم يشيعون مع الامتعة والأغراض حزمات لأوراق مالية من مختلف العملات تلفظتها صناديق خشبية أو حديدية ولم يستطيعوا النزول اليها ، ولا ملاحقتها او السباحة خلفها ..
أحد الجباة المرضى بغرور العظمة توهم نفسه بطلا فرمى بنفسه قلب المياه الجارفة محاولا انقاد حزمة من مال ظهرت ثم غابت ومعها غاب نهائيا بلا اثر ..
كانت أحاديث الفارين فوق الصخرة ؛حسرة على العلب المبطنة ، والوسائد والمضربات وقد تفككت ورمت مخزونها من ذهب وفضة ، جواهروقطع نقدية ذهبية رسبت في قعر المياه ، ولن تكون الا من حظ الشركات التي ستتكلف بتنقية النهر بعد انحسار المياه أو عمال البلدية ومساعدي الصحة وغيرهم ممن يحشرون أنوفهم في كل شيء ،ويتقنون البحث في مثل هذه المهمات ..
شهقت أمراة وهي تجأر بشكوى نادبة حظها وحظ من ضاع وغبر :
ـ أموال جمعها سماسرة السياسة والنقابات وموظفون سامون ، من الرشاوى بعيدة عن عيون الدولة ،وأخرى لأصحاب الريع من يملكون رخص الرمال والمناجم ،وبواخر الصيد في أعالي البحار ، وأموال أخرى لتجار وأصحاب معامل وشركات مما تم ابعاده وحجبه عن عيون الضرائب يطوح بها الطوفان نكاية في أصحابها.ماذا بقي لنا ؟ حرمان قبل الكارثة وفقر بعدها ...يا رحمة الله بنا !! ..
شابة صغيرة لفتت انتباهها حزمات من كتب مجلدة بأوراق صفراء قد غابت ألوأنها ، تبسمت رغم الذعر الذي كان يملأ صدرها ومع نفسها تمتمت :
أومن لو كتب الله لي النجاة لعشت في وطن بلا إرهاب فكري ولا ألسنة تزايد على ربها وتؤول كلامه بما لم يبلغه رسوله أو بلغه وحرفته اللحى المغشوشة حسب هواها ورغبة حكامها ..
لوحة خشبية كمحفة طويلة من مترين تقريبا مربوطة عليها جثة بأحزمة جلدية وحبال كانت المياه تتقاذفها داخل بيت الزوجين المفقود ين، تكاد توشك على التخلص من حصار النافذة فتمنعها تيارات الماء الدوارة من قوة الدفق داخل البيت ..
الجميع انتبه الى اللوحة وقد توهموا أن أحد الفارين بنفسه قد ربط اليها أمتعة قد يتداركها ولاتضيع منه بغرق .. وربما ضاع هو وغبر، وبقيت اللوحة تدور وتحاول الانفلات بارتطامات قوية مع إحدى النوافذ ..
مالت اللوحة بعد ان قلبتها أحدى تيارات الماء فانحبست محصورة بين المتلاشيات مما فككته انسكابات السيول ..
ثم مالبث الناس أن أرعبهم دوي قوي جعل المياه تغور وتنطمر بعد أن أنفتحت الأرض وابتلعت جميع من فوقها الا الفارين المنذعرين فوق الصخرة وقد صاروا مكان الأرض الهاوية .بعد أن تساوت الصخرة بما تحتها . دمدمات أخرى تسري بين الناجين وما أقلهم ، حتى البيوت صارت أرضية لا تظهر لها غير بقية باهتة عدا البيت الذي علقت به المحفة الطويلة كان آخر ما هوى وظل فوق الانقاض كإطلالة باقية ..اللوحة وما كان مربوطا فوقها قد انسلخ عنه كل دثار كشف رجال الانقاد انها المذيعة التلفزيونية زوجة الرجل الذي غبر ،تم التعرف عليها بوحمة سوداء على فخدها الأيسر وبأحد الأحزمة الذي لم يكن غيرحزام زوجها الذي كان يتمنطق به في رحلات القنص ..
بعد أن توقفت الأمطار وغار الماء تم الكشف عن خزان حديدي كخزانات المواد النفطية بسعة غرفة في المنزل لفظته أرضية البيت بعد ان فككت دفقات المياه القوية مقابضه وتلحيماته وهو الذي احدث الدوي الكبير الذي فسح الطريق باتساع للمياه ان تغور في النهر الذي يخترق المدينة ..
ما فاجأ الشركات التي تكفلت بإزاحة ما تراكم من أنقاض وأزبال ورواسب هو كمية الهياكل العظمية المتفككة في النهر والتي فاقت بكثير عدد من جرفهم الطوفان بعد إحصاء الخسائر، وقد ابانت تحليلات الحامض النووي أنها لمفقودين سياسيين ورجال أعمال أثرياء غابوا من عشرين سنة مضت بلا اثر يدل عليهم ، تناسهم الزمان لكن في عيون ذويهم قد ظلوا أحياء .. وما زاد في الاستغراب كذلك هو قادوس اسمنتي ضخم بارتفاع قامة إنسان امتداده كيلومتران وزيادة يؤدي الى حديقة غناء بها غرفة عالية تطل على رحابة الطبيعة يقيم فيها الزوج المفقود بكامل زينته وأناقته وقوة شبابه مع ملكة جمال الكون للسنة ماقبل الماضية ،تومن كما عاشقها يومن أن الحياة غنيمة لذة من حاضر ولا روح تنتقل الى غير جسدها ..
الغرفة مفتوحة على فيلا خارقة المحتويات لثري هندي حسب مايشاع وتردده ابواق المأجورين الخدمة ما يوهم الناس أن الرجل مقعد قد هده الزهايمر ولا يتنقل الا على كرسي متحرك ..



#محمد_الدرقاوي (هاشتاغ)       Derkaoui_Mohamed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس بالدين
- انتضلتك° أنثى
- ذكريات من رماد 2/6 أنثى تعيد للنهر الجريان
- طبق الملح
- ذكريات من رماد
- ذريعة
- ستائر
- طحن الزعفران
- أنثى اسمها عنبر
- حبة لؤلؤ
- زيارة ...
- صدرية صفراء وخاتم ذهبي
- أيور
- كنت أفر من أبي
- لو يمهلني عمري !!..
- أنثى من عهد الشباب الأول
- أنثى مغربية
- هوس
- طرحة سوداء
- خجل


المزيد.....




- تداول أنباء عن زواج فنانة لبنانية من ممثل مصري (فيديو)
- طهران تحقق مع طاقم فيلم إيراني مشارك في مهرجان كان
- مع ماشا والدب والنمر الوردي استقبل تردد قناة سبيس تون الجديد ...
- قصيدة(حياة الموت)الشاعر مدحت سبيع.مصر.
- “فرحي أولادك وارتاحي من زنهم”.. التقط تردد قناة توم وجيري TO ...
- فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي ...
- ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ ...
- بعد مسرحية -مذكرات- صدام.. من الذي يحرك إبنة الطاغية؟
- -أربعة الآف عام من التربية والتعليم-.. فلسطين إرث تربوي وتعل ...
- طنجة تستضيف الاحتفال العالمي باليوم الدولي لموسيقى الجاز 20 ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - مفقودون بلا أثر