|
نافذة هروب
سليم النجار
الحوار المتمدن-العدد: 7650 - 2023 / 6 / 22 - 22:27
المحور:
الادب والفن
خالد سامح قصص قابلة للتعميم سليم النجار بناء معمار القصة: وصف الحالة النفسية للشخصية المعمارية، وبؤرة الأحداث.. "ثم همهمت عجوز من المارّة بكلمات غير مفهومة، فالتفت إليها الناس الذين بدأوا بالتجمّع ولم يلتقطوا سوى عبارة "الناس فقدت عقلها وانجنّت" ". اعتمد القاصّ على ضمير الاستغراب والدهشة المتماهي كليًا مع السارد، مما يتيح لنا مناقشة الكاتب وليس الشخصية القصصية حول الدهشة ومدى دقّتها لوصف المجتمع وعلاقته بالحدث، ومن غريب المصادفات أن هذه الدهشة تصدق وتأتي متطابقة مع الوقائع الحياتية، كما حصل يحصل في القصة التي حملت عنوان "حادثة الأيام السعيدة". ضمير الدهشة أتاح للسارد إمكانية ملامسة دواخل الشخصية، ونقل توتّرها النفسي الداخلي إلى الخارج، مما ساعد في عملية الاستحواذ على القارئ وجعل البطل في قصة "نافذة هروب" قريبًا منه، كما أنّ اتحاد الشخصية المحكي عنها مع شخصية القاص ساعد على إقناع المتلقي بواقعية الحكاية والتفاعل معها.. "وأنا أهبط درجات السلم، تخيّلتها مشروع مؤجل كحياتهم، الأدراج غير مبلّطة بعد، والجدران لم تطل، وعندما قابلت حيدر على الرصيف حاول إقناعي بالعودة، فاخترعت مواعيد وارتباطات عديدة ووعدته بأن نبقى على اتصال". تنحو قصص خالد سامح باتجاه الداخل النفسي للشخصية المحورية فيها، فالدهشة لا تتعلق بالآخرين، والصوت المنادي هو نداء المؤلّف.. "الركّاب صامتون كمتّهمين في القفص ينتظرون النطق في الحكم، وأنا الانتحاري الذاهب إلى عملية لم يفكر ابدًا في نتائجها، لن أفكر.." يكشف القاصّ بعد جهد وعناء عن صاحب الصوت، متكبّدًا رحلة بحث مضنية بين السؤال والحوار الذاتي، رحلة شبيهة بقصة "المحارب القديم".. "صمتت هالة على الكنبة المقابلة لتشرب القهوة، الصور العسكرية المتناثرة على الجدران تشعل ذاكرتها شمعة شمعة، تثير في داخلها مشاعر متناقضة من الرهبة والحنين".. استخدم القاص تقنية المقاربة بين الحاضر المأزوم والحنين للماضي، فصوته هو الذي يخاطب، وذلك تخلّصًا من وضع يهرب من مجابهته.. نجح القاصّ في التمويه وإخفاء الصوت، لكنه كشف عنه من خلال قراءة إشارات غير مباشرة، ليعلم القارئ بعد بذل جهد ممتع أن هذا الصوت هو صوت السارد المشارك في مسروده، كما نقرأ في قصة "حدث باليوم الأخير": "عرف من لهجته أنّه غريب، وقام شاكرًا له لطفه ونبله، وبدت علامات التعجّب على وجهه، فقد ظنّ طوال عمره أن جميع الأثرياء أشرار ومتكبرون ولا يمكن لهم الاعتذار عمّا يبدر منهم من أخطاء تجاه الفقراء". اعتمد الكاتب في نصّه على السرد دون التركيز على الوصف إلّا ما قلّ منه، مع أن الحالة تسمح بذلك، وبشكلٍ خاص في الوضع النفسي.. "أمّا العيون التي تعلو تلك الشفاه المبتسمة، فهي حالة خاصّة وفريدة، إنّها تشبه العيون الكورية والصينية والتايوانية وغيرها في شرق آسيا، لكن ما يميّزها هو ذلك التأرجح الدائم بين الأمل ورماد هيروشيما وناكازاكي المنبثق منها باستمرار رغم كل السنوات التي مرّت على الكارثة". اقتصاد في اللغة وابتعاد من الإسراف فيها، مع تجنّب الإسهاب في الوصف واختيار موفّق للدوال، والقلق، والاضطراب، والسهاد، وقصدية واضحة في عدم الاتّكاء على غواية اللغة، مع التركيز على دراميّة الحدث الذي بدأ متوترًا من بداية السرد الوصفي إلى خاتمة قصة "موقف عادي جدًا".. "ردّ الرئيس باستهزاء: هل لديك تقرير طبي يثبت ذلك؟ فأجاب بالنفي، عندها قال الرئيس وهو يلبس معطفه ويهم بالمغادرة: إذن لا يمكنك تقديم شكوى، وغادر على عجل تاركًا إيّاه وحده في وسط الغرفة المتجمدة".. وكانت خاتمة القصة على الشكل الآتي: "الأستاذ عبد السلام عبد الله الكاتب المسرحي، يا لها من صدفة رائعة، تبادل الجاران ضحكة مجلجلة فرضها وأكملا السهرة معًا".. قصة نافذة هروب الصادرة عن دار اليازوري/ عمان عام ٢٠٠٩، تضعنا أمام شخصية قصصية منطوية عازفة عن الحياة، متقوقعة على ذاتها، مشغولة بمشاكل وهموم الآخرين تاركة مشاكلها تتراكم في داخلها إلى أن تعالى صراخها الداخلي.. "ثمّة صوت كان يهمس في أذني وأنا أفتح الباب وأغادر، لم تنجز أي شيء...مشكلتك لن تُحَل" نافذة هروب فتحت آفاق رحبة وأشكال مختلفة لنقل الأفكار والتواصل مع الآخرين، وتبقى القصة بأشكالها المختلفة، أكثر قدرة على الوصول إلى دواخلنا والتأثير فيها، وذلك لما تحمله من متعة جمالية، ولذة معرفية بنقل الخاص إلى العام.
#سليم_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكتابة ضد النسيان
-
رواية نساء بطعم الرماد
-
رواية عندما تبتسم الشمس
-
رواية حياة بعد الموت
-
رواية أبواب ومفاتيح
-
رواية بقعة عمياء
-
رواية أنت طالق
-
رواية منّ السما
-
زحمة أفكار تستريح على رصيف الرواية
-
رواية صيف مع العدو
-
رواية أسرار القوقعة
-
ملحمة الخلاص في عالم موبوء
-
رواية هكذا صرت ملاكا
-
رواية مرايا للكاتبة نسرين الحمود
-
رواية الحب ثالثا وأخيرا
-
رواية ابنة السفير
-
رواية التي كانت أنا
-
رواية حنظلة
-
رواية أدراج الإسكافية للكاتبة فداء الحديد
-
رواية سهام أبو عواد
المزيد.....
-
مصر.. داعية إسلامي يثير جدلا كبيرا بتعزيته لفنان شهير في -و
...
-
-ملفات بيبي- الفيلم الوثائقي الذي أغضب نتنياهو
-
انطلاق معرض بغداد الدولي للكتاب تحت شعار -العراق يقرأ-
-
من هي صفية بن زقر -سيزان السعودية- التي نعاها أبناء الخليج؟
...
-
المقاتل الروسي عمر نورمحمدوف يوجه إنذارا شديد اللهجة لمنظمة
...
-
اليونسكو قلقة من نهب متاحف ومواقع أثرية في السودان
-
تايلور سويفت وكيتي بيري في أبرز لحظات حفل توزيع جوائز MTV ال
...
-
-درس البيانو-.. إرث العبودية يتجسد في فيلم عائلة دينزل واشنط
...
-
روسيا تقترح استحداث جمعيتي السينما والرقص الشعبي لدول -بريكس
...
-
روسيا.. صدور 38 مجلدا للموسوعة التاريخية الروسية
المزيد.....
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
-
البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان
...
/ زوليخة بساعد - هاجر عبدي
-
التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى
/ نسرين بوشناقة - آمنة خناش
-
تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة
/ كاظم حسن سعيد
-
خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي
...
/ أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة
-
آليات التجريب في رواية "لو لم أعشقها" عند السيد حافظ
/ الربيع سعدون - حسان بن الصيد
-
رنين المعول رؤى نقدية لافاق متنوعة ج1 كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|